صناعة الأدوية بمصر بين البيروقراطية وأزمات سعر الصرف.. "الحق في الدواء": حماية المريض تبدأ بعودة شركات قطاع الأعمال

65 مليار جنيه مبيعات خلال 2021 رغم الحالة الاقتصادية.. ومطالبات بتدخل الدولة والتسعير

شراء الأدوية المُعلنة على القنوات الوهمية
شراء الأدوية المُعلنة على القنوات الوهمية

تعمل الدولة المصرية جاهدة على تحقيق الاكتفاء الذاتى من الدواء، الذى أصبحنا نعتمد فى صناعته على المواد الخام المستوردة مما جعل هناك العديد من التحديات التى تواجه هذا الملف الهام، وقد شهدت أسعار الدواء زيادات رهيبة لأغلب الأصناف مما أدى إلى اختفاء بعضها وندرة الآخر مع ارتفاع سعره إذا وجد.

وبحسب تقارير أسعار هيئة الدواء، شهد 400 صنف دوائى ارتفاعات منذ أول يناير 2022 إلى الآن.

65 مليار جنيه حجم مبيعات الأدوية خلال 2021

قال محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق فى الدواء، إن صناعه الدواء في مصر متطورة جدا وتجذب استثمارات كبيرة، حيث إن مصر أكبر سوق في المنطقة بخلاف قدم هذه الصناعة التي ترجع إلى ثلاثينيات القرن الماضي، ووجود قاعدة صناعية كبيرة، وبلغ حجم مبيعات الأدوية فى مصر خلال ٢٠٢١ حوالي ٦٥ مليار جنيه.

محمود فواد مدير المركز المصري للحق فى الدواء

وأوضح 'فؤاد'، أن صناعة الأدوية تواجه تحديات كبيرة بسبب نقل التكنولوجيا العالية، فهى صناعة مستوردة من الخارج بخلاف مشاكل لتذليل تسجيل الدواء البيروقراطي في مصر.

وأضاف مدير مركز الحق فى الدواء، أن تسعير الأدوية في مصر الآن بحسب القانون ٤٩٩ لسنه ٢٠١٢، أمر أصبح متغيرًا نظرا لملابسات حدثت وتغيير أسعار الصرف عدة مرات، والشركات تجد صعوبة في التعامل مع أسعار الصرف الجديدة، وبالتالي لا تستطيع العمل وتلجأ للتلاعب بتوقف الشركة عن الإنتاج لصنف مهم ثم تذهب إلى لجنة إعادة التسعير بوزارة الصحة لإعادة تسعير منتجها مرة أخرى، وهناك أكثر من ٤٠٠ صنف تحركت أسعارهم خوفا من توقف الشركات.

وأكد مدير مركز الحق فى الدواء، أنه لا بد من حماية المريض أولا، وذلك بعودة شركات قطاع الأعمال للريادة بعد تركها عشرات السنين لبيعها، وأن تعيد الدولة تسعير منتجاتها مثل القطاع الخاص حتى تستطيع الإنتاج، مشيرًا إلى ضرورة فرض إجراءات عقابية على الشركات المتلاعبة وتذليل كل مشاكل الاستيراد حتي تجد الشركات سهولة في الإنتاج.

مساهمة قطاع الأدوية في السوق

قال د. حسام غايش، الخبير الاقتصادى، إن صناعة الدواء في مصر تعد من أعرق وأقدم الصناعات، ويساهم القطاع العام في صناعة الأدوية في مصر بنسبة تصل إلى 6% من حصة السوق، بينما تصل نسبة القطاع الخاص إلى 94%.

وأوضح الخبير الاقتصادى، أنه حسب بعض التقديرات يعتمد قطاع الدواء على استيراد المواد الأساسية والمواد الفعالة المصنعة والخامات اللازمة من الخارج بنسبة أكثر من 90%، موضحا أن ذلك أحد نقاط الضعف في صناعة الدواء في مصر، فهي تقوم على استيراد المواد الخام الدوائية من الخارج ثم تصنيعها وتوفيرها للسوق في الشكل الدوائي النهائي.

د.حسام غايش خبير اقتصادى

وأضاف أن مشاكل استيراد المواد الخام الدوائية من الخارج سواء بسبب نقص في توافر العملة الصعبة أو مشاكل عند الموردين أحد أهم أسباب حدوث الأزمات المتكررة لنقص الدواء وارتفاع أسعاره، علاوة على أن الهيكل الإداري القديم والبيروقراطية الشديدة يزيد الأمر تعقيدا بسبب طول فترة التسجيل والتراخيص والمدة التي يستغرقها استخراج موافقة وزارة الصحة على استيراد المواد الخام والإفراج عن شحنات الأدوية والمواد الخام.

