"غرباء أو مهاجرين".. أين كان نعتهم ففي النهاية يُشار إليهم مواربة بـ"الآخرين"، لم تتغير في لوحتهم الداكنة ألوانها وحكاياتهم التي بعثت بهم، فقط هم أناس جفت أبواب الأرض أمامهم، وبات شجرتهم في رحلة سنين من العجاف، فلم يعُد لهم فيها ظلا أو ثمارا، إذ أخذ بعضهم في الدنيا بقايا من المسئولية، لم يتخيلوا يومًا أن يكونوا في حياتهم بذلك الثقل، تيقنًا منهم جميعًا أن اليوم لم يعد كالأمس، فلم يكن أمامهم اختيار وباتوا راضيين بمصيرهم.
وكيف لا؟.. تلهينا ملذات الحياة عن مآسيها، يهربون من عتمة الدنيا ومصائبها بدلا الإنزلاق في فقرها والعوزة، دون الالتفات لما قد يكتبه القدر لغيرهم، تقشعر أبداننا بسماع أحوالهم وحكاياتهم المآسوية التي إضطرتهم لذلك، وبمجرد النظر إليهم نجد أنفسنا في دقائق معدودة وقعنا في فخ دوامات الحياة، نفكر في أسرنا وعائلاتنا وأصدقائنا ومعارفنا، وفي نهاية المطاف نكتفي أن ندعوا لهم بالصبر وتفتح أبواب الرزق أمامهم.
"هنا الكويت، حيث يقنت متغرب مصري".. سيجذب نظرك بشدة بملابسه التقاليدة وناظريه التي يحملان كل معاني الحزن، "عامل" اعتاد أن يذهب إلى عمله صباحًا مثل عقارب الساعة، يُمكنك أن تضبطها على مواعيده، لم يعطله عن العمل يومًا ما سوى الأحداث الطارئة، فيما عدا ذلك داوم على عمله "كاشير" في جمعية الصباح الأحمد.
"وليد صلاح عبد اللطيف"، شاب عشرييني، يعمل في جمعية الصباح الأحمد بالكويت، بدأت فصول حكاياته منذ ثلاث سنوات عندما قرر السفر إلى دولة الكويت من أجل تكوين مستقبله.
يتذكَر "وليد" رحلة حضوره إلى الكويت، حيث قرر أن يترك مسقط رأسه، "القاهرة" للذهاب في رحلة طويلة لا يعرف مستقرا لها إلا "لقمة العيش"، وبمبدأ "كعب داير"، سعى في الدنيا بحثًا عن لقمة العيش، لم يكن البحث عن عمل سهلا في القاهرة ولا أرجائها، حتى وجد أنه لا مفر من الغربة والسفر، لينضم إلى طابور "الشقيانين و المغتربين".
"استكفيت سنة 2017".. جملة رددها الشاب المصري بإيقاع، يُلخص كل ما بداخله من حُزن يوصل لك إحساس الآلم واليأس بعد الكفاية من الدُنيا أو الاستكفاء من البحث عن الرِزق، لم يخجل "وليد صلاح" أبدا أن من أن يقول "أصبحتُ كاشيرًا فى جمعية بالكويت"، لكنه عاقبه تعليق يحمل ما مرر به من رحلة البحث الطويلة وأن الأمر ليس من ليلةٍ وضحاها، وأرجعهُ وليد إلى "نصيب والحمدلله غيري مش لاقي شغل".
صباح أمس الأحد، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بردود أفعال غاضبة حول ما أثير لانتشار فيديو على "فيسبوك"، يظهر الاعتداء على شاب مصري بالضرب من قبل شخص كويتي في جميعة "الصباح الأحمد".
"تعرضت للضرب أمام زملائي".. لم يكن باستطاعة وليد الدفاع عن نفسه حتى بلفظ، لالتزامه بقواعد العمل في تلك الجمعية، ولعل أهمها هو عدم تطاول باللفظ أو الضرب من العمال على أي عميل "زبون"، والتفصيل كانت أشد قسوة حين ذكرها وليد من مكالمة هاتفية، إذ قال: "كان في زبون بيحاسب عندي وسألته عندك رقم مساهم قالي لا، والزبون اللي ضربني قالي أنا معايا رقم مساهم وممكن تستخدمه ولما قولتله ممنوع، فضربني بالكف على وشي 3 مرات".
الواقعة وثقتها كاميرا المراقبة داخل جمعية "صباح الأحمد"، حيث يعمل الشاب "كاشير"، ما أثار غضب ناصر ذعار العتيبي، رئيس الجمعية، واختتم وليد: "روحت قسم الشرطة لتحرير محضر في الشخص، والدولة كلها وقفت بجانبي ولن أتنازل عن المحضر، ومحدش بيتظلم في الكويت وكل شخص بياخد حقه، وبشكر رئيس الجمعية والشعب الكويتي، وأنا كنت نازل إجازة مصر ولكن هأجلها".