أثار إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التوصل إلى اتفاق «بروح الاتفاقات الإبراهيمية» مع إقليم «أرض الصومال» موجة واسعة من الرفض الإقليمي والدولي، بعد أن أصبحت إسرائيل أول دولة تعترف بالإقليم كدولة مستقلة، في خطوة وُصفت بأنها خرق صريح للإجماع الدولي والإفريقي والعربي، ومساس مباشر بوحدة الأراضي الصومالية. وفي رد فعل رسمي سريع، حمّل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود نتنياهو شخصيًا مسؤولية ما وصفه بـ«الاعتراف بجزء من المنطقة الشمالية للصومال»، معتبرًا الخطوة «عدوانًا غير قانوني» على سيادة بلاده، وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
إجماع عربي وإسلامي وإفريقي على الرفض
بالتوازي، اعتبر اجتماع مشترك لوزراء خارجية الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي أن الاعتراف الإسرائيلي يمثل «خرقًا سافرًا لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة»، اللذين يؤكدان ضرورة احترام سيادة الدول ووحدة وسلامة أراضيها.
من جانبه، أعلن الاتحاد الإفريقي، الجمعة، رفضه القاطع لإعلان نتنياهو، محذرًا من أن الخطوة تشكل سابقة خطيرة ذات تداعيات بعيدة المدى، وتهدد الأمن والسلم والاستقرار في مختلف أنحاء القارة الإفريقية، خاصة في مناطق تعاني هشاشة سياسية وأمنية. وفي السياق ذاته، يستعد مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة طارئة لبحث القرار الإسرائيلي، وسط تحركات دبلوماسية مكثفة. كما أكد الاتحاد الأوروبي، عبر متحدثه باسم الشؤون الخارجية، «أهمية احترام وحدة وسيادة وسلامة أراضي جمهورية الصومال الفدرالية»، وفقًا لدستورها ومواثيق الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.
مخاوف عربية وأمنية متصاعدة
وخلال اجتماع مجلس جامعة الدول العربية، ربط مندوب الصومال بين «دعم كيان انفصالي داخل الصومال» وبين مساعي إسرائيل لتحقيق «التهجير القسري للشعب الفلسطيني من أرضه»، معتبرًا أن الخطوة تمثل «اعتداءً مباشرًا على الأمن القومي العربي وأمن الملاحة في البحر الأحمر».
وأيد وزراء الخارجية العرب هذا الطرح في بيانهم الختامي، محذرين من خطورة الربط بين الاعتراف الإسرائيلي ومخططات تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، وما يحمله ذلك من تهديد مباشر للاستقرار الإقليمي.
نقلة استراتيجية وتصدعات إقليمية
ويرى مراقبون أن إعلان نتنياهو لا يمكن فصله عن السياق الأوسع للتصدعات الأمنية والجيوسياسية المتسارعة في المنطقة العربية والإفريقية، معتبرين الخطوة نقلة استراتيجية جديدة ضمن خطوط الصدع الكبرى في الإقليم. وتشير تقديرات سياسية إلى أن عواصم عربية مؤثرة تنظر إلى ما جرى باعتباره جزءًا من سياسة حصار متعددة الجبهات تستهدف مصالحها الاستراتيجية. وإلى جانب سهولة إدراج هذه الخطوة ضمن السيناريوهات الإسرائيلية الساعية لإيجاد مناطق بديلة لتهجير الفلسطينيين، يذهب محللون إلى اعتبار الاعتراف استثمارًا إسرائيليًا في حزمة من الأهداف الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية، تتقاطع فيها مصالح أطراف إقليمية ودولية، بين مستفيد ومتضرر.
تشابكات دولية وإشارات ميدانية
ولا يستبعد متابعون ربط هذه التطورات بلقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وما أعقبه من مؤشرات على توجه أمريكي لإيجاد تسوية للحرب في السودان، ودعم الحكومة الجديدة في سوريا، والموافقة على صفقات تسليح متقدمة، من بينها طائرات «إف-35»، التي طالما عارضت إسرائيل بيعها للرياض.
وفي هذا السياق، برزت ردود ميدانية سريعة تمثلت في تقدم قوات «الدعم السريع» في السودان وسيطرتها على مدينة الفاشر، وفرض حصار على مناطق في شمال كردفان، أعقبها تحرك دبلوماسي تمثل في زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إلى جانب بيان مصري تحدث عن «خطوط حمراء».
تطورات متزامنة في اليمن والقرن الإفريقي
ولم تقتصر التوترات على الساحة السودانية، إذ شهد اليمن بدوره تصعيدًا سريعًا بعد سيطرة قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» على محافظتي حضرموت والمهرة، ما استدعى ردًا سعوديًا طالب بانسحاب تلك القوات، وترافق مع غارات جوية وتحذير مباشر من وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان.
وتشير هذه التصدعات المتزامنة في السودان والصومال واليمن إلى مخاطر متزايدة تهدد الأمن الإقليمي، خاصة بالنسبة لمصر، التي تضع حماية قناة السويس على رأس أولوياتها باعتبارها شريان الملاحة الدولية الأهم. ويضاف إلى ذلك القلق المصري المتنامي من التقارب الإسرائيلي مع إثيوبيا، في ظل أزمة «سد النهضة» التي تمثل أحد أبرز التحديات الاستراتيجية للقاهرة.