وأشار الخبير الاقتصادى، إلى أن ضعف الرقابة أيضا أحد التحديات التي يواجهها قطاع الدواء، حيث وصل حجم مبيعات الأدوية المهربة والمغشوشة في مصر إلى مرحلة تمثل خطورة على حجم تجارة الدواء حيث تقدر بنحو 15% من حجم تجارة الدواء، ومعظم الأدوية المغشوشة والمهربة يتم بيعها عن طريق العيادات الطبية أو مواقع التواصل الاجتماعي وأحيانا في بعض الصيدليات نظرا لضعف الرقابة عليها.

وتابع الخبير الاقتصادى، أن الإحصائيات تؤكد وجود تراجع في صناعة الدواء المصري الذى بدأ عام ١٩٣٩ أى ما يزيد عن 8٣ عامًا وكان مشهودا للدواء المصرى بالكفاءة والسمعة حتى تم تراجع صناعة الدواء مع بداية عصر الانفتاح في السبعينيات من القرن الماضي.

وأكد أن نصيب شركات الأدوية المملوكة للدولة ويصل عددها إلى ١١ شركة لا تحقق سوى ٢.٨٪ من حجم إجمالى المبيعات خلال عام ٢٠١٩ فقط، بينما شركات القطاع الخاص والاستثمارى المصرى والأجنبى يستحوذ على أكثر من ٩٥٪ من مبيعات السوق محققا أعلى الأرباح من حجم مبيعات في السوق المصرية تزيد على ٧٧.٥ مليار جنيه.

وللأسف خسرنا صناعة الأدوية الحكومية حيث خرج أصحاب وخبراء وعاملين من باطن القطاع العام والحكومى في تلك الصناعة المهمة لتساهم في إنشاء القطاع الاستثمارى الخاص في صناعة الأدوية.

وأوضح أن المشاكل التي تواجه القطاع تتمثل في عنصرين هامين للغاية العنصر الأول متعلق بتوافر المواد الخام ومعظمها مستورد من الخارج مما يمثل ضغطًا على العملات الاجنبية المصرية وبالتالي يجب وضع استراتيجية لكيفية تصنيع وإنتاج العديد من المواد الخام محليا مما يمثل ميزة تنافسية أيضًا للقطاع ويقلل من حجم هذه المشكلة، أما العنصر الثاني فهو متعلق بتسعير ورقابة المنتجات وخاصة المستورد منها فبعض الأدوية تم تسعيرها سابقا وأصبح إنتاجها يمثل خسائر علي المصنعين وبالتالي يجب إعادة تسعيرها دوريا لمنع تعرض المصنعين لخسائر التسعير وفي الجانب الآخر الرقابة على أسعار وجودة المنتجات المستوردة وإتاحة توافر العديد من الادوية الهامة طبقا لاحتياجات السوق وهذا يستلزم دور رقابي قوي وقادر علي تحديد متطلبات السوق بوتيرة اسرع مما هو معمول به الآن.

تطوير صناعة الدواء

قال محمد محمود عبدالرحيم، الباحث الاقتصادى، إن صناعة الدواء من الصناعات الاستراتيجية الهامة، كما أنها ذات تكنولوجية غير تقليدية، موضحًا أن هناك تحديات تواجه صناعة الدواء في مصر تكمن في استمرار توطين التكنولوجيا ومعالجة مشاكل حقوق الملكية وزيادة الاستثمارات والتوسع في نشاط شركات الدواء مع الأخذ في الاعتبار في تحقيق مزيد من التعاون مع الجامعات والمراكز البحثية المصرية، وتعديل بعض القوانين المتعلقة بالمجال بالإضافة إلى تأهيل وتدريب الخريجين من الصيادلة والعاملين بالمجال.

وبحسب بيانات رسمية صادرة من المجلس التصديري للصناعات الطبية، سجلت قيمة الصادرات في 2021 حوالي 685 مليون دولار مقابل 529 مليون دولار خلال عام 2020 و هو رقم يمكن تعظيمه وخصوصا أن هناك فرص تصديرية في إفريقيا والوطن العربي

محمد محمود عبد الرحيم باحث اقتصادى

وأضاف الباحث الاقتصادى، أن الدولة تحاول تقديم خطوات لتطوير صناعة الدواء على أرض الواقع، فقد تم افتتاح مدينة الدواء والتي تعد نقطة انطلاق للصناعة الوطنية في الدواء كما أنها تعد نموذجًا للتعاون المميز بين القطاع الخاص والحكومة، وإنشاء المدينة يأتي في إطار استراتيجي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الدواء، وهذا يساهم في تخفيض أسعار بعض الأدوية كنتيجة مباشرة لتخفيض التكاليف بالتزامن مع عدم وجود فرق يذكر في الجودة بين المنتج المصري والمنتجات الدوائية المستوردة، بالإضافة إلى أن التوسع الأفقي والرأسي في صناعة الأدوية في مصر بشكل عام يساهم في زيادة كفاءة الموارد البشرية الوطنية، فضلًا عن أن إنشاء المدينة خطوة لربط البحث العلمي بالصناعة وخصوصاً في ظل الجهود لتقليل إهدار الوقت لتسجيل بعض المنتجات الدوائية الجديدة في وزارة الصحة والرقابة الدوائية، بالإضافة لخطوات أخرى منتظرة في المستقبل سواء من حيث التوسع في زيادة إنتاج المادة الفعالة وحفظ حقوق الملكية الفكرية أو التوسع في تصنيع كافة الأدوية وخصوصاً الخاصة بالأمراض المزمنة والأورام.

