منى عبد اللطيف عن ظل شجرة أغسطس : رشفات أدبية تنوعت بشكل كبير بين حكم ورباعيات

منى عبد اللطيف
منى عبد اللطيف

وصفت الناقدة منى عبد اللطيف ديوان ظل شجرة أغسطس للشاعرة نيفين الجمل بأنه أحجية حية تحمل العديد من الأسرار التي ( طاردتني ووقف عقلي أمامها تلميذا يتلمس خطواته الأولى في رحلة محفوفة بالمشاعر والأفكار، وبين ميلاد وبحث وصدمة وتيه وغاية متصوفة فقدت شهيتها وبجلت كناسك في محراب الحياة شتى العطايا حد الألم، خطتها نيفين كفيلسوف أدرك أن السر في الرحلة والغاية في الاستغناء ) ...

أضافت عبد اللطيف في نقدها للديوان : ( قبل أن أتحدث عن فنيات العمل ومحطاته دعوني أخبركم عن غلافه الذي عكس حالة خاصة جدا تضافرت بانسيابية مع فحوى العمل، ففي اللون البني تلمس الأرض فتطمئن وتستقر ثم تهدأ حين تشعر بدفئه رغم برودة ريح الخريف، ليبزغ الأصفر في المنتصف ككوة حياتية تشعل طاقتك وتنير عقلك فتبدأ التفكر في الموجودات، لتصطدم بتلك الشجرة الشامخة الوحيدة عظيمة هي متحدية ترتفع وتترفع، فلوحدتها قدسية خاصة، تجدها تطل على الوجود من علو داني حيث مخضتها الطبيعة التي اعتنقتها فغاصت باحثة عن أصل كل شيء لتتوه في حلقات من الدوائر المفرغة وتدرك أنها كما هي في محلها لم تتحرك فتتمرد وتنخلع وربما تحلق لكن حذاري من خداع بحيرات النجوم، وقيد الحب الذي أتى كطوق نجاة أبى أن يغادر فاختنقت حد السأم وعادت لأرضها متأملة باحثة معتنقة ألم الخذلان يطربها الضجيج وتبكيها حلاوة الرحلة ولذة العذاب، عذاب الاغتراب فذاتها متفرعة شردت منها هناك وهناك وجسدها رابض في مكانه صلب متجرد وحيد يأبى الانحناء ) .

روح نازك الملائكة والتشبيه الضمني للصبار

تضيف عبد اللطيف : ( نعود للديوان الذي سطرته نيفين الجمل بالفصحى ونوعت في أساليبه فشعرها حُر انعكست من خلاله روحها فذكرتني بروح نازك الملائكة ووحدتها واغترابها وبأدب المهجر حين توجهت إلى الطبيعة حيث عكست ذاتها على الموجودات من خلالها فانكشفت خباياها وخصوصية الرحلة حين قالت:

صبار اُنتزع من صحرائه

وأُلقي به في نهر

جهل ماهيته

ومعنى السباحة

أو سببها

أو أن ما هو فيه

كميات هائلة

من شيء يعرفه

وهنا نجدها لم تتقيد بوزن أو قافية وتجلى توحد ذاتها مع الطبيعة من خلال التشبيه الضمني للصبار فهو هنا الإنسان وللنهر الذي هو الدنيا التي نشتهيها في وحدتنا لكننا ما نلبث أن نغرق في تخبطاتها ونزاعاتها وجدواها التي نجهلها لكن وعلى الرغم من العجز وحتمية الموت يبقى التساؤل ربما قلت حدة الاغتراب! )

أما عن نزعتها الإنسانية فكانت من خلال موقفها ورسالتها السامية المترفعة عن دونية الحيوان لقدسية الحب والعلاقات الإنسانية حين قالت:

نداء لخوض رحلة

بخريطة حية

اعتدنا كل أمر

بين رجل وامرأة التحام

نخنق النور

في سجن جنسي

ويسكننا الظلام

وهنا نجد استعارة مكنية حيث شبهت النور بإنسان تخنقه مادية العلاقة فتموت المشاعر والنبل وتبقى قضبان سجن الظلام المشبع بالحيوانية...

وتأتي بعدها المشاركة الوجدانية حين تحدثت عن تجربتها ونوازعها وتعمقت في مشاعرها وقالت:

رأيت المقصلة

تسقط ببطء

فوق عنق الأمل

ورأيت في عيونه

قتلاً

ومقتولاً

وقاتلاً

وبين تلك الأبيات بزغت نزعتها التشاؤمية ووصفت مشاعرها حين أُعدمت آمالها بكل ما أوتيت من وجع...

أما عن النزعة الروحية في جمل نيفين الجمل فكانت مسيطرة بشكل هائل حيث حمل الديوان رحلة بحث كونية عن الذات وعن الأصل والخالق وتوحد مع الطبيعة والسماء والموجودات ومناداة وسقوط وإليكم جزء مما قالته:

أسير على خطى حبر سري

على أرض محرّمة

على أرض مقدسة

على أرض ملغمة

برهبة وثقة

في حمية مؤكدة

فسقوطي

في حضن الله

أما عن الحنين فكان للإنسانية، لعالم حُر من المادة، للحب الخالص، فهي غريبة تشتهي الدفء في كون بارد غافل تتسرب من بين أنامله الحياة، وإليكم ما قالت:

الهواء بارد رغم الشمس

لملمت نفسي وعتبتي

ودخلتُ

خطوات ثقيلة

كمنفية تعود لموطنها الغريب

فالغربة ممتدة لحقت بها رغم حميمية المأوى!

لذا وإن صنفنا ديوان ظل شجرة أغسطس نجده ينتمي لأدب المهجر حيث:

• لكل قصيدة وحدة بنائية وموضوع مستقل.

• استمدت الشاعرة التجربة من ذاتها التي انعكست على الخارج وليس العكس فنسجت تجربة شعورية فيها الكثير من العمق.

• كانت اللغة سهلة معبرة كوسيلة استخدمتها الشاعرة بمهارة غير مسبوقة فجسدت رحلتها الذاتية وخلقت صوت لعقلها ومشاعرها وتأملاتها الروحانية.

• جاءت عدة قصائد تشبه القصص حيث أبرزت من خلالها تجربة حياتية كاملة مثل قصيدة كنت وأصبحت وغيرها.

• لكنها ربما لم تلتزم بالوزن نظرا لحرية أشعارها عدا في بعض المحطات.

• كانت لغتها حية حيث أكثرت من استخدام الأفعال المضارعة مما أستحضر الصورة وجعلني أشعر بالتجدد والحركة رغم هدوء التركيبة اللغوية والبُعد عن صخب المترادفات والأحداث.

أما عن قصائد الديوان فشملت العديد من البحور الشعرية كالشعر الحر وشعر التفعيلة وشعر الحكمة الذي جاء في النصف الثاني من الديوان على هيئة رشفات أدبية تنوعت بشكل كبير بين حكم ورباعيات وغيرهما، وربما أثني على براعة تصوير الشاعرة واستخدامها للجماليات كالتضاد والاستعارات المكنية والكنايات والتشبيهات مما خلق لوحات فنية نابضة بالحياة.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
تفاصيل إنتاج أول 100 سيارة تجريبية كهربائية بمصر.. 60% مكون محلي