تميزت الإدارة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب الثاني بأسلوب دبلوماسي غير تقليدي، قائم على الاعتماد على مجموعة من المبعوثين الخاصين وأفراد العائلة المقربين، بعيداً عن الروتين البيروقراطي والسياسات المعتادة لوزارة الخارجية. يبرز في هذا الإطار «ستيف ويتكوف» الملقب بـ«مبعوث كل شيء»، الذي شارك مباشرة في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، متجاوزاً الأعراف الدبلوماسية، وفتح قنوات اتصال شخصية مع قيادات حماس، ما ساهم في الوصول إلى انفراجة غير متوقعة في ملف النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.
ويضم الفريق أيضاً «توم باراك»، المبعوث الخاص لسوريا، و«مارك سافايا» للعراق، ومسعد بولس، كبير المستشارين للشؤون العربية والأفريقية، وصولاً إلى جاريد كوشنر، الذي عاد للواجهة بعد غياب، مع ضلوعه المباشر في اتفاق غزة ومشاركته في عدة ملفات دولية، أبرزها الحرب الروسية-الأوكرانية. القاسم المشترك بين هؤلاء هو غياب الخبرة الدبلوماسية التقليدية، وهو ما أثار شكوكاً واسعة حول فاعليتهم، إلا أن نتائج تدخلاتهم الأولية أظهرت قدرة على تحقيق اختراقات لم تنجح فيها الدبلوماسية التقليدية.
ويتسم عمل ويتكوف بالجرأة والتواصل المباشر، حيث لم يكتف بالاتصالات الرسمية، بل قدم التعازي الشخصية لقيادات حماس، في خطوة نادرة أثارت ردود فعل مفاجئة ومثيرة للجدل، لكنها ساهمت في تحريك ملف وقف إطلاق النار. وفي الوقت نفسه، يسعى ويتكوف لتطبيق النموذج نفسه على النزاع الروسي-الأوكراني، بعقد لقاءات مكثفة مع الرئيسين فلاديمير بوتين وفلودومير زيلينسكي، في محاولة لتحقيق انتصار سياسي للبيت الأبيض.
أما مسعد بولس، فقد أسندت إليه إدارة ترمب ملفات أفريقيا والعالم العربي، رغم خبرته المحدودة في الشؤون الدبلوماسية، إلا أنه تمكن من المساهمة في اتفاق سلام بين الكونغو ورواندا، والذي تم التوقيع عليه في واشنطن برعاية مباشرة من الرئيس ترمب. كما أُسند إليه ملف السودان، الذي ما زال يشهد نزاعات مستمرة، في إطار سعي الإدارة الأميركية لحل النزاعات التاريخية في القارة الأفريقية والشرق الأوسط.
جاريد كوشنر عاد بدوره إلى الواجهة على الرغم من عدم شغله منصباً رسمياً، حيث أدار مفاوضات معقدة مع إسرائيل وحماس، وشارك في ملفات دولية بارزة، ما أثار جدلاً حول تضارب المصالح، إلا أنه أكد أن خبرته وعلاقاته الشخصية تمنحه قدرة على التحرك خارج الأطر الرسمية التقليدية.
أما توم باراك، المبعوث الخاص لسوريا، فقد أثار الدهشة بتصريحاته المثيرة للجدل، لكنه نجح في السيطرة على الأوضاع بعد سقوط نظام الأسد، وقيادة جهود رفع العقوبات عن الحكومة الجديدة، بالتنسيق مع ترمب ودول المنطقة، ما يبرهن على قدرة الإدارة الحالية على إعادة تعريف الدبلوماسية الأميركية عبر فرق غير تقليدية، تتحدى الأعراف المتعارف عليها في السياسة الدولية.
إن استراتيجية ترمب تعتمد على تجاوز القنوات التقليدية، والاعتماد على علاقات شخصية وثقة مباشرة مع المبعوثين، في محاولة لحل النزاعات المستعصية وتحقيق اختراقات سياسية، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى استدامة هذا النهج وفاعليته على المدى الطويل في مواجهة التحديات الدولية المعقدة.