تتزايد أعداد الضحايا في قطاع غزة يومًا بعد يوم، مع ارتفاع وفيات المجاعة وسوء التغذية إلى 193 شخصًا، من بينهم 96 طفلًا. هذه الأرقام المأساوية، التي أعلنت عنها وزارة الصحة في القطاع، تكشف عن حجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة التي يواجهها السكان. وقد سجلت الوزارة خمس وفيات جديدة جراء المجاعة خلال الـ 24 ساعة الماضية فقط، ما يؤكد خطورة الوضع.
في ظل هذه الأزمة، لا يقتصر الكابوس على الجوع فقط، بل يمتد ليشمل أزمة مياه حادة تهدد حياة الجميع. وبينما يتجه الاهتمام العالمي نحو المجاعة، تحذر منظمات الإغاثة من أن نقص المياه لا يقل خطورة، بل قد يكون أخطر.
رحلة البحث عن قطرة ماء
يُجبر سكان القطاع، الذين أنهكهم الجوع والعطش، على قطع مسافات طويلة يوميًا عبر المناطق المدمرة بحثًا عن الماء. هذه الرحلات الشاقة لا توفر لهم سوى كميات قليلة لا تكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الشرب والنظافة.
توقفت خطوط المياه التي كانت تغذي القطاع بمعظم المياه النظيفة عن العمل، وتعرضت لأضرار جسيمة. ورغم استئناف بعض الإمدادات لاحقًا، يقول مسؤولو المياه في غزة إنها لم تعد كافية لتلبية احتياجات السكان.
أدت الأزمة إلى اعتماد السكان على مصادر مياه ملوثة. ورغم وجود بعض وحدات التحلية الصغيرة التابعة لمنظمات الإغاثة، إلا أن معظم المياه تُستخرج من آبار ملوثة بمياه الصرف الصحي والمواد الكيميائية المتسربة من الأنقاض. وقد أدى هذا التلوث إلى انتشار الأمراض مثل الإسهال والتهاب الكبد.
أطفال يتحولون إلى حاملي مياه
يعاني الأطفال بشكل خاص من هذه الأزمة. يقول منذر سالم، مدير عام مصادر المياه في سلطة المياه وجودة البيئة، إن الأطفال فقدوا طفولتهم وأصبحوا ناقلين للمياه، يركضون خلف الشاحنات أو يقطعون مسافات بعيدة لتعبئة المياه لعائلاتهم.
هذا الواقع المأساوي يصفه معاذ مخيمر، الشاب البالغ من العمر 23 عامًا، الذي يضطر للسير مسافة كيلومتر والوقوف في طابور لمدة ساعتين للحصول على المياه، ويكرر المهمة ثلاث مرات يوميًا. يقول معاذ: "إلى متى سوف نضطر إلى البقاء على هذا الحال؟"
أرقام صادمة وتزايد الأمراض
وفقًا لمنظمة أوكسفام، يبلغ متوسط استهلاك الفرد للمياه في غزة الآن من ثلاثة إلى خمسة لترات يوميًا، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى لحالات الطوارئ الذي حددته الأمم المتحدة بـ 15 لترًا يوميًا. وهذا يتناقض بشدة مع متوسط الاستهلاك في المناطق المجاورة، الذي يبلغ نحو 247 لترًا يوميًا.
حذرت المنظمة أيضًا من انتشار الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه، مؤكدة أن معدلات الإصابة ارتفعت بنسبة 150% خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وهذا ما أكده جيمس إلدر، المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، الذي قال إن الحرمان المزمن أصبح قاتلًا، وأن الجوع والجفاف لم يعودا مجرد آثار جانبية للحرب، بل أصبحا من آثارها المباشرة.
ترى منظمات الإغاثة، مثل أوكسفام والمجلس النرويجي للاجئين، أن الحل الوحيد لهذه الأزمة هو وقف إطلاق النار الفوري والسماح لوكالات الإغاثة بالوصول غير المقيد إلى جميع أنحاء القطاع.