تواجه أفغانستان، التي تُعد بالفعل من أفقر دول العالم، عاصفة اقتصادية مدمرة بسبب عودة ما يقرب من مليوني لاجئ من الدول المجاورة، ما يهدد بانهيار اقتصادها المترنح.
وتأتي هذه العودة الجماعية نتيجة لحملة ترحيل قسرية شنتها كل من إيران وباكستان، مدفوعة بمشاعر معادية للأجانب وضغوط سياسية. ويعود هؤلاء اللاجئون، الذين فقد معظمهم وظائفهم ومساكنهم، إلى بلد يحتاج أكثر من نصف سكانه البالغ عددهم 42 مليون نسمة إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
تأثير مضاعف للأزمات
تتزامن هذه الأزمة مع انخفاض حاد في المساعدات الأجنبية، خاصة بعد إنهاء عمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية هذا العام، ما أدى إلى إغلاق أكثر من 400 منشأة صحية وترك مئات الآلاف بدون مصدر ثابت للغذاء.
وصف بيتر شودري، الخبير في السياسات ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الوضع بأنه "عاصفة اقتصادية بكل ما تحمله الكلمة من معنى". ويشير إبراهيم بهيس، المحلل المختص بالشأن الأفغاني، إلى أن هذه الأزمات "تخلف تأثيراً متسلسلاً على اقتصاد كان يعاني بالفعل من سنوات عصيبة".
وعلى الرغم من أن الاقتصاد الأفغاني قد شهد نمواً طفيفاً بنسبة 2.5% العام الماضي بعد انكماش كبير، إلا أن هذا النمو لم يترجم إلى تحسن في مستويات معيشة غالبية الشعب. وتشير أرقام البنك الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي اليوم لا يزال أقل مما كان عليه في عام 2011، رغم تلقي البلاد مساعدات سنوية تتجاوز 4 مليارات دولار بين عامي 2001 و2021.
تحديات اجتماعية واقتصادية
البطالة والفقر
تفاقمت معدلات البطالة مع عودة اللاجئين، فقد كان الكثير منهم يعتمد على العمل في إيران وباكستان لإعالة أسرهم. يقول غلام علي حسيني، الذي عاد مؤخراً من إيران، إنه لم يتمكن من العثور على عمل أو منزل، بعد أن كان يكسب 6 دولارات يومياً من عمله في البناء.
وفي الداخل، أدت القيود المشددة على عمل النساء إلى حرمان نصف القوى العاملة من فرص العمل. فقد كانت "إيلاها" تعمل في صالون تجميل في إيران، ولكن منذ ترحيلها، تجلس في المنزل بدون عمل، بينما يكافح والدها وشقيقها للعثور على وظائف.
توقف التحويلات المالية
أدت عودة اللاجئين إلى توقف التحويلات المالية الحيوية التي كانت ترسلها الجالية الأفغانية في الخارج لدعم أسرها. ويواجه العديد من العائدين صعوبة في سحب أموالهم من البنوك الإيرانية أو استرداد ودائعهم، ما يزيد من محنتهم المالية.
تخفيضات حكومية
في ظل نقص السيولة والمساعدات، أقدمت الحكومة على تسريح الآلاف من موظفيها المدنيين والأمنيين، كما خفضت الرواتب. وصرّح مسؤول في إدارة مالية إقليمية بأن راتبه لم يعد يكفيه إلا لشراء ثلث احتياجاته الغذائية، بينما اضطر قائد سابق في القوات المسلحة، يعمل الآن سائق سيارة أجرة، إلى تقليص عدد وجبات أسرته اليومية.
جهود واعدة وتخوف من المستقبل
رغم الأزمات، هناك بعض المؤشرات الإيجابية. فقد وقعت الحكومة الأفغانية خطة بقيمة 10 مليارات دولار مع شركة إماراتية لإنتاج الكهرباء، وتعهدت الصين بزيادة وارداتها من المنتجات الأفغانية. كما أن الاعتراف الروسي الأخير بالحكومة الحالية يثير الأمل في الحصول على مزيد من الدعم المالي.
لكن عمال الإغاثة يحذرون من أن الاستجابة الإنسانية الحالية لا تزال غير كافية، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء. وأعلنت الحكومة الباكستانية عن عزمها طرد 1.3 مليون لاجئ أفغاني إضافي، ما ينذر بتفاقم الأزمة.
تصف السلطات الأفغانية تدفق العائدين بـ "قضية خطيرة" لكنها ترى أنهم يمكن أن يساهموا في إعادة بناء البلاد، وتدعو الشركات الأجنبية للاستثمار. ومع ذلك، تبقى التحديات ضخمة، ويظل مستقبل ملايين الأفغان معلقاً في الميزان.