تشهد الساحة الفضائية العالمية سباقًا جديدًا، لكن هذه المرة ليست رحلة للوصول إلى سطح القمر فحسب، بل لإنشاء محطة نووية قادرة على توليد الطاقة لمستعمرات بشرية وبحثية مستقبلية. التنافس يدور بين الولايات المتحدة وروسيا، مع دخول دول أخرى على خط السباق، ما يفتح فصلًا جديدًا من صراع القوى الكبرى في الفضاء الخارجي.
الطموح الروسي
تسعى روسيا لتعزيز مكانتها الفضائية من خلال مشروع لإنشاء محطة طاقة على سطح القمر خلال العقد المقبل، بهدف دعم برامجها القمرية ومشروع محطة أبحاث روسية-صينية مشتركة. وأعلنت الوكالة الروسية المسؤولة عن الفضاء أنها وقعت عقدًا مع إحدى الشركات الفضائية المتخصصة لتنفيذ هذا المشروع بحلول عام 2036.
وعلى الرغم من عدم الإشارة الرسمية إلى طبيعة الطاقة المستخدمة، إلا أن مشاركة شركة روس آتوم ومعهد كورتشاتوف، أكبر معهد للبحوث النووية في روسيا، توحي بأن المحطة ستعتمد على الطاقة النووية. لكن الطموح الروسي واجه صعوبات كبيرة، أبرزها فشل مركبة "لونا-25" غير المأهولة في الهبوط على سطح القمر عام 2023.
خطة الولايات المتحدة
من جانبها، أصدرت الإدارة الأمريكية خطة شاملة لإعادة البشر إلى القمر بحلول عام 2028، مع التركيز على الدفاع عن الفضاء وإنشاء قاعدة قمرية مجهزة بمفاعل نووي بحلول عام 2030. وقد أعاد هذا التوجه تنظيم سياسة الفضاء الوطنية تحت إشراف كبار المستشارين العلميّين للرئيس الأمريكي، لتصبح محطة الطاقة على القمر جزءًا من استراتيجية طويلة المدى لدعم استكشاف الفضاء.
ورغم ذلك، تواجه الولايات المتحدة تحديات لوجستية، أبرزها التأجيلات المتكررة لمهمة "أرتميس 3" المقررة منتصف 2027، والتي تهدف لإعادة رواد فضاء أمريكيين إلى القمر، وذلك بسبب عدم جاهزية مركبة الهبوط القمرية التي تطورها شركة فضائية خاصة.
السباق الدولي
إلى جانب روسيا والولايات المتحدة، تسعى دول أخرى إلى استغلال الطاقة النووية في الفضاء.
الصين: تعمل بالتعاون مع روسيا على مشاريع نووية قمرية لدفع أبحاثها الفضائية.
بريطانيا: تخطط عبر شركة رولز رويس، وبتمويل من وكالة الفضاء البريطانية، لتطوير مفاعل نووي على القمر بحلول 2029، بالتعاون مع جامعات ومراكز بحثية محلية.
إيطاليا: تسعى الوكالة الوطنية للتقنيات الجديدة والطاقة، بالشراكة مع شركة "تاليس ألينيا سبيس" وجامعة بوليتكنيك ميلانو، إلى تطوير مشروع "سيلين" الذي يهدف إلى بناء مفاعل انشطار نووي لتوفير الطاقة على القمر.
تصريحات رسمية
أكدت الوكالة الروسية أن الغرض من المحطة هو تزويد برنامج روسيا القمري بالطاقة، بما يشمل المركبات الجوالة والمرصد والبنية التحتية لمحطة الأبحاث الروسية-الصينية المشتركة.
وأشار يوري بوريسوف، رئيس الوكالة، إلى أن روسيا والصين تفكران في إنشاء محطة طاقة نووية بين 2033 و2035، ما قد يمهد الطريق لبناء مستوطنات بشرية على القمر.
أما من الجانب الصيني، فأوضح كبير مصممي برنامج استكشاف القمر أن مسألة الطاقة تمثل تحديًا محوريًا، وأن روسيا تمتلك ميزة طبيعية في محطات الطاقة النووية القمرية.
وأكدت الإدارة الأمريكية أن وكالة الفضاء ستسعى لتثبيت مفاعل نووي على القمر بحلول الربع الأول من عام 2030، في إطار خططها لدعم الاستكشاف البشري طويل المدى.