محمد مختار يكتب عن السياسي الماكر محمد سعد الذي لا يعرفه أحد : "والله البلد ديه ماشية بالبركة" ... كلنا تتح !

محمد سعد
محمد سعد

تتح هو الفيلم المصري الذي يخطأ تقديره كل من يشاهده، كما يخطأ الجميع قراءة الشخصية الحقيقية للفنان محمد سعد الذي يتجاوز مظهره كممثل هزلي ليكون سياسيا ماكرا يختبئ وراء قناع الفنان الكوميدي ، والحقيقة أنه عندما كنت أمل من تقعر المثقفين وتصنعهم الفارغ للمعرفة ومحاولة كل مدعي منهم أن يظهر بأنه العليم ببواطن الأمور أكثر من غيره كنت اشاهد فورا فيلم تتح للفنان محمد سعد، لقد شاهده فيلم تتح مئات المرات بل قد شاهدت فيلم تتح أكثر من ألف مرة ولا أخجل من قول هذا ، وفي كل مرة كانت تزيد قناعتي بأن الفنان محمد سعد نجح من خلال تقديمه لشخصية بائع الصحف البسيط الجاهل الذي يتلعثم في الكلام ويعايره البعض بشكله القبيح في أن يبني وعي المواطن المصري من خلال عبارات بسيطة بعضها تبدو عبارات غير مفهومة بكلمات مكسرة ومفردات غير صحيحة لغويا.

رسائل عميقة تُلامس قضايا جوهرية تهمّ المجتمع المصري

على الرغم من بساطة الفكرة وأسلوب التمثيل الهزلي، إلا أن الفيلم يحمل في طيّاته رسائل عميقة تلامس قضايا جوهرية تهمّ المجتمع المصري. ومن وجهة نظري، تكمن عبقرية محمد سعد في قدرته على تجسيد شخصية 'تتح' بشكلٍ مُقنعٍ وواقعيٍّ، ممّا يجعل المشاهد يتفاعل معها ويندمج في أحداث الفيلم. ففي كلّ مشهدٍ من مشاهد الفيلم، نرى 'تتح' يواجه مختلف التحديات والصعوبات التي تواجهها الطبقة الكادحة في مصر، من الفقر والبطالة إلى الظلم والقهر. ولكن على الرغم من كلّ ذلك، يتمتع 'تتح' بروحٍ مُتفائلةٍ وإرادةٍ قويةٍ تدفعه للمضي قدمًا والسعي لتحقيق أحلامه.

شخصية "تتح" تُكشف الفساد والمحسوبية والتفرقة الطبقية

ومن خلال حواراته البسيطة لكن المُعبرة، يُسلّط 'تتح' الضوء على العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية، مثل الفساد والمحسوبية والتفرقة الطبقية. ولكنه في الوقت نفسه، يُقدّم أيضًا حلولًا مُمكنةً لهذه المشكلات، مُؤكّدًا على أهمية التعليم عندما يخاطب ابن شقيقته في الفيلم مؤكدا له أنه عارض والده الذي كان يريد أن يعمل فران بدون أن يكمل الابن تعليمه ولكنه أصر على أن يكمل ابن شقيقته تعليمه ليكون ( فران متعلم )، إنّ فيلم 'تتح' ليس مجرد فيلم كوميدي ترفيهي، بل هو عملٌ فنيٌّ هادفٌ يُساهم في توعية المجتمع المصري وتحفيزه على التغيير نحو الأفضل. وقد نجح الفيلم في تحقيق ذلك من خلال أسلوبه الفريد الذي يمزج بين الكوميديا والدراما، ممّا جعله يُلامس قلوب المشاهدين ويترك أثرًا عميقًا في نفوسهم.

