تصاعدت حالة قلق المستثمرين حيال آفاق النمو الاقتصادي، أن قيام الاحتياطي الفيدرالي بتشديد السياسة النقدية، كما كان الموضوع الرئيسي خلال هذا الأسبوع هو صدور بيانات التضخم لشهر أبريل في الولايات المتحدة، حيث جاء معدل التضخم أعلى مما كان متوقعًا على أساس شهري وسنوي، مما زاد من قلق المستثمرين حيال المسار المستقبلي للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وتأثيره على النمو، وعلى صعيد تحركات الأسواق، كان هناك اندفاع نحو الأصول الآمنة، وذلك مع ارتفاع سندات الخزانة، وصعود الدولار، وانخفاض الأسهم.
وحققت سندات الخزانة مكاسب على خلفية تزايد حالة الخوف بين المستثمرين حيال معدلات النمو، بالإضافة إلى تأكيد أعضاء الاحتياطي الفيدرالي على الحاجة إلى رفع أسعار الفائدة بشكل أكبر، ولكن حذروا من المسار العنيف لتشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي لسياسته النقدية. وتراجعت الأسهم في الولايات المتحدة على خلفية بيانات التضخم التي جاءت أعلى مما كان متوقعًا، إلا أنها قلصت بعضًا من الخسائر التي تكبدتها في مطلع هذا الأسبوع بعدما أشار باول يوم الخميس إلى أن الاحتياطي الفيدرالي سيقوم برفع أسعار الفائدة خلال الاجتماعين القادمين للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بواقع 50 نقطة أساس فقط، مستبعدًا بذلك احتمالية رفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس. وجاء أداء العملات هذا الأسبوع أقل من الدولار على خلفية وجود توقعات باتساع الفجوة بين أسعار العائد للاحتياطي الفيدرالي وباقي البنوك المركزية بالأسواق المتقدمة.
في غضون ذلك، تراجعت أسعار السلع الأساسية مع استمرار قلق الأسواق حيال الآثار الناجمة عن فرض إجراءات الإغلاق في الصين- نتيجة تفشي وباء كورونا- على سلاسل التوريد وآفاق النمو الاقتصادي.
تحركات الأسواق
سوق السندات:
حققت سندات الخزانة الأمريكية مكاسب على مستوى جميع آجال الاستحقاق، وخاصة السندات ذات الآجال المتوسطة وسط التخارج الجماعي للمستثمرين من الأصول الخطرة وتوجههم نحو الملاذ الأمن على خلفية تزايد حالة الخوف بين المستثمرين حيال النمو الاقتصادي، مدفوعة بإجراءات الإغلاق المفروضة في الصين نتيجة تفشي وباء كورونا، والشك في قدرة الاحتياطي الفيدرالي على "هبوط اقتصادي ناعم" "بعد الانتهاء من دورة التشديد النقدي. علاوة على ذلك، حققت سندات الخزانة مكاسب مع ضعف توقعات الأسواق بشأن تشديد الاحتياطي الفيدرالي لسياسته النقدية إلى حد ما بعدما أشار العديد من أعضاء الاحتياطي الفيدرالي إلى أن رفع سعر الفائدة بمقدار + 50 نقطة أساس خلال الاجتماعات القادمة هو المسار المُفضل لدى البنك، مستبعدين بذلك احتمالية رفع البنك لأسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس.
انخفضت العوائد عبر جميع آجال الاستحقاق، لتتراجع بذلك عن أعلى مستوياتها المُسجلة منذ نهاية عام 2018، حيث تراجعت عوائد السندات لأجل عامين، و5 سنوات، و10 سنوات، و30 عامًا بمقدار 15.39 نقطة أساس، و21.18 نقطة أساس، و21.02 نقطة أساس، و14.50 نقطة أساس لتصل إلى 2.58 %، و2.86 %، و2.92 %، و3.08 % على التوالي.
العملات:
صعد مؤشر الدولار للأسبوع السادس أمام نظرائه الرئيسيين، مرتفعا بنسبة 0.87%، على خلفية الطلب المتزايد على عملة الملاذ الآمن، الأمر الذي سمح لمؤشر الدولار بالارتفاع إلى أقوى مستوى له منذ عام 2002.
