أبلغت الترويكا الأوروبية المكونة من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، مجلس الأمن الدولي، قرارها تفعيل آلية "سناب باك"، وهي آلية لإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران. يأتي هذا القرار بعد فشل جهود دبلوماسية مكثفة استمرت لأسابيع وشهور لإقناع طهران بالعودة إلى التزاماتها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015.
ووفقًا لمسؤول أوروبي رفيع، فإن الأبواب الدبلوماسية لم تُغلق بعد، مشيرًا إلى أن الآلية تمنح فترة سماح مدتها 30 يومًا قبل دخول العقوبات حيز التنفيذ. وقد أكد وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أن هذه الفترة ستُستغل للحوار مع إيران لضمان عدم امتلاكها سلاحًا نوويًا.
خلفية القرار وأسبابه
وقّعت القوى الأوروبية الثلاث، إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا والصين، الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015، والذي التزمت بموجبه طهران بفرض قيود على برنامجها النووي مقابل رفع بعض العقوبات الدولية. ومع ذلك، شهد الاتفاق انتهاكات متتالية من الجانب الإيراني، خصوصًا بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في عام 2018.
وحدّد المسؤول الأوروبي ثلاثة أسباب رئيسية دفعت لتفعيل آلية "سناب باك":
تجاوز الالتزامات النووية: أشار المسؤول إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب تجاوز 9 آلاف كيلوغرام في شهر مايو، وهو ما يعادل 45 ضعف الحد المسموح به في الاتفاق.
غموض المواقع النووية: أوضح المسؤول أن الكميات الكبيرة من اليورانيوم المخصب تُخزن في مواقع غير محددة، مما يثير مخاوف بشأن الرقابة.
رفض التعاون الدبلوماسي: أكد المسؤول أن إيران لم تتجاوب مع الجهود الدبلوماسية الأوروبية والأممية التي بدأت في يناير 2020، كما رفضت السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى بعض المنشآت النووية.
انتهاكات واسعة للاتفاق النووي
وقد رصدت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية العديد من الانتهاكات الإيرانية للاتفاق، منها:
تخصيب اليورانيوم: تُخصب إيران اليورانيوم بنسب تصل إلى 60%، وهي نسبة قريبة جدًا من المستوى العسكري.
المخزونات: بلغ المخزون الإيراني من اليورانيوم المخصب 9247.6 كيلوغرام، وهو ما يتجاوز بكثير الحد المسموح به.
أجهزة الطرد المركزي: تواصل إيران تشغيل آلاف من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، مما يزيد من قدرتها على التخصيب بشكل كبير.
الرقابة: أوقفت إيران تدابير المراقبة الإضافية منذ عام 2021، مما قلل من قدرة الوكالة على التحقق من أنشطتها النووية.
معدن اليورانيوم: أنتجت إيران كميات من معدن اليورانيوم الطبيعي والمخصب، وهو ما يعد انتهاكًا مباشرًا للاتفاق.
وقد ردت إيران بانتقاد الخطوة الأوروبية، محذرة من أن التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد يتأثر ويتوقف تمامًا.
تحليل إخباري
تُمثل خطوة الترويكا الأوروبية بتفعيل آلية "سناب باك" نقطة تحول حاسمة في الأزمة النووية الإيرانية. هذه الخطوة، وإن كانت دبلوماسية في مظهرها، إلا أنها تحمل في طياتها رسالة سياسية قوية ومباشرة مفادها أن صبر القوى الأوروبية قد نفد. على مدار السنوات الماضية، حاولت هذه الدول إبقاء الاتفاق النووي على قيد الحياة، رغم تآكله المستمر بسبب الانتهاكات الإيرانية المتزايدة.
تأتي هذه الخطوة مدفوعة بثلاثة محاور رئيسية. أولًا، الانتهاكات الإيرانية المتصاعدة التي باتت تهدد بشكل مباشر الأمن الإقليمي والدولي. فمع ارتفاع نسبة تخصيب اليورانيوم وتراكم المخزونات، أصبح المسار الإيراني نحو القدرة على امتلاك سلاح نووي أقصر من أي وقت مضى. ثانيًا، فشل المساعي الدبلوماسية في ثني طهران عن مسارها، وهو ما دفع القوى الأوروبية للاعتقاد بأن الضغط وحده هو القادر على دفع النظام الإيراني نحو التراجع. وثالثًا، الرغبة في استباق التوترات المحتملة وتجنب أي تصعيد عسكري غير مرغوب فيه، فمن خلال تفعيل العقوبات، تأمل الدول الأوروبية في ممارسة أقصى ضغط ممكن على طهران دون اللجوء إلى خيارات أكثر خطورة.
ما يميز هذه المرحلة هو أن تفعيل "سناب باك" يفتح نافذة زمنية مدتها 30 يومًا، يمكن خلالها إحياء المفاوضات. هذه الفترة الحرجة يمكن أن تكون فرصة أخيرة لإيران للعودة إلى طاولة المفاوضات بجدية، وقبول الشروط الأوروبية التي تشمل استئناف عمليات التفتيش الكاملة. وإذا فشلت هذه المساعي، فإن العقوبات الدولية ستُعاد بالكامل، مما سيُلقي بظلاله على الاقتصاد الإيراني ويزيد من عزلته الدولية.
ويبقى السؤال الأهم: كيف سترد إيران؟ هل ستقوم بالتصعيد من خلال خطوات انتقامية قد تشمل تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أم ستختار المسار الدبلوماسي لتجنب المزيد من الضغوط والعزلة؟ الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل الأزمة النووية الإيرانية ومصير الاتفاق الذي بات على وشك الانهيار التام.