ثارت زيارة قائد الجيش الباكستاني إلى شرق ليبيا، ولقاءاته مع قائد القيادة العامة خليفة حفتر، تساؤلات واسعة حول دلالات الخطوة وانعكاساتها على وضع حفتر العسكري والسياسي، في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة الليبية.
ووصل قائد الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، إلى مدينة بنغازي يوم الأربعاء، في أول زيارة رسمية من نوعها إلى ليبيا، على رأس وفد عسكري رفيع المستوى. وشملت الزيارة لقاءات مع خليفة حفتر ونجليه صدام وخالد حفتر، في إطار بحث سبل تعزيز التعاون الثنائي بين الجانبين في مجالات متعددة، بحسب بيانات صادرة عن مكتب القيادة العامة.
اتفاقات عسكرية وتعاون تدريبي
وأفادت وسائل إعلام محلية بأن الزيارة أسفرت عن توقيع عدد من الاتفاقات العسكرية، شملت مجالات التدريب والتصنيع العسكري والصناعات الدفاعية، بما يعكس توجهاً لتوسيع أطر التعاون بين الجانبين.
وكان صدام حفتر، نائب القائد العام للقيادة العامة، قد أجرى زيارة رسمية إلى باكستان في شهر يوليو الماضي، التقى خلالها عدداً من كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين، من بينهم رئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف، وقادة في القوات البحرية والجيش.
تعزيز النفوذ وكسر العزلة
ويرى مراقبون أن الزيارة تعكس محاولة لتعزيز نفوذ القيادة العامة شرق ليبيا، مستندين إلى تاريخ سابق من العلاقات العسكرية بين ليبيا وباكستان، خاصة في مجالات التدريب العسكري، حيث تخرج عدد من الضباط الليبيين في الأكاديميات الباكستانية منذ سبعينيات القرن الماضي.
في المقابل، اعتبر محللون أن الخطوة تندرج في إطار براغماتية أمنية، تهدف إلى التعامل مع واقع ميداني قائم، دون أن تمثل تحولاً سياسياً أو اعترافاً دولياً جديداً، مشيرين إلى أن باكستان تسعى من خلالها إلى توسيع حضورها في سوق الصناعات الدفاعية وفتح مجالات جديدة للتعاون العسكري.
وأوضحوا أن هذه التحركات قد تساهم في كسر جزء من العزلة المفروضة على القيادة العامة، لكنها لا تضيف وزناً سياسياً حاسماً، ولا تغير من طبيعة الأزمة الليبية المعقدة، التي يبقى حلها مرتبطاً بمسار وطني شامل وتوحيد المؤسسة العسكرية تحت سلطة مدنية.
تنويع الشراكات وبناء القدرات
من جهته، رأى مسؤول ليبي سابق أن الزيارة تعكس اتجاهاً لدى القيادة العامة لتنويع الشراكات العسكرية وبناء قدرات استراتيجية طويلة المدى، بعيداً عن الاعتماد على طرف واحد، معتبراً أن الاتفاقات، خاصة المتعلقة بالتصنيع العسكري، تشير إلى انتقال تدريجي من الاكتفاء بالاستيراد إلى التفكير في بناء قدرات ذاتية.
وأضاف أن هذه الخطوة قد تعزز تماسك قوات القيادة العامة وتمنحها هامش حركة أوسع على المستوى الإقليمي، في ظل التغيرات المتسارعة في المنطقة.
تجارة سلاح وتأثير محدود
في المقابل، قلل آخرون من التأثير السياسي والعسكري لهذه الاتفاقات، معتبرين أنها تصب في إطار تجارة السلاح وتحقيق مصالح اقتصادية للدول المصنعة، أكثر من كونها عاملاً حاسماً في تغيير موازين القوى داخل ليبيا.
وأشاروا إلى أن أي توسع في النفوذ لا يمكن أن يتحقق بالقوة العسكرية وحدها، بل تحكمه اعتبارات سياسية وإقليمية ودولية تفرض توازناً بين أطراف النزاع، مؤكدين أن سيطرة حفتر ستظل محصورة في شرق البلاد، بغض النظر عن حجم الدعم أو التسليح الذي قد يحصل عليه.
وتأتي هذه التطورات في وقت لا تزال فيه الأزمة الليبية تراوح مكانها، وسط مساعٍ إقليمية ودولية لإيجاد تسوية سياسية شاملة تنهي حالة الانقسام وتعيد الاستقرار إلى البلاد.