وفي الوقت نفسه، تراجع اليورو بنسبة 1.32% ليصل إلى مستوى جديد، هي الأدنى منذ عام 2002، على خلفية ارتفاع الدولار واضطراب إمدادات الغاز الروسي، مما زاد المخاوف بشأن التباطؤ الاقتصادي في منطقة اليورو. يأتي الانخفاض في العملة على الرغم من أن بعض مسؤولي البنك المركزي الأوروبي بما في ذلك السيدة كريستين لاجارد - رئيسة البنك المركزي الأوروبي - أشاروا إلى أنهم مستعدون لإقرار أول زيادة لسعر الفائدة منذ عام 2011 في اجتماع يوليو القادم. خسر الجنيه الإسترليني 0.70% مسجلاً انخفاضه الأسبوعي الرابع، مدفوعًا بالخلافات السياسية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي حول حدود أيرلندا الشمالية. ارتفع الين الياباني بنسبة 1.04% بعد خسائر استمرت لتسع أسابيع، نتيجة انخفاض عوائد سندات الخزانة الأمريكية وزيادة الطلب على الأصول الآمنة.
الذهب
انخفضت أسعار الذهب بنسبة (-3.82%) لتصل الى 1811.79 دولار للأونصة، ليستمر التراجع للأسبوع الرابع على التوالي، مسجلاً أكبر انخفاض أسبوعي منذ يونيو 2018 على خلفية قوة الدولار.
عملات الأسواق الناشئة
في الأسواق الناشئة، أغلق مؤشر مورجان ستانلي لعملات الأسواق الناشئة EM MSCI الاسبوع على انخفاض بنسبة -0.84% ومتراجعاً للأسبوع السادس على التوالي، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ نوفمبر 2020، وذلك في تداولات يوم الخميس، حيث استمرت معنويات المستثمرين في التدهور بسبب مفاجأة الاتجاه الصعودي لمؤشر أسعار المستهلكين الأمريكي وانعكاساتها على تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي للسياسة النقدية، وسط تدهور لآفاق النمو العالمي نتيجة إجراءات الإغلاق في الصين. وخلال النصف الأول من الأسبوع، استمرت المخاوف من حدوث تباطؤ كبير في الصين في التصاعد حيث استمرت عمليات الإغلاق ومع ضعف نمو الصادرات الصينية لأول مرة منذ عامين. أظهر صدور بيانات مؤشر أسعار المستهلكين الأمريكي يوم الأربعاء أن الضغوط التضخمية لا تزال واسعة النطاق، مما دفع السوق إلى تسعير زيادات الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة بصورة قوية والابتعاد عن الأصول الخطرة. انتعشت معنويات المخاطرة بشكل طفيف يوم الجمعة حيث كرر باول أن الارتفاع بمقدار 75 نقطة أساس لم يكن مطروحًا على الطاولة وأن تحقيق هبوط سلس لمعدلات الفائدة قد يكون أمراً خارج نطاق سيطرة بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما أدى الى تسعير الأسواق لارتفاعات أقل بأسعار الفائدة.
خسرت غالبية عملات الأسواق الناشئة التي يتتبعها مؤشر بلومبرج، حيث ارتفعت 5 عملات فقط من أصل 24 عملة مدرجة في المؤشر خلال هذا الأسبوع، مع استمرار صعود الدولار.
كانت الليرة التركية (-3.42%) الأسوأ أداء خلال الأسبوع، حيث أغلقت منخفضة للأسبوع الرابع على التوالي مع استمرار مخاوف المستثمرين في الصعود قبيل صدور بيانات عجز الحساب الجاري هذا الأسبوع، والذي من المتوقع أن يتسع بشكل حاد. واصلت الأسواق تثمين البيانات الصادرة من تركيا حيث بلغ التضخم 70% على أساس سنوي في أبريل بينما قفز معدل البطالة في مارس وانكمش الإنتاج الصناعي. تبعه الفورنت المجري (-2.36%) حيث أبقى البنك المركزي المجري على أسعار الفائدة دون تغيير وكما صرح محافظ البنك المركزي أن فترة الزيادات الشديدة في أسعار الفائدة قد انتهت وأنه ينبغي توقع نهج تدريجي بعد ذلك، على الرغم من ارتفاع التضخم في أبريل إلى أعلى معدلاته في 21 عاماً. من ناحية أخرى، كان الروبل الروسي (+ 5.02%) الأفضل أداءً، وتفوق على الريال البرازيلي باعتباره العملة الأفضل أداءً لهذا العام نظرًا لضوابط رأس المال التي فرضها البنك المركزي البرازيلي. علاوة على ذلك، واجهت خطة الاتحاد الأوروبي الخاصة بفرض عقوبات على النفط الروسي معارضة قوية من ناحية المجر بينما بدأت شركات الغاز الأوروبية في دفع ثمن النفط الروسي بالروبل، وفقاً لمطالب بوتين. وكان السول البيروفي (0.58%) ثاني أكبر الرابحين هذا الأسبوع حيث رفع البنك المركزي أسعار الفائدة إلى أعلى مستوى في 13 عامًا متماشياً مع توقعات السوق.
