تعد البتروكيماويات، صناعة القيمة المضافة، والتي أصبحت من أهم الصناعات في مصر، بعد أن كانت محدودة، وتعتمد تلك الصناعة الهامة على الغاز الطبيعي وحققت مصر، اكتفاءً ذاتيًا ما ساهم في ضخ دماء جديدة لمرحلة في صناعة البتروكيمياويات.
وتقول وفاء علي، الخبير الاقتصادي، ومحلل الطاقة، إن البتروكيماويات، هي صناعة العصر، حيث يقوم عليها العديد من الصناعات التكميلية الأخرى وينتج عنها صناعات هامة ومئات من المنتجات، كما أنها تمثل الاستغلال الأمثل لاحتياطيات مصر، من الغاز الطبيعي، وتحقيق قيمة مضافة، تساهم في دعم الاقتصاد القومي، وتتميز بالتنوع الكبير في منتجاتها محل المنتجات الطبيعية مثل الخشب والحديد، بالإضافة إلى أن منتجاتها تستخدم في الحياة اليومية، ويمكن من خلالها إقامة الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على المواد الخام البتروكيماوية، لتصنيع العديد من المنتجات المستخدمة في مختلف نواحي الحياة والمجالات الصناعية، مثل التعبئة، والتغليف، والصناعات المغذية للسيارات، والتشييد، وعدد من الصناعات الأخرى تشمل الصوبات الزراعية، والسجاد والموكيت وكذلك الكيماويات المنتجة أو المصنعة من الزيت الخام أو الغاز الطبيعي، وهي تمثل القاعدة الأساسية للصناعات الكيماوية العضوية التي تتكون من عدة مراحل ومركبات مهمة.
وأوضحت المحللة الاقتصادية، أن الدولة، وضعت خطة طموحة لدعم هذه الصناعة وجعلها ملائمة للتطورات العالمية في السنوات المقبلة مدعومة رئاسيا.
وأضافت أن هذه الاستراتيجية تسعى إلى الاستمرار في زيادة القيمة المضافة لأنشطة ومشروعات إنتاج البتروكيماويات، التي وضعت خطة لـ11 مشروع باستثمارات تصل إلى 19 مليار دولار، لتنفيذها خلال السنوات القادمة ومنها مجمع العلمين باستثمارات تصل إلى 8.5 مليار دولار، ومجمع البحر الأحمر للبتروكيماويات، باستثمارات تقدر بـ7.5 مليار دولار، تفعيلا لرؤية الدولة في تنمية ورفع كفاءة الإنتاج لعدد من مشروعات التطوير.
وأشارت إلى أنه تم اختيار مناطق المشروعات بناء على دراسة دقيقة يراعى فيها الاستفادة من كافة المقومات المتاحة والقرب من مصادر التغذية والمشروعات والتسهيلات اللوجستية التي تم إقامتها بالمحافظات لتيسير عملية الشحن والتداول والتصدير للمنتجات، مؤكدة أن ذلك يؤدي إلى تقليل التكاليف وتعظيم اقتصاديات المشروعات دعما لتحقيق هدفها النهائي بزيادة القيمة المضافة.
وقال سيد الطاهر، عضو المجلس العربي للطاقة، إن الاقتصاد، هو المحرك الأول لقاطرة التنمية المستدامة، والذي يعتمد بدوره على تنوع المصادر المكونة للكتلة الإنتاجية العصب الحيوي للاقتصاد، والتي تعتمد بدورها على الطاقة بشتى أنواعها فالطاقة، هي الوقود المحرك لهذه الكتلة الإنتاجية ومن ثم المحرك للاقتصاد، والضامن لاستمراريته، ومن المشروعات المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالطاقة، هي مشروعات البتروكيماويات، والتي بدأت في مصر، منذ أربعينيات القرن الماضي، وإن كانت بداية متواضعة.
وأوضح في تصريح خاص لـ'أهل مصر'، أنها تعد نقطة انطلاق لطفرة غير مسبوقة لمسناها جميعًا خلال السنوات القليلة الماضية، والتي ترجع إلى خطة متكاملة وضعتها الدولة، ليس لتطوير صناعة البيتروكيماويات، فحسب بل للمنافسة في السوق العالمية، وإنتاج قيمة مضافة جديدة تضاف إلى قيم عدة ساهمت في نقل الاقتصاد المصري، عن طريق إنتاج منتجات تنتج لأول مرة في مصر، والشرق الأوسط، بل في إفريقيا، ويتم تصديرها للخارج.
