ads
ads

المجلس الجنوبي.. من شريك في التحالف إلى مشروع انفصالي بدعم إماراتي وغضب سعودي هائج

الحرب في اليمن
الحرب في اليمن

وسط حالة من الغضب السعودي وصل لدرجة الهياج عاد الملف اليمني ليتصدر المشهد الإقليمي من جديد، بعد فترة من التراجع النسبي في الاهتمام، في ظل تداعيات الحرب في غزة، وحالة الهدوء التي شهدتها الساحة اليمنية عقب إعلان الرياض في سنة 2023 الاتجاه نحو مسار سياسي لإنهاء صراع دام سنوات، عبر محادثات مباشرة مع جماعة الحوثي، تُوّجت بزيارة غير مسبوقة للسفير السعودي إلى صنعاء في شهر إبريل 2023 ولقائه بقيادات الجماعة.

ومع تركيز السعودية على أولويات التحول الاقتصادي الداخلي ضمن رؤية 2030، باتت كلفة الحرب السياسية والأمنية تفوق مكاسبها، ما دفع الرياض للبحث عن مخرج يحفظ مصالحها الاستراتيجية، ويجنبها تصعيدًا جديدًا، خاصة في ظل إعادة تقييم الحسابات الإقليمية بعد حرب غزة، وتفادي أي خطوات قد تستجلب ردود فعل عسكرية من جانب الحوثيين.

ورغم اعتبار المسار السياسي آنذاك فرصة لإنهاء حرب أودت بحياة مئات الآلاف ودفعت ملايين اليمنيين إلى حافة المجاعة، عادت الأوضاع للاشتعال مجددًا، عقب تحركات عسكرية أحادية نفذها المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي حضرموت والمهرة شرق البلاد، ما دفع السعودية إلى تبني نهج أكثر حزمًا لفرض الاستقرار، بعد أسابيع من محاولات احتواء الأزمة.

وفي هذا السياق، نُفذت ضربة جوية وُصفت بالوقائية استهدفت شحنة عسكرية في ميناء المكلا، تزامنًا مع مطالبات بخروج القوات الإماراتية من اليمن خلال 24 ساعة، ووقف دعم أي تشكيلات مسلحة خارج إطار الدولة، استجابة لطلب القيادة اليمنية المعترف بها دوليًا.

وأكدت الرياض التزامها بأمن اليمن واستقراره ووحدته وسيادته، ودعمها الكامل لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة، معربة عن أسفها للضغوط التي مارستها أبوظبي على قوات المجلس الانتقالي للدفع بها نحو عمليات عسكرية قرب الحدود الجنوبية للمملكة، معتبرة ذلك تهديدًا مباشرًا للأمن الوطني السعودي وللاستقرار الإقليمي.

النشأة والأهداف

تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي في مدينة عدن في شهر مايو 2017، بقيادة عيدروس الزبيدي، وبدعم مباشر من دولة الإمارات، ويضم شخصيات سياسية وعسكرية وقبلية. ويرفع المجلس شعار استعادة دولة جنوب اليمن، والعودة إلى ما قبل وحدة الشمال والجنوب التي أُعلنت سنة 1990.

وفي شهر إبريل 2020، أعلن المجلس الإدارة الذاتية للمحافظات الجنوبية، في خطوة اعتُبرت تصعيدًا خطيرًا، قبل أن يتراجع لاحقًا ويقبل بتنفيذ اتفاق الرياض في ديسمبر 2020، والذي نص على تقاسم الحكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، ودمج المجلس في العملية السياسية. ورغم ذلك، ظل المجلس يناور سياسيًا وعسكريًا، ملوحًا بالانفصال في أكثر من مناسبة.

السيطرة على الموارد

يبسط المجلس الانتقالي نفوذه على ما يقارب 90% من مدن الجنوب، مع تركيز خاص على الموارد الاستراتيجية، وفي مقدمتها حقول وموانئ النفط في حضرموت، ما يُعد تمهيدًا عمليًا لمشروع الانفصال.