أسواق الأسهم:
أنهت المؤشرات الأمريكية الرئيسية تداولات الأسبوع على الانخفاض، لتسجل خسائر للأسبوع السادس على التوالي، في أطول سلسلة خسائر أسبوعية لها من 10 سنوات.
تراجعت الأسهم وسط مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي وتزايد الشكوك حول قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على تحقيق هبوط سلس لأسعار الفائدة دون حدوث ركود.
وتأججت هذه المخاوف حيث جاءت أرقام مؤشر أسعار المستهلكين التي صدرت يوم الأربعاء أعلى من توقعات الاقتصاديين، من ناحية أخرى، دعم المتحدثون الفيدراليون إقرار زيادات إضافية لسعر الفائدة الرئيسي بمقدار 50 نقطة أساس خلال محادثاتهم.
وفي هذه الأثناء، ساعدت كلمات باول بنهاية الأسبوع في تهدئة مخاوف السوق بشأن التشديد القوي للسياسة النقدية، حيث قال إن الارتفاعات الكبيرة ليست مطروحة على الطاولة في الوقت الحالي ما لم تسر الأمور أسوأ مما كان متوقعًا، خسر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 -2.4% مسجلاً خسارته الأسبوعية السادسة على التوالي، كما انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 2.14% ليكمل سلسلة خسائر استمرت سبعة أسابيع.
الجدير بالذكر أن مؤشري ستاندرد آند بورز وداو جونز انخفضا يوم الخميس إلى أدنى مستوى لهما منذ مارس 2021 قبل تعويض بعض الخسائر يوم الجمعة، وهبط مؤشر ناسداك المركب لأسهم الشركات التكنولوجية الكبرى بنسبة 2.8% مسجلا أدنى مستوى له منذ نوفمبر 2020 يوم الأربعاء، انخفض تقلبات السوق خلال الأسبوع حيث انخفض مؤشر VIX لقياس تقلبات الأسواق بمقدار 1.32 نقطة ليستقر عند 28.9 نقطة، وهو مستوى أعلى من متوسطه منذ بداية العام وحتى تاريخه والبالغ 25.76 نقطة.
في أوروبا، تمكن مؤشر Stoxx 600 من إنهاء تداولات الأسبوع على ارتفاع بنسبة 0.8%، ليوقف سلسلة خسائر استمرت أربعة أسابيع.
علاوة على ذلك، أدت عمليات شراء الأسهم من قبل المستثمرين بأسعار منخفضة الى ارتفاع الأسهم الأوروبية. تصدرت المكاسب قطاعات التجزئة (+ 4.12%) والعناية الشخصية والبقالة (+ 3.27%)، بينما خسرت قطاعات الموارد الأساسية (-2.79%) والرعاية الصحية (-1.31%).
وبالانتقال إلى الأسواق الناشئة، انخفض مؤشر مورجان ستانلي لأسهم الأسواق الناشئة EM MSCI بنسبة 2.62%، مسجلاً بذلك خسائر للأسبوع الثاني على التوالي، ليفقد بذلك 18.07% من قيمته منذ بداية العام، حيث استمرت المخاوف في التصاعد بشأن توقعات النمو في الصين وبعد ارتفاع بيانات مؤشر أسعار المستهلكين الأمريكي، والتي أدت الى زيادة حالة عدم اليقين في السوق تجاه مسار رفع أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
انخفض المؤشر إلى أدنى مستوى له في 22 شهراً خلال تداولات يوم الخميس، ليغلق عند مستوى 987.82 دولار مقارنة بمتوسط سنوي قدره 1,152.78 دولار، حيث أظهر إصدار مؤشر أسعار المستهلكين الأمريكي مفاجأة بارتفاعه بصورة قوية ودفع الأسواق إلى زيادة تسعيرهم لرفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في يونيو.
خسر المؤشر كل يوم من أيام الأسبوع باستثناء يومي الأربعاء والجمعة، وجاءت التحركات الصعودية نتيجة لاستقرار أعداد الإصابة بفيروس كورونا في الصين وارتفاع الأسهم الصينية، بالإضافة إلى طمأنة السيد باول للأسواق في نهاية الأسبوع، بعد أن استبعد احتمالية رفع الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس.
وكان استقرار الأسواق واضحاً يوم الجمعة مع انخفاض عدد الحالات في شنغهاي إلى ما يقرب من الصفر، مما دفع المستثمرين إلى توقع الغاء إجراءات الإغلاق في البلاد.
كما تعهد المسئولون الصينيون بتقديم المزيد من الدعم للسياسات مع دعوة رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ الى إقرار المزيد من إجراءات السياسات المالية والنقدية لدعم معدلات نمو بالصين. وعلى صعيد آخر، شهدت مؤشرات الأسهم الرئيسية في الهند، "نيفتي 50" Nifty 50 و"سينسكس"Sensex ، هبوط حاد، حيث تتوقع الأسواق حالياً ارتفاعًا لسعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع 8 يونيو المقبل بعد أن وصل التضخم في أبريل إلى أعلى مستوى له في 8 سنوات.
البترول:
انخفضت أسعار خام برنت بنسبة 0.75% خلال تداولات الأسبوع لتصل إلى 111.55 دولار للبرميل، لتسجل أول انخفاض لها في ثلاثة أسابيع، وهبطت الأسعار في مطلع الأسبوع بسبب الخوف من تباطؤ نمو الطلب، حيث استمرت الصين - أكبر مستورد للنفط في العالم - في فرض اجراءات إغلاق بالبلاد إثر ارتفاع حالات الإصابات بفيروس كورونا.
ومع انخفاض حالات الإصابة في الصين بفيروس كورونا، انتعشت الأسعار وسط مؤشرات على ارتفاع نمو الطلب حيث تتطلع الحكومة إلى تخفيف القيود المفروضة.
ومن ناحية أخرى، تأثرت أسعار النفط بالأخبار التي تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي مستعد لتخفيف العقوبات المقترحة على إمدادات النفط الروسية بعد انتقادات من جانب العديد من الدول الأعضاء.
علاوة على ذلك، أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية عن ارتفاع مخزونات النفط الأمريكية بمقدار 8.5 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في 6 مايو، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى سحب كميات آخرى من الاحتياطيات الاستراتيجية، مقابل توقعات المحللين بانخفاض يصل إلى 0.457 مليون برميل.
وفيما يتعلق بالصراع في أوروبا الشرقية، انخفضت تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر نقطة عبور رئيسية في أوكرانيا بمقدار الربع حيث أوقفتها القوات الأوكرانية يوم الأربعاء على خلفية التدخل الروسي.
وتجدر الإشارة الى أنه على صعيد العرض، خفضت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية توقعات الإنتاج في عام 2022 إلى متوسط 11.9 مليون برميل في اليوم مقارنة بـ 12 مليون برميل يوميًا في السابق (16 فبراير) و 12.85 مليون برميل يوميًا في عام 2023.
كما خفضت منظمة "أوبك" توقعاتها لنمو الطلب لعام 2022 للشهر الثاني على التوالي، مشيرة إلى تأثير الغزو الروسي على أوكرانيا وعودة ظهور متحور أوميكرون في الصين. وفي أحدث تقرير شهري لأوبك لأسواق النفط الصادر يوم الخميس الماضي، أشارت أوبك إلى أنها تتوقع نمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 3.4 مليون برميل في اليوم في عام 2022، بانخفاض قدره 300,000 برميل في اليوم عن توقعاتها السابقة.
وذكرت أن نمو الطلب في الربع الأول من العام كان قويًا، وأنه ينبغي إجراء مراجعات بالخفض لتوقعات معدل نمو الطلب في الأرباع القادمة لتعكس إحتمالية تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وعودة ظهور متحور أوميكرون في الصين.
وأضافت المجموعة أيضاً أن "الارتفاع غير المتساوي للحالات في جميع أنحاء البلاد يطرح بعض التحديات أمام التعافي الكامل في الربع الثاني"، على الرغم من أنهم أشاروا إلى أنه من المتوقع أن تتعافى حركة التنقل في الربع الثالث.