في أعقاب الحرب القصيرة مع إسرائيل، التي استمرت 12 يومًا في يونيو الماضي، بدأت تتكشف تصدعات داخلية عميقة في المشهد السياسي الإيراني. وفي تطور لافت، وجه كل من الزعيم الإصلاحي مهدي كروبي والرئيس الإيراني السابق حسن روحاني انتقادات حادة للسياسات الحكومية، لا سيما فيما يتعلق بالبرنامج النووي والاقتصاد، معتبرين أنها أوصلت البلاد إلى أزمات خطيرة.
كروبي: "السياسات الكارثية" أوصلت الشعب إلى "قاع الهاوية"
انتقد الزعيم الإصلاحي مهدي كروبي، الذي رُفعت عنه الإقامة الجبرية مؤخرًا بعد 14 عامًا، السياسات النووية الإيرانية بشكل صريح، واصفًا إياها بـ "الكارثية". وذكرت مواقع إخبارية إصلاحية أن كروبي، خلال لقائه مع مجموعة من الإصلاحيين، أكد أن النظام "كان يريد أن يصل بالشعب إلى القمة عبر الطاقة النووية، بينما أوصل الأمة إلى قاع الهاوية".
ولم تقتصر انتقادات كروبي على الملف النووي، بل امتدت لتشمل أداء النظام بشكل عام، مشيرًا إلى أن المسؤولين "ليس لديهم قراءة وفهم صحيحان لوضع البلاد". وناشد كروبي كبار المسؤولين بضرورة "العودة إلى الشعب" وتوفير أرضية "للإصلاحات الهيكلية القائمة على إرادة الأمة"، محذرًا من أن الوقت قد ينفد. كما أعرب عن أسفه لابتعاد الناس عن الثورة والنظام بسبب سوء أداء المسؤولين.
تحليل: دعوة روحاني لخفض التوتر مع واشنطن وتطهير الاقتصاد من العسكر
في السياق نفسه، دعا الرئيس السابق حسن روحاني إلى تبني "استراتيجية جديدة" تقوم على خفض التوتر مع الولايات المتحدة وتحديد أهداف السياسة الخارجية بناءً على مصالح الشعب. وفي رسالة فيديو، عرض روحاني روايته الخاصة للأحداث التي سبقت ورافقت الحرب الأخيرة، مؤكدًا أن الهجوم الإسرائيلي-الأمريكي كان يهدف إلى "إسقاط النظام" وتفكيك المنطقة، وليس الملف النووي.
وشدد روحاني على أن الشعب الإيراني، رغم خلافاته الداخلية، توحد في مواجهة العدوان الخارجي، وهو ما أدى إلى إفشال خطط واشنطن وتل أبيب. لكنه في الوقت ذاته، قدم سلسلة من التوصيات لإصلاح المسار الداخلي والخارجي، أبرزها:
خفض التوتر مع واشنطن: دعا روحاني إلى "خفض التوتر مع أميركا إذا كان في مصلحة البلاد"، مؤكدًا أن تخفيف العداء يعد خطوة أساسية لحماية المصالح الوطنية.
ترك القوات المسلحة للاقتصاد: حث روحاني القوات المسلحة على ترك الأنشطة الاقتصادية والتركيز على مهامها الدفاعية. وأكد أن اقتصاد البلاد يجب أن يدار من قبل "الخبراء المدنيين" وليس من قبل العسكريين.
تعزيز الوحدة الوطنية: طالب روحاني النظام بـ "الإصغاء لمطالب الشعب" ومنحه إطارًا سياسيًا يسمح بمشاركة أوسع في البرلمان، وإنشاء أحزاب قوية.
ويُظهر خطاب روحاني تباينًا واضحًا مع خطاب بعض المتشددين داخل النظام، الذين يرفضون أي تقارب مع الغرب.
تحليل إخباري: هل يمثل كروبي وروحاني جبهة إصلاحية جديدة؟
تأتي تصريحات كل من كروبي وروحاني في وقت حساس للغاية بالنسبة للنظام الإيراني. فبعد رفع الإقامة الجبرية عن كروبي، يبدو أن هناك محاولة لإعادة تنشيط التيار الإصلاحي في البلاد، الذي طالما كان مهمشًا.
ورغم أن كروبي وموسوي، الذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية، ينتميان إلى التيار الإصلاحي، فإن روحاني الذي ينتمي إلى التيار المعتدل يعتبر إضافة نوعية لهذه الجبهة. ويشير تلاقيهما في نقاط رئيسية، مثل انتقاد السياسات الحالية والدعوة للإصلاح، إلى أن هناك تحالفًا غير معلن قد يتشكل لمواجهة تيار المتشددين الذي يهيمن على الحكم في طهران.
كما تعكس هذه التصريحات حالة من القلق العميق داخل النخبة الإيرانية، حيث يشعر البعض بأن السياسات الحالية، وخاصة الاعتماد المفرط على الملف النووي والمواجهة المستمرة مع الغرب، قد أدت إلى عزلة اقتصادية وسياسية أضرت بالشعب.
يبقى السؤال: هل ستكون هذه الانتقادات مجرد أصوات معزولة، أم أنها قد تشكل بداية لحركة إصلاحية جديدة تفرض تغييرات حقيقية على المشهد السياسي الإيراني؟