تواصل الأوساط العسكرية والأمنية في إسرائيل دراسة التداعيات المحتملة لاغتيال رائد سعد، أحد أبرز القادة العسكريين في حركة حماس، والذي كان يُنظر إليه على أنه حلقة الوصل بين التخطيط الاستراتيجي والتنفيذ الميداني، في خطوة تُعد، وفق تقديرات إسرائيلية، ضربة مؤثرة لقدرات الحركة، وقد تنعكس مباشرة على مسار المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
ويرى البروفيسور عوزي رابي، خبير الجغرافيا السياسية الإقليمية والباحث البارز في مراكز بحثية بجامعة تل أبيب، أن اغتيال سعد، الذي شغل منصب رئيس دائرة العمليات في حماس ويُعد من مهندسي هجوم السابع من أكتوبر، لا يمكن اعتباره حدثًا تكتيكيًا عابرًا، بل خطوة ذات أبعاد بنيوية. ويؤكد أن سعد لم يكن مجرد قائد ميداني، بل عنصرًا محوريًا يربط بين العقيدة القتالية والتخطيط الاستراتيجي والتنفيذ العملياتي.
وأوضح رابي أن سعد كان مسؤولًا عن ملف الصواريخ، وشريكًا رئيسيًا في تطوير المفهوم القتالي لحماس، بما يتلاءم مع حروب الاستنزاف طويلة الأمد وزيادة الضغط الدولي على إسرائيل، معتبرًا أن استهدافه يحمل رسالة مزدوجة. الرسالة الأولى موجهة إلى داخل حماس، ومفادها أن قادتها العسكريين، بمن فيهم من يعملون خلف الكواليس، لم يعودوا بمنأى عن الاستهداف. أما الرسالة الثانية فهي خارجية، وتؤكد أن إسرائيل لا تكتفي بإدارة المعركة، بل تسعى لتصفية الحساب مع من تصفهم بمهندسي «الطوفان».
وبحسب التقدير الإسرائيلي، فإن اغتيال سعد قد يسهم في تمهيد الطريق أمام تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، من خلال إضعاف قدرة حماس على التفاوض تحت الضغط، أو الحفاظ على تماسكها العملياتي، أو التعويل على دعم خارجي ودولي.
وأشار رابي إلى أن العملية تعكس أيضًا توجهًا إسرائيليًا بعدم انتظار القرارات السياسية وحدها، بل استغلال ما وصفه بـ«منطقة الغموض» بين المرحلتين الأولى والثانية من الاتفاق. واعتبر أن عدم التوصل إلى تفاهمات بشأن ملف جثامين القتلى الإسرائيليين قد يترجم إلى استهداف أصول حماس في عمق غزة، حتى في ظل القيود والضغوط الدولية، ضمن نافذة زمنية لا تزال فيها هذه الضغوط غير ملزمة بشكل كامل.
كما لفت إلى أن الاغتيال يحمل دلالات تتعلق بأي قوة متعددة الجنسيات محتملة مستقبلًا، مفادها أن إسرائيل لن تقبل بأن تتحول مثل هذه القوة إلى مظلة تمنح حماس حصانة، وأنها ستواصل تنفيذ عمليات نوعية ومحددة، حتى في حال انتشار قوات دولية.
وختم رابي تحليله بالإشارة إلى أن اغتيال سعد يتزامن مع سياسة أمريكية وصفها بـ«السير على حبل مشدود»، إذ تدفع واشنطن نحو الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق مع محاولة كبح التحركات الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه تؤكد أن حماس لا تُعد فاعلًا سياسيًا قيد التشكل، بل قيادة مسلحة نشطة. وأضاف أن تقليص أو إلغاء بعض المساعدات يمنح الولايات المتحدة هامشًا يسمح لإسرائيل بتنفيذ عمليات محددة دون أن يؤدي ذلك فورًا إلى انهيار المسار السياسي، ما يجعل الاغتيال، وفق الرؤية الإسرائيلية، جزءًا من صياغة شروط «اليوم التالي» في غزة، وليس مجرد عملية معزولة.