وتحظى حضرموت بحساسية خاصة بالنسبة للسعودية، لامتدادها الحدودي الطويل مع المملكة، واحتضانها لمعبر الوديعة البري، فضلًا عن الروابط التاريخية والاجتماعية العميقة بين سكانها والسعودية، وهو ما يفسر القلق السعودي من قيام كيان انفصالي موالٍ للإمارات على حدودها المباشرة.

فرض واقع جديد

خلال الأيام الأخيرة، أعلن عدد من المسؤولين المحسوبين على المجلس الانتقالي تمردهم العلني على الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض، وأبدوا تأييدهم الكامل للإجراءات العسكرية والأمنية التي نفذها المجلس في المحافظات الجنوبية والشرقية، في خطوة اعتُبرت انقلابًا سياسيًا يهدف لفرض واقع جديد على الأرض.

ودعت بيانات صادرة عن المجلس وحلفائه المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى ما وصفوه باحترام “إرادة شعب الجنوب” في استعادة دولته، في تصعيد يُنذر بمسار أكثر خطورة وتعقيدًا.

الدور الإماراتي

يُنظر إلى الإمارات باعتبارها الداعم الرئيسي لمشروع المجلس الانتقالي، ضمن مساعٍ لتعزيز نفوذها الجيوسياسي المرتبط بالممرات البحرية والموانئ الاستراتيجية. واعتمدت أبوظبي على بناء تشكيلات عسكرية موازية للدولة، مثل قوات الحزام الأمني والنخبة الحضرمية، عبر التسليح والتدريب والتمويل.

وفي حضرموت، التي تضم النسبة الأكبر من احتياطي النفط اليمني، برز هذا الدور بشكل واضح، مع سيطرة قوات مدعومة إماراتيًا على مناطق ومرافق حيوية، ورفع أعلام دولة الجنوب السابقة، في مشهد عكس مشروعًا سياسيًا أكثر منه عملية أمنية، تحت شعارات مثل “مكافحة الإرهاب”.

وامتد النفوذ الإماراتي من المخا إلى سقطرى، ومن جزيرة ميون في باب المندب إلى قواعد ساحلية متعددة، في إطار شبكة نفوذ عسكرية وتجارية، وُصفت بأنها تقوم على إدارة الصراع لا حله، في وقت تتفاقم فيه الأزمات المعيشية في الجنوب، مع تدهور الخدمات وانقطاع الكهرباء وغياب الاستقرار.

التطبيع مع إسرائيل

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، لم يستبعد رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، في تصريحات سابقة سنة 2021، إمكانية التطبيع مع إسرائيل في حال قيام دولة جنوبية مستقلة عاصمتها عدن، معتبرًا ذلك “حقًا سياديًا”.

ورغم نفي وجود اتصالات في هذا الشأن، قوبلت تلك التصريحات برفض واسع من قوى جنوبية متعددة، بما فيها أطراف تتفق مع المجلس في فكرة الانفصال، وخرجت مظاهرات في عدد من المحافظات الجنوبية تنديدًا بهذه المواقف.

“الابن غير الشرعي”

يرى مراقبون أن ظروف نشأة المجلس الانتقالي وطبيعة دعمه تجعله كيانًا يتحرك وفق سياسات أبوظبي، وهو ما يفسر تقاطعاته الإقليمية، بما فيها مواقفه من التطبيع. كما أُثيرت تقارير عن دور غير مباشر لخبراء أجانب في تدريب وتأسيس بعض التشكيلات الأمنية التابعة له.

ورغم سيطرته على مناطق حيوية مثل عدن وسقطرى بدعم إماراتي، فإن المجلس لا يحظى بإجماع جنوبي، ولا يمثل كل المكونات، حتى الانفصالية منها، ما يجعل فرص الاعتراف الدولي به أو بدولة جنوبية يقيمها محدودة للغاية، في ظل تعقيدات المشهد اليمني، وتشابك المصالح الإقليمية والدولية.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً