ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي إلى أعلى مستوياتها المسجلة في ثمانية أشهر بعد أن أدت حالة عدم اليقين إلى إحداث صدمة هزت الأسواق بسبب الاضطرابات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط على خلفية الحرب على غزة، وأدى الصراع إلى إغلاق حقل غاز تمار في البحر المتوسط. كما ساهمت المخاوف من التدخل والتخريب بعد رصد تسرب في خط أنابيب الغاز في بحر البلطيق الذي ينقل الغاز بين فنلندا إلى إستونيا في تعزيز حالة عدم الاستقرار التي مرت بها أسواق الغاز الطبيعي.
العقود الآجلة
وشهدت أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي الهولندية والتي بلغت 36.650 يورو لكل ميجاواط/ الساعة بتاريخ 6 أكتوبر 2023، قفزة بنسبة 36% لتصل إلى49.9 يورو لكل ميجاواط/ الساعة بحلول 23 أكتوبر 2023، إلا أنه على الرغم من هذه الزيادة المفاجئة التي شهدتها أسعار الغاز الطبيعي مؤخراً نتيجة لحالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، اتخذت أسعار الغاز الطبيعي اتجاهاً هبوطياً.
وقبل بداية ظهور حالة عدم الاستقرار الأخيرة في الشرق الأوسط، كانت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا واقعة بالفعل تحت الضغوط مقارنة بأسعار الغاز الطبيعي الآسيوية والأمريكية التي شهدت ارتفاعاً خلال الربع الثاني من العام الحالي.
وظلت أسعار الغاز الطبيعي تحت الضغط خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2023 مقارنة بالمكاسب الكبيرة التي شهدتها العام الماضي جراء الصراع الروسي الأوكراني الذي دفع الأسعار إلى مستويات قياسية.
وانخفض مؤشر الغاز الطبيعي الشهري للبنك الدولي بنسبة 62.1% خلال التسعة أشهر الأولى من العام الحالي، مما يؤكد ضعف المعنويات العالمية تجاه الغاز الطبيعي واستقرار أسعاره بعد عام مضطرب، كما كان للمخاوف المتعلقة بتباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد العالمي تأثيراً سلبياً على الطلب على الغاز الطبيعي، مما أدى بدوره إلى فرض ضغوط هبوطية على أسعار السلعة.
وفي أحدث تقاريره الخاصة بآفاق نمو الاقتصاد العالمي، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي بمقدار 10 نقاط أساس للعام 2024 إلى 2.9 في المائة مقارنة بتوقعاته السابقة في يوليو 2023.
ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن تتباطأ وتيرة نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي من نسبة 2.5% سنوياً في الفترة الممتدة ما بين 2017 إلى 2021 إلى متوسط نمو معدل بنسبة 1.6 في المائة خلال الفترة ما بين عامي 2022-2026.
وفيما يتعلق بأداء الأسعار الشهرية، فإنه ووفقاً للبنك الدولي، انخفضت أسعار الغاز الطبيعي الأمريكي لشهر سبتمبر 2023 بنسبة 66.0% على أساس سنوي لتصل إلى 2.64 دولار أمريكي لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وبالمثل، انخفضت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي لشهر سبتمبر 2023 بنسبة 80.5% على أساس سنوي بمتوسط شهري بلغ 11.55 دولار أمريكي لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، في حين انخفض المتوسط الشهري لسعر الغاز الطبيعي المسال الياباني لشهر سبتمبر 2023 بنسبة 42.4% على أساس سنوي ليصل إلى 12.50 دولار أمريكي لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
في المقابل، سجلت أسعار الغاز الطبيعي وأسعار العقود الفورية للغاز الطبيعي المسال في أوروبا اتجاها صعودياً، مسجلة نموا خلال شهري أغسطس وسبتمبر 2023 حتى قبل اندلاع الحرب على غزة.
وتعزى تلك الزيادة في أسعار الغاز بصفة رئيسية إلى إضراب العمال في منشأتي 'جورجون' و'ويتستون' للغاز الطبيعي المسال التابعتين لشركة شيفرون في أستراليا.
وعلى صعيد الطلب، يتوقع التقرير الأخير الصادر عن منتدى الدول المصدرة للغاز أن تحافظ أسعار الغاز الطبيعي على اتجاهها التصاعدي على مدار الأشهر القليلة المقبلة نتيجة للزيادة المتوقعة في الطلب على الغاز الطبيعي المسال في آسيا بالإضافة إلى الصراع الذي اندلع مؤخراً في الشرق الأوسط والذي يخشى أن يؤدي إلى تفاقم حالة عدم استقرار سوق الغاز الطبيعي.
وبالمقارنة، زاد استهلاك الغاز في الولايات المتحدة بنسبة 3 في المائة على أساس سنوي خلال شهر سبتمبر 2023 بدعم من تزايد استهلاك الغاز الطبيعي في القطاع السكني الذي سجل ارتفاعاً بنسبة 1% على أساس سنوي.
وبالمثل، سجل استهلاك الغاز في القطاعين التجاري وتوليد الطاقة في الولايات المتحدة نمواً خلال الشهر بنسبة 1.8% و6.3%، على التوالي.
وعلى جانب العرض، من المتوقع أن يشهد إنتاج الغاز الطبيعي العالمي نمواً هامشياً بنسبة 1.2% في العام 2023.
ومن المتوقع أن يكون مصدر هذا النمو بصفة رئيسية كل من أمريكا الشمالية والشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ وأفريقيا، وذلك لأن إنتاج الغاز الأوروبي آخذ في التناقص حتى الآن طوال العام 2023.
خفض إنتاج الغاز الطبيعي
ووفقاً لمنتدى الدول المصدرة للغاز، من المتوقع أن ينخفض إنتاج الغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة 4.2% في العام 2023 ليصل إلى 222 مليار متر مكعب، بينما من المتوقع أن يرتفع إنتاج الغاز الطبيعي في أمريكا الشمالية بنسبة 4.2% ليصل إلى 1281 مليار متر مكعب.
من جهة أخرى، من المتوقع أن ينخفض إنتاج الغاز الطبيعي في رابطة الدول المستقلة بنسبة 3% ليصل إلى 794 مليار متر مكعب خلال العام.
وفي ظل تراجع الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا، انتعش الطلب على الغاز في آسيا مرة أخرى خلال التسعة أشهر الأولى من العام.
وفي أغسطس 2023، ارتفع الطلب على الغاز الطبيعي في الصين بنسبة 11% على أساس سنوي ليصل إلى 33 مليار متر مكعب، مما يؤكد استمرار انتعاش النشاط الاقتصادي في الصين. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يقابل ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي في القطاعات الرئيسية للاقتصاد (السكني والصناعي) انخفاض إنتاج الكهرباء من الغاز الطبيعي بنسبة 1% على أساس سنوي خلال شهر أغسطس 2023.
وفي هذا السياق، سجل استهلاك الغاز الطبيعي في الصين نمواً بنسبة 7.4% على أساس سنوي إلى 260 مليار متر مكعب خلال الثمانية أشهر الأولى من العام 2023، إلا أنه هناك بعض المخاوف من أن النمو القوي والمستمر الذي يشهده الطلب على الغاز الطبيعي في الصين قد يحيد عن مساره نتيجة لاعتدال درجات الحرارة في شهري أكتوبر ونوفمبر من العام الحالي، وبالمقارنة، نما الطلب على الغاز الطبيعي في الهند طوال الثمانية أشهر الأولى من العام.
ووفقاً للمنتدى، ارتفع استهلاك الغاز الطبيعي في الهند بنسبة 6% على أساس سنوي ليصل إلى 6.1 مليار متر مكعب في أغسطس 2023 فيما يعزى بصفة رئيسية إلى قفزة استهلاك الغاز في قطاع توليد الطاقة بنمو بلغت نسبته 84% على أساس سنوي خلال الشهر.
ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، شهد استهلاك الغاز الطبيعي بصفة عامة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ نمواً بنسبة 2.5% أو ما يعادل نحو 12 مليار متر مكعب خلال الثمانية أشهر الأولى من العام 2023، بقيادة الصين التي كانت الدافع الرئيسي لزيادة الطلب في المنطقة.
ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، سيظل الطلب العالمي على الغاز الطبيعي ضعيفاً خلال العام نتيجة لعدم توافر إمدادات غاز إضافية على خلفية انخفاض إمدادات الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا. وما زال هناك فارق يقدر بنحو 18 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال لتعويض الفجوة التي تزيد عن 35 مليار متر مكعب والتي خلفها انخفاض إمدادات خطوط الأنابيب الروسية.
ومن المتوقع أن يشهد استهلاك الغاز الطبيعي في أمريكا الشمالية، أكبر سوق للغاز على مستوى العالم، انخفاضاً تدريجياً. وشهد الطلب على الغاز الطبيعي في هذه المنطقة نمواً بنسبة 12% في المتوسط خلال الفترة الممتدة ما بين 2017 و2021، بدعم رئيسي من اتجاهات التحول من استخدام الفحم إلى الغاز في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
وشهدت منطقة أمريكا الشمالية زيادة بنحو 5% أو ما يعادل 53 مليار متر مكعب في استهلاك الغاز خلال العام 2022 مقارنة بالمستويات المسجلة في العام 2021 بسبب ارتفاع استهلاك الغاز في قطاع توليد الطاقة وكذلك القطاعين السكني والتجاري.
وبالنسبة للعام 2023، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تتباطأ وتيرة نمو الطلب على الغاز الطبيعي في منطقة أمريكا الشمالية حيث يقابل انخفاض استهلاك الغاز في القطاعات الصناعية والتجارية والسكنية ارتفاع استهلاك الغاز في قطاع توليد الطاقة.
كما أشارت الوكالة إلى انخفاض الطلب على الغاز في المنطقة بنسبة 0.5% في المتوسط سنوياً خلال الفترة الممتدة ما بين 2022 و2026.
وبالمقارنة، شهد الطلب على الغاز الطبيعي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ نمواً بنسبة 4% على أساس سنوي خلال الفترة الممتدة بين 2017 و2021 حيث حافظت المنطقة على مكانتها في تحديد وتيرة نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي على خلفية قوة النمو الاقتصادي للمنطقة وبدعم من سياسة الصين التي تتعهد بتحويل محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم إلى محطات توليد الطاقة باستخدام لغاز.
وفي أحدث تقاريرها بعنوان توقعات الطاقة على المدى القصير، توقعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يرتفع استهلاك الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة في العام 2023 بنسبة 0.8% مقارنة بمستويات الاستهلاك في العام 2022 عند 89.17 مليار قدم مكعب يومياً (2.53 مليار متر مكعب يوميا) مما يعكس استقرار الاستهلاك المتوقع بصفة عامة في البلاد.
كما تقدر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية وصول إنتاج الغاز الطبيعي المسوق في الولايات المتحدة إلى 103.72 مليار قدم مكعب يومياً (2.93 مليار متر مكعب يومياً) في العام 2023، أي بنمو تصل نسبته إلى 4.1% مقارنة بمستويات العام 2022.
وعلى الصعيد القطاعي، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن تصل حصة الغاز الطبيعي الأمريكية من توليد الكهرباء إلى نسبة 42% في العام 2023 مقابل 39 في المائة في العام 2022 قبل أن تنخفض إلى نسبة 41% في العام 2024.
وفيما يتعلق بأسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يصل متوسط سعر عقود هنري هاب الفورية للغاز الطبيعي إلى نحو 2.61 دولار أمريكي لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في العام 2023 قبل أن يرتفع إلى 3.23 دولار أمريكي لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في العام 2024 على خلفية زيادة الطلب المتوقع على صادرات الغاز الطبيعي المسال والتي يتوقع لها أن تصل إلى أعلى مستوياتها المسجلة على أساس سنوي في العام 2023.
صادرات الولايات المتحدة
كما تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تزايد صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 20% في العام 2023 لتصل إلى 12.8 مليار قدم مكعب يومياً (0.362 مليار متر مكعب يومياً) نتيجة لارتفاع صادرات الغاز الطبيعي المسال وكذلك صادرات الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب إلى المكسيك.
وتمكنت الولايات المتحدة من تصدير المزيد من الغاز الطبيعي المسال أكثر من أي دولة أخرى خلال الستة أشهر الأولى من العام 2023.
أما على مستوى منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، وقعت قطر مؤخراً عقداً للغاز الطبيعي المسال مدته 27 عاماً مع شركة إيني الايطالية، وهو العقد الثالث من نوعه الذي توقعه قطر مع شركة أوروبية هذا الشهر.
ووفقاً لتقارير صادرة عن وكالة بلومبرج، ينص العقد على تسليم نحو 1.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال سنوياً إلى الوحدة العائمة لتخزين الغاز الطبيعي في ميناء بيومبينو الإيطالي.
وقد سبقت هذه الصفقة توقيع قطر لصفقات مماثلة مع شركة توتال انرجيز وشركة شل في أكتوبر 2023.
وفي ظل مساعي الدول الأوروبية لملء منشآت تخزين الغاز الخاصة بها استعداداً لفصل الشتاء الثاني بدون إمدادات خط الأنابيب الروسي للغاز الطبيعي، أصبحت قطر واحدة من الدول القليلة، إلى جانب أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية، القادرة على توصيