المكان: القاهرة.
الزمن: الستينيات.
الحكاية: شخصان حلما بالحرية، ولكنهما لم يعرفا الطريق إليها فاعتبر أن أقصر وسيلة لبلوغها هي الكتابة عنها دائمًا وأبدًا، أحدهما وجد سبيله في كتابة الشعر بين جدران سجنه، والآخر استغل شغفه بالموسيقى الذي تملكه منذ الصغر، وأودي به إلى التخفي وسط الحفلات لسماع الموسيقى.
في العام 1962م، تقاطع طريق الاثنان بعدما التقيا صدفة، واكتشف كل منهما بأنه عثر على نصفه الآخر وما كان ينقصه، ليكونا علاقة ثورية فنية من طابع خاص، طغت عليها الصداقة والحب لعقود من الزمان وتوجت بأعمال فنية ثورية مصرية عبرت عن لسان الشارع المصري، هما الشاعر أحمد فؤاد نجم 'الفاجومي'، والملحن والمطرب الشيخ إمام، الذي يحل اليوم الاثنين 7 يونيو ذكرى وفاته الـ26.
يعتبر أحمد فؤاد نجم 'الفاجومي' والشيخ إمام، ثنائيًا استثنائيًا في تاريخ الفن المصري، لم يخفت صوتهما طوال حياتهما. فعلى الرغم من تعرضهما للكثير من العواقب إلا أن أيديهما ظلت متماسكة ببعضهما حتى في 'السجن' الذي جمعتهما خلف جدرانه بزنزانه واحدة، ولم يهابا حاكمًا أو سلطة، وحرّكهما حبهما الخالص للوطن، ورغبتهما في الشعور بالحرية والانتصار، لتظل أغانيهما بكلماتها الثورية خالدة لن تموت، وهو جعلها خيارًا أول لمتظاهري أحداث يناير، الذين أدفأوا ميدان التحرير في برد الشتاء بأغانيهما الثورية ، كان الشيء الوحيد الذي أسف عليه نجم، أن لحظة كهذه كان على الشيخ إمام أن يعيشها، ليرى بعينه ماذا فعلا؟ وماذا حققا؟
اللقاء الأول
بدأت العلاقة بين الاثنين، عندما قرر ابن عم 'نجم' أن يأخذه إلى غرفته فوق السطوح، ويعرفه على جاره الشيخ إمام، ليعجب كلاهما بالآخر، ويسأل 'الفاجومي' الشيخ عن السر وراء عدم تلحينه لأي أغاني على الرغم من براعته، فأجابه أنه لا يجد كلامًا مناسبًا، ليعرض عليه شراكتهما، ويشقا رحلتهما الطويلة في عالم الشعر والغناء، ويلتف حولهما المثقفون والصحفيون ويذاع صيتهما، ومن أشهر أغانيهما 'أنا أتوب عن حبك أنا'، و'عشق الصبايا'، و'ساعة العصاري'، وبعدها انضم لهم عازف الإيقاع محمد علي.
نكسة أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام
جاءت نكسة 1967، وهزيمة مصر في حربها مع إسرائيل، كالصاعقة على الثنائي، وتأثرا كغيرهم من المصريين، إلا أنهما لم يقفا مكتوفي الأيدي فقاموا بتدشين عدد من الأغاني والأشعار السياسية الساخرة ، خصوصًا بعد تبرأة المسؤولين عن الهزيمة، لتنتشرت قصائدهم كالنار في الهشيم داخل وخارج مصر، ومن بينها: 'بقرة حاحا'، و'الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا'، ليفاجئ الجميع بالقبض عليهما ومحاكمتهما بتهمة تعاطي الحشيش عام 1969.
خرج نجم ومعه إمام، إلا أنهما ظلا ملاحقين أمنيًا، وعلى الرغم من ذلك لم يقف قلم الأول، وعود وصوت الثاني، عن إخراج صوتهم مناديين بالحرية، معبرين عن اعتراضهم لهذيمتهم، وموقف المسؤولين، ليقبض عليهما مرة أخرى وتحل نكستهما بالحكم عليهما بالسجن المؤبد، ليكونا أول سجينين بسبب الغناء في تاريخ الفن العربي.
الشاعر البذئ vs السادات
منذ هزيمة يونيو حتى نصر أكتوبر 73، ظل الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم يتنقلان من سجن إلى آخر، وغنى خلال هذه الفترة الشيخ إمام أغنيته الشهيرة 'شيد قصورك'، ليحصل الاثنين على حريتهما بعد موت الرئيس جمال عبد الناصر، ويتم الإفراج عنهما في عهد الرئيس محمد أنور السادات، ليخرجا محملان بالكثير من الأشعار والألحان، فيقدما أغاني أكثر جرأة وصرامة، ينتقدان فيها 'السادات' نفسه والرئيس الأمريكي، ليلقيا نفس المصير مرة أخرى وهو السجن.
ومن أبرز الأغاني التي سجنوا بسببها في هذه الفترة أغنية 'نيكسون بابا' في عام 1974، التي كتبها نجم في أثناء زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون إلى مصر بعد حرب أكتوبر وغناها الشيخ إمام، وقصيدة 'الفول واللحمة' ليحكم عليهما بالسجن لمدة سنة في عام 1977، وخرج ووصفه السادات بـ'الشاعر البذئ'.
جولات فرنسا والدول الأوربية
في فترة الثمانينات ذاع صيت الشيخ إمام، وأحمد فؤاد نجم في العالم كله، فتلقي 'إمام' دعوة لإحياءه هو والفاجومي حفلات بفرنسا والقيام بجولة بعدد من الدول العربية والأوروبية؛ لإحيائهما حفلات غنائية، وحققا نجاحًا كبيرًا وقتها.
الهدوء التام
بعد سنوات من الشد والجذب بين الثنائي والسلطة المصرية، قرر الشيخ و 'الفاجومي' بدءً من منتصف الثمانينات، الهدوء التام، والبعد عن افتعال المشاكل، وانفصلا عن بعضهما فنيًا، فاعتكف الأول وأصبح يغني في مناسبات خاصة جدًا أو في بيوت الأصدقاء وذلك حتى وفاته في عام 1995، والثاني فتحول لكتابة أشعارًا لمسلسلات التليفزيون والإذاعة، حتى أنه ألف العديد من فوازير رمضان وأشعار لمسرح الدولة.
أشهر أعمال الشيخ إمام
'مصر يا اما يا بهية، جيفارا مات، غنوة سلام، شرفت يا نيكسون بابا، فالري جيسكار دستان، بعد السلام والمرحبة، حارتنا، دور يا كلام'.
أشهر أعمال أحمد فؤاد نجم
'يعيش أهل بلدي، جائزة نوبل، الأخلاق، الخواجة الأمريكاني، استغماية، الأقوال المأثورة، هما مين واحنا مين، الكلمات المتقاطعة، جيفارا مات، حسبة برما، بابلو نيرودا، تذكرة مسجون'.