وأضاف أن الإكتشافات البترولية السابقة، وبخاصة الاكتشافات الغازية، من حيث حجم الإنتاج والاحتياطي أحدثت طرقًا كبيرة في صناعة منتجات البتروكيماويات، التي يمكن تعريفها بأنها المنتجات التي يتم تصنيعها باستخدام الغاز الطبيعي، وهي أساس صناعة البتروكيماويات العضوية الثقيلة، موضحًا أن زيادة الإنتاج من الغاز الطبيعي، ساهم في زيادة حجم إنتاج البتروكيماويات، إلى أكثر من 4 ملايين طن سنويًا، بزيادة 50%، مقارنة بالأعوام السابقة.
وأضاف أنه تم وضع استرتيجية للصناعة البتروكيماوية، لما بعد عام 2040، بعكس قطاعات أخرى تم وضع استراتيجيتها عام 2030، وقطاع الطاقة، المتجددة المستهدف له عام 2035، وذلك كون الصناعات البتروكيماوية، مرتبطة بقطاعات أخرى والمنافسة العالمية فيها أكثر شراسة لأنها تعتمد على إنتاج وصناعة تتطلب إجراءات ضبط جودة في جميع مراحل الإنتاج.
وتابع أنه يمكن القول أن حقل ظهر، كان له تأثير مباشر على تطور صناعة البتروكيماويات، بما كان له من دور في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي وتحقيق فائض للتصدير، وكان له الفضل في تأهيل مصر، لأن تكون مركز إقليمياً لصناعة البتروكيماويات، بحلول 2024، وفقًا للتقارير الدولية التي وضعت مصر، في مقدمة الدول الجاذبة للاستثمار ليس في الصناعات البتروكيماوية، فقط؛ بل في مجالات الطاقة كافة.
وأشار إلى أن مصر، تمتلك العديد من مشروعات إنتاج البتروكيماويات، تم تنفيذها بواسطة وزارة البترول، والثروة المعدنية، وصل حجم استثمارها إلى 18 مليار دولار، منها مشروع توسعات شرق موبكو بدمياط، ومشروع إنتاج الإيثيلين، ومشتقاته بالإسكندرية، بالإضافة إلى مشروع إنتاج الإيثيلين ومشتقاته، ومشروع مجمع البحر الأحمر، باستثمارات بلغت 7.5 مليار دولار، ومشروعات أخرى جاري دراستها داخل وزارة البترول والثروة المعدنية، منها مشروع 'الصودا آش'، باستثمارات تبلغ 420 مليون دولار، ومشروع إنتاج السيليكون المعدني، ومشتقاته ومشروع 'التيتانيوم داي أوكسيد'، باستثمارات بلغت 300 مليون دولار، وغيرها من المشروعات منها إنتاج البلاستيك الحيوي والنافتا الخضراء، ودرة، فهذه المشروعات إنشاء شركة الخدمات اللوجيستية للبتروكيماويات.
ويقول رمزي الجرم، الخبير الاقتصادي، إن صناعة البتروكيماويات العالمية، تواجه العديد من التحديات جراء تباطيء معدلات النمو الاقتصادي، وزيادة تقلب أسعار المواد الخام وزيادة الحواجز الجيوسياسية والتجارية، وتزايد مُتطلبات الصحة والسلامة (H S E)، والبيئة، فضلا عن صعوبة الوصول إلى وسائل النقل، والتكامل العمودي على طول سلسلة الإمداد.
وأوضح أن صناعة البتروكيماويات، هي واحدة من الصناعات التي تأثرت كثيرًا، كغيرها من الصناعات الأخرى، جراء تباطيء معدلات النمو الاقتصادي العالمي، نتيجة جائحة كورونا، فقد عانت القطاعات الاقتصادية الرئيسية بما في ذلك السيارات.
وأضاف أن انخفاض الطلب على المنتجات البتروكيماوية، من صناعة السيارات والطيران، قد يصبح أكبر أثرًا وأكثر استدامة، كما أن التقلبات المتزايدة في أسعار النفط والغاز، سيكون لها آثارًا سلبية على هوامش ربحية منتجي صناعة البتروكيماويات، بسبب زيادة تكلفة المنتجات؛ ما سيؤدي إلى تهديد الصناعة، نتيجة عدم دخول مشاركين جُدد للسوق، أو خروج مشاركين من سوق صناعة البتروكيماويات، وما يترتب عليه من انعكاسات سلبية على القطاع بأكمله.
