في تاريخ مصر صفحات مطوية اختلط فيها السياسية بالفن ونشاط العمل السري تحت الأرض بسهرات صالات الليل، فقد كانت الأربعينيات والخمسينيات من تاريخ مصر فترة استثنائية من تاريخ مصر لن تعرف مصر مثلها، في هذه الفترة جاءت إلى مصر فتاة لبنانية لم تكن جميلة الملامح ولكن وهبها الله أنوثة طاغية بحضور أنثوي لا يمكن أن يقاوم عندما ترقص أو حتي بمجرد أن تظهر في مجلس يغلب عليه الرجال، اسمها الحقيقة فاطمة هانم عز الدين، ولكن بعد أن صعد نجمها بين راقصات كازينو بديعة أصبح اسم شهرتها ببا عز الدين، بدأت الرقص في كازينوهات وصالات بيروت الحمراء قبل أن تقودها الأقدار لمصيرها المحتوم في مصر .
لقاء بين فاطمة وبين بديعة مصابني ملكة الليالي في مصر
في أول لقاء بين فاطمة وبين بديعة مصابني، ملكة الليالي في مصر هذه الأيام، نسبت فاطمة نفسها لبديعي مصابني وقدمت نفسها لبديعة بأنها ( محسوبتك )، وكان أن رضت نفس بديعة بهذا الخضوع الذي أظهرته الراقصة الصغيرة لها، وقررت أن تطلق عليها اسم ببا عز الدين، لتكون ببا عز الدين من بين الراقصات القلائل اللائي سمحت لهن بديعة بالرقص ( صولو ) على خشبة مسرح بديعة الذي كان في ذلك الوقت ملتقى أثرياء مصر والشرق كله والمكان المفضل لسهرات ضباط الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، ولقاءات وسهرات بعض الضباط الأحرار وكان من أشهرهم الضابط الأسمر الغامض في ذلك الوقت أنور السادات .
أنوثة طاغية تسقط أمامها هيبة رجال السياسة و أثرياء الشرق
كان ظهور ببا عز الدين وهى ترقص على المسرح كفيلا بأن تسقط أمامها هيبة رجال السياسة أثرياء الشرق، وتدريجيا شكلت ببا عز الدين فرقة استعراضية خاصة بها، وعندما اضطرت بديعة لمغادرة مصر اشترت ببا عز الدين كل أملاكها بما فيها كازينو بديعة وتصبح ببا هى ملكة الليالي التي ورثت أملاك ومجد بديعة، وظهرت في السينما مع نجوم هذا الزمان، والحقيقة إننا لا نعرف سر طغيان أنوثة ببا عز الدين وسيطرتها على كل من ظهر في طريقها من كبار النجوم خلال هذه الفترة، وطالت القائمة لتشمل فنانين وتجار وحتى موظفين اختلسوا آلاف الجنيهات للإنفاق على ببا عز الدين، وهى حكايات حقيقية من لحم ودم وثقتها تحقيقات الشرطة والنيابة في هذا الوقت ، لدرجة أن الفنان يوسف وهبي، وهو من هو في ذلك الوقت بثراء عائلته ومكانته الفنية وحتى الشخصية في الوسط الفني سقط خاضعا لها بعد أن أدمن على يديها الكوكايين وأفلس لدرجة أن شقيق يوسف وهبي خصص له 160 قرشا يوميا لينفق منها، بعد أن فقد يوسف وهي كل ثروته تحت أقدام ببا عز الدين ولم يعد في جيبه 160 قرشا فقط ! كل ذلك وببا عز الدين لم تكن قد تخطت من عمرها 36 عاما فقط .
ببا تموت بدلا من تصفية أحد رجال حزب الوفد المعارض للملك
لكن مع ذلك فإن ببا عز الدين لم يكن لها أن تعيش أكثر من 36 عاما رحمة بمن يسقط أمامها من الرجال، وفي أوائل الخمسينيات وأثناء عودتها من إحدى الحفلات بالإسكندرية، انقلبت سيارة بيبا عز الدين ولقيت مصرعها على الفور في 5 فبراير عام 1952، ودلت كل الدلائل على أن من دبر هذا الحادث هو الحرس الخاص للملك فاروق الذي كان يعرف في ذلك الوقت باسم الحرس الحديدي، وهو الحرس الذي كان أشهر رجاله الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وبرر السادات انضمامه للحرس الحديدي بأنه كان رد فعل على حادث فبراير الذي أهان فيه الجيش البريطاني الملك فاروق و أجبروه على تعيين زعيم الوفد مصطفى النحاس، وكانت مهام الحرس الحديدي هو اغتيال كل خصوم الملك فاروق ، وكانت المهمة التي قتلت فيها ببا عز الدين بالخطأ مقصود بها تصفية أحد رجال حزب الوفد المعارض للملك، وهو السياسي الشاب الدكتور عزيز فهمي، والذي كانت سيارته تشبه تمامًا سيارة ببا ومن ماركتها نفسها ولونها، فكان أن وقع الخطأ وتوفيت هي بدلًا منه.