"تتح" قادر على إيصال الفكرة بشكلٍ مباشر ونقلها إلى الشارع

مع كلّ مشاهدةٍ جديدةٍ لفيلم تتح الهزلي البسيط، تُتيح لنا فرصةً لاكتشاف المزيد من المعاني والرسائل التي يُخبّئها الفيلم. يُجسّد محمد سعد في 'تتح' دور بائع صحف يتحدّث لغةً بسيطةً تُلامس قلوب الناس العاديين، ممّا يجعله أكثر فاعليةً في إيصال أفكاره من المثقفين الذين يُكثرون من استخدام الجمل المُعقدة والفارغة التي لا تُلامس الواقع. ولكن في نفس الوقت، يظلّ هدف محمد سعد الحقيقي غامضًا على معظم المشاهدين، حيثُ لا يُدركون أنّه يبني بذكاءٍ وعيًا لجمهوره دون أن يلاحظوا ذلك. يُقدم 'تتح' مشهدًا مُثيرًا للاهتمام عندما يناقش بائع الصحف أستاذ الجامعة في موضوع المواطنة. يُعرّف 'تتح' المواطنة بأنّها 'عيش الأنبوبة والدائرة بالليل'، ممّا يُثير سخرية أستاذ الجامعة. يشرح 'تتح' لأستاذ الجامعة كيف أنّ الناس يتعرضون للسرقة على الدائري، ممّا يُسلّط الضوء على مشكلةٍ مُهمّةٍ تُواجهها الطبقة الشعبية. كما يُشير 'تتح' إلى أهمية الأنبوبة كرمزٍ لحقّ المواطن في الحصول على الغذاء والطاقة بسعرٍ مُناسبٍ، ممّا يُؤكّد على ضرورة توفير الخدمات الأساسية للمواطنين. إنّ فيلم 'تتح' ليس مجرد فيلمٍ كوميديٍّ ترفيهيٍّ، بل هو عملٌ فنيٌّ هادفٌ يُساهم في توعية المجتمع المصري وتحفيزه على التغيير نحو الأفضل.

المقابل التاريخي لعنتر ولبلب والامتداد التاريخي لمحمود شكوكو

وكما أن تتح المقابل التاريخي لعنتر ولبلب ، فإن الفنان محمد سعد يُمثّل امتدادًا فنيًا هامًا للفنان الكبير الراحل محمود شكوكو. فكلاهما يتميّز بأسلوبه الكوميدي الفريد الذي يمزج بين الضحك والبكاء، ويُلامس قضايا اجتماعية وسياسية مهمة. فكما أبدع محمود شكوكو في فيلم 'عنتر وبلبل' بتعزيز فكرة مقاومة الاحتلال الإنجليزي، نجح محمد سعد في فيلم 'تتح' بتجسيد العديد من القضايا المعاصرة التي تهمّ المجتمع المصري. وتُعدّ جرأته في طرح هذه القضايا، مثل ظاهرة زواج القاصرات من أثرياء عرب، واستغلال السلطة، والفساد، دليلًا على موهبته الفريدة وقدرته على التعبير عن مشاعر وهموم الشعب المصري، إنّ محمد سعد يُعدّ امتدادًا طبيعيًا لِمحمود شكوكو، ويُواصل مسيرة تجسيد القضايا الاجتماعية والسياسية من خلال أعماله الفنية.

مشهد محمد سعد مع لواء الشرطة في فيلم "تتح"

وختامًا، أودّ أن أشير إلى أنّ مشهد محمد سعد مع لواء الشرطة في فيلم 'تتح' يُعدّ من أقوى المشاهد في الفيلم، حيث يُجسّد فيه ببراعةٍ التناقض بين مشاعر المواطن البسيط وإحساسه بالمسؤولية تجاه وطنه. ففي هذا المشهد، يُخاطب 'تتح' لواء الشرطة بعبارة 'والله البلد ديه ماشية بالبركة'. ومع ذلك يصر محمد سعد أن يرسل للجمهور رسائل لبناء الوعي عندما يواجه الأشرار في الدقائق الاخيرة من الفيلم تقريبا ويقول لأحدهم في سياق هزلي ( أنت عثماني بينا علاقات قديمة امان يالللي .. لكن دول صهاينة وأنا لا أسمح لبني صهيون أنهم يدخلوا بيتي ) ، لا يجب أن نخطئ محمد سعد كما يحلو لبعض النقاد وصف أفلامه بالسطحية والتفاهة بداية من سلسلة أفلام اللمبى وحتى فيلم حياتى مبهدلة. فى كل فيلم من أفلامه يلجأ محمد سعد للتقرب من الطبقات الشعبية، وينقل لهم العظة والدرس، ولكن بطريقة تبدو أسهل فى الفهم والمنطق.

بوحة وتباشير الثورة في عظة المحكمة أمام القاضي

وفي الختام

نذكر لمحمد سعد في شخصية بوحة له عظة يلقيها أمام القاضى فى فيلم 'بوحة' عندما يطالب القاضى بأن يبحث عن حل لأزمة المواطن الذى لا يجد لقمة العيش، وكأن بوحة الصباحى كان فى ذلك الوقت يحذر من ثورة فى الطريق وكانت سنة إنتاج فيلم بوحة في عام 2005 مـ ، وعرض الفيلم على نطاق واسع مجانا من خلال الفضائيات سنة 2010 مـ ، وقد حدثت الثورة فعلا في العام التالي، وكأن كلمات محمد سعد، الذي يتصرف في الحقيقة كسياسي ماكر، هى كلمة السر في كل الثورات .

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
من الجزيرة لـ الجزيرة.. حقيقة تعاقد الأهلي مع النني استعدادًا لكأس العالم للأندية