وأوضح أن ما يُعطي بادرة أمل جديدة، على الشأن المحلي، هو وجود خطط استراتيجية، تتضمن عدة مشروعات بتروكيماوية، جاري تنفيذها في القريب العاجل، أهمها: مشروع إنتاج البولي بروبيلين، الذي يهدف إلى إنتاج مادة البولي بروبيلين بطاقة 450 ألف طن سنويًا، لتغطية الطلب المحلي وتصدير الفائض، ومشروع إنتاج البولي بيوتادين المطاطي، لإنتاج 36 ألف طن سنويًا، ومشروع إنشاء الألواح الخشبية متوسطة الكثافة، لإنتاج 205 آلاف متر مكعب سنويًا، ومشروع إنتاج الفورمالدهيد، ومشتقاته، لإنتاج 52 ألف طن سنوياً، ونحو 26 ألف طن من مادة النفثالين فورمالدهيد المُسلفنة، ومشروع مُجمع التكرير والبتروكيماويات في العلمين الجديدة، بهدف إضافة مُجمع جديد للبتروكيماويات، فضلا عن مشروع التكرير الذي سيتم في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وكل هذه المشروعات، من شأنها أن تواجه تحديات صناعة البتروكيماويات، إلى حد ما، وتصنع مستقبل جديد بعد تعافي الاقتصاد العالمي من وباء 'كوفيد-19'.
ويقول أبو بكر الديب، الخبير الاقتصادي، إن صناعة البتروكيماويات، جزء مهم ورئيسي في قوة الاقتصاد المصري، وقاطرة انطلاقه ونموه وتحقيق التنمية المستدامة، وهي موجودة بمصر، منذ حوالي 80 عاما أو يزيد، ورغم جهود تطويره إلا أن القطاع يحتاج خلال السنوات القادمة إلى رؤية واضحة، وخطة عمل طموحة، وزيادة نسبة مشاركة القطاع، وتعظيم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، ورفع مساهمة قطاع التعدين في الناتج الإجمالي للدولة.
وأوضح أن الحكومة المصرية، تحاول تطوير هذه الصناعة لما لها من تأثير مباشر على دعم الاقتصاد المصري ونهضته حيث تؤكد الأرقام الرسمية لوزارة البترول، أن القطاع يشهد إنشاء حزمة كبيرة من المشروعات باستثمارات تزيد على 125 مليار جنيه، بعد أن تم تنفيذ وتشغيل مجمعين صناعيين كبيرين للبتروكيماويات، في دمياط والإسكندرية خلال السنوات الأخيرة، باستثمارات 72 مليار جنيه، بما ساهم في إضافة نحو 4 ملايين طن سنويا، إلى الطاقة الإنتاجية من البتروكيماويات.
وأكد أن الدولة المصرية، نجحت في تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، كمنظمة دولية حكومية مقرها القاهرة للتعاون الإقليمي لدول شرق المتوسط، ونجحت مصر، ولأول مرة في تاريخها بالاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، والاتجاه نحو التصدير، بفضل جهود القيادة السياسية في تنمية الصناعة من أجل رفع معدلات النمو، مضيفا أن الاكتشافات بقطاع البترول، والثروة المعدنية خلال السنوات الماضية، ساعدت في إحداث طفرة كبيرة في إنتاج مصر، من الغاز، والنفط، وكذلك تعزيز احتياطاتها وإنعاش صناعة منتجات البتروكيماويات، ولا يزال قطاع البترول، يزخر بالعديد من الفرص في جميع المجالات ابتداء من البحث والاستكشاف سواء في المناطق التقليدية، مثل خليج السويس، والصحراء الغربية، وشرق المتوسط، أو في المناطق الجديدة مثل البحر الأحمر، وغرب المتوسط.
وأشار إلى أنه لدى مصر، استراتيجية لتطوير صناعة البتروكيماويات، حتى عام 2040، تستهدف تعظيم القيمة المضافة من الثروات الطبيعية، خاصة الغاز الطبيعي، وكشفت أرقام الشركة المصرية القابضة للبتروكيماويات، أن استثمارات المشروعات الجديدة الجاري تنفيذها تصل إلى حوالي 8 مليارات و492 مليون دولار، مثل مشروع مجمع العلمين للبتروكيماويات، باستثمارات 8 مليارات دولار، ومشروع إنتاج الألواح الخشبية متوسطة الكثافة باستثمارات 217 مليون يورو، ومشروع السويس، المشتقات الميثانول، باستثمارات 119 مليون دولار، ومشروع المصرية، لإنتاج الإيثانول الحيوي، باستثمارات 112 مليون دولار، ومشروع مجمع البحر الأحمر، للتكرير والبتروكيماويات باستثمارات 7.5 مليار دولار.
وأشار إلى أنه من أهم المشكلات التي تواجه صناعة البتروكيماويات، هو نقص العمالة المدربة، مطالبا بالتوسع في التعليم الفني، بقطاع صناعة البتروكيماويات، وتشجيع الاستثمار الأجنبي، بشكل أكبر للدخول في القطاع.