وأشار الباحث الاقتصادى، إلى أن مصر حاليًا تستورد مواد خام لتصنيع الأدوية بقيمة 1.5مليار دولار، ويبقى التحدي الحقيقي في تخفيض نسب استيراد المواد الخام وإحلال المنتج المحلي كبديل مما يساهم في تقليل الاستيراد وخفض سعر الدولار وتوفير فرص عمل.

اتفاقية تريبس

وأشار إلى أنه وفقًا للاتفاقية تريبس وهي اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية، مصر ملتزمة بموجب هذه الاتفاقية الدولية بالقيام ببعض الإجراءات التي تتضمن ضمان الحماية الكاملة للملكية الفكرية وحقوق براءات اختراع لكافة المنتجات الدوائية، حيث تمتلك الشركات في الدول المتقدمة (براءة اختراع) لكل منتج دوائي، مما يجعل هذه الشركات الكبرى والعالمية تقوم باحتكار إنتاج وبيع بعض الأدوية وخصوصاً المعقدة، كما أن الشركات في العالم الثالث ومصر منها حققت مكسب من تصنيع الأدوية الجنيسة generic drugs وهو مصطلح هام في صناعة الأدوية يعني (الأدوية التي تنتجها الدول النامية سواء بإذن من الشركة صاحبة الحق في تصنيعها أو حتي بدون إذنها) في تخفيض أسعار الأدوية الأساسية، مضيفًا أن تلك الشركات تحتاج إلى مزيد من التنسيق لخلق حالة من حالات التوازن بين تحقيق الأرباح للشركات وتحقيق مصلحة المواطن وتوفير الدواء بشكل مناسب، وهو أمر يتطلب جهود بين الشركات ونقابة الصيادلة والحكومة وكافة الفاعلين في سوق الدواء في مصر.

ويطالب الباحث الاقتصادى بوضع خطط تضمن تدفق المواد الخام المستوردة ووضع آليات تنفيذية لبحث إمكانية إحلال المواد الخام والمواد الفاعلة محلية الصنع، وذلك لخفض تكاليف الإنتاج وضمان زيادة الأرباح بشكل مناسب للشركات وخصوصاً الشركات الحكومية التي تعاني من عدة مشاكل هيكلية ابرزها ضعف الإنتاجية وارتفاع الخسائر.

قطاع الأدوية والبورصة

قال د. محمد عبدالهادى، خبير سوق المال: يعد قطاع الأدوية في سوق المال المصري من أكثر القطاعات المستهدفة من كافه المستثمرين وأكثر القطاعات التي تحدث بها استحواذات من مستثمرين أجانب مثل (استحواذ علي مستشفي كليوبترا وراميدا وجلاكسو وأمون الأدوية).

وأوضح خبير سوق المال، أن ذلك نتيجة أن القطاع من القطاعات الاستراتيجية بالإضافة، إلى ارتفاع عدد السكان في مصر مما تضمن معدلات ربحية ونمو مرتفعة، موضحا أن عدد شركات الأدوية في البورصة المصرية تقدر بحوالي 19 شركه مقيدة، وكانت مكاسب قطاع الأدوية بعد جائحة كورونا، وسحب أدوية البرد والفيتامينات فتحت شهية المستثمرين نحو الاستحواذ والاندماج علي الشركات المصرية.

د.محمد عبد الهادى خبير سوق المال والخبير الاقتصادى

وأضاف أنه مع ارتفاع التضخم عالميا نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية وانخفاض سلاسل الإمداد والتوريد، اضطرت الدول لمواجهة التضخم بارتفاع أسعار الفائدة وخاصة ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية وبالتالي ارتفاع أسعار الدولار مقابل العملات الأخرى ومنها الجنيه مما يؤثر تأثيرًا سلبيًا على مدخلات الإنتاج من الأدوية التي تعتمد مدخلاتها علي الاستيراد.

وأوضح أنه مع قرارات القيادة السياسية باستثناء مدخلات الإنتاج من قرارات الاستيراد ستؤثر تأثيرًا إيجابيًا على إنتاجية الشركات وينعكس مرى أخرى على ربحية الشركات ومعدلات نموها وأصبح هذا القرار بمثابة قبلة الحياة لشركات الأدوية، ومع نظرية أن ارتفاع تكلفه الشحن أو الإنتاج أو الاستيراد تكون على الفاتورة المحملة للمستهلك دون التأثر بتلك الشركات.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً