فى مبدأ جديد لصالح موظفى الدولة على مستوى الجمهورية، قضت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار عادل بريك نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين صلاح هلال والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، ومحسن منصور وأحمد ماهر نواب رئيس مجلس الدولة بإلغاء الأحكام الصادرة من المحكمة التأديبية ببورسعيد المطعون فيها الصادرة بمجازاة الطاعنين الموظف (م.ع.م) مأمور التعريفة بجمارك بورسعيد والسيدة (ع.أ.ح) مديرة التعريفة بجمارك بورسعيد بالوقف عن العمل لمدة شهر، وبطلان إحالة هيئة النيابة الإدارية للطاعنين إلى المحاكمة التأديبية لإفراغ عدة دعاوى تأديبية لهما عن مخالفات وردت فى بلاغ واحد.
وقالت المحكمة، إن خروج الموظف العام على واجبات وظيفته أو مقتضياتها بمخالفة واحدة أو عدة مخالفات وردت فى بلاغ واحد يوجب إحالته من هيئة النيابة الإدارية إلى المحاكمة التأديبية، لكن ليس لها تجزئة هذا البلاغ بإفراد كل مخالفة على حدة تكون موضوعا لدعوى تأديبية مستقلة، فيغدو المركز القانوني للموظف مضطربا تحت سطوة الإحالة إلى المحاكمة التأديبية ويظل سيف الاتهام مسلطا على متهم الأصل فيه البراءة فيجمد وضعه الوظيفي فيبعد عن الترقية ويحرم من مكافآته ولا يسوغ منحه علاوات تشجيعية ولا تقبل استقالته ويتأثر تقرير أدائه ومرتبة كفايته ويظل قابعا في مركز قانوني يخيم عليه شبح الاتهام ردحا من الزمان بما ينعكس سلبا عليه فيحجم عن ممارسة ما أناطه به القانون من اختصاصات وتبعا ينعكس أيضا على سلوك زملائه ومرؤسيه فيؤثر على كفاءة العمل وعلى حسن سيره وجودة إدارته، الأمر الذي يوجب أن يكون البلاغ الواحد محلا لتحقيق واحد ومحاكمة تأديبية واحدة لكل من ساهم في ارتكابها بحيث يمكن للسلطة المختصة بايقاع العقاب وزن الجزاء الأوفى لكل منهم بقدر مساهمته في ارتكاب هذه المخالفة.
وأضافت المحكمة، أن القول بغير ذلك يتنافى مع حسن سير العدالة لما قد يصدر من أحكام تأديبية متناقضة عن بلاغ واحد، فضلا عن أن الجزاء لا يكون عادلا فيأتي هينا في جانب منه أو مفرطا في الشدة في جانب آخر بما لا يتناسب مع جسامة المخالفة وخطورتها لعدم تكامل التصور الواقعي للمخالفة أو المخالفات التأديبية أمام القاضي التأديبي فيأتي قضاؤه غير مستند إلى كامل الواقع ومجافيا لسديد حكم القانون وصحيحه ، الأمر الذي يكون معه تصرف النيابة الإدارية في هذا الشأن قد شكل تجزئة للبلاغ الوارد إليها من جهة الإدارة دون سند صحيح من واقع أو قانون ، مما يشوب الإحالة إلى المحاكمة التأديبية في الدعاوى التأديبية المطعون على أحكامها بالبطلان الذي يمتد ليبطل الأحكام الصادرة فيها على نحو يقتضي القضاء بإلغاء هذه الأحكام فيما قضت به من مجازاة الطاعنين بالوقف عن العمل لمدة شهر.
وأشارت المحكمة إلى أنه لا يترتب على تعدد المخالفات التي تنسب إلى الموظف والتي يتضمنها بلاغ واحد أن تفرد سلطة الإحالة إلى المحاكمة التأديبية لكل مخالفة دعوى تأديبية على حدة، وإنما الأثر المترتب على ذلك هو إحالتها جميعا بدعوى واحدة إلى المحكمة التأديبية المختصة وذلك لاختيار الجزاء المناسب لها جميعا أو لما ثبت منها في جانب الموظف من بين الجزاءات المتدرجة الواردة في القانون، ومرجع ذلك أن المشرع وإن اعتنق مبدأ تفريد العقاب في المجال التأديبي إلا أنه لم يحدد لكل مخالفة تأديبية جزاء معينا كما اعتنق في المجال الجنائي، إذ أن المخالفة التأديبية لم يضع لها المشرع نموذجا قانونيا يتعين على القاضي التأديبي الاحتذاء به وترسمه لبيان مدى توفره، ومن ثم إيقاع العقوبة المقررة لها أو يتبين له تخلف ركن من أركانها فيقضي بالبراءة.
واختتمت المحكمة أنه لا ينال من ذلك ما أوردته النيابة الإدارية بمذكرتها تبريرا لما انتهت إليه من أن تحقيق المخالفات التي شابت باقي البيانات الجمركية سالفة الذكر موضوع بلاغ جهة الإدارة يحتاج إلى وقت طويل حال أن باقي الواقعات أضحت جاهزة للتصرف، بحسبان أن ذلك كان يمكن للنيابة تلافيه من خلال الوسائل القانونية المتاحة لها كتشكيل فريق من المحققين بما يكفل سرعة إنجاز التحقيق وتحديد المسئوليات التأديبية دون إخلال بحسن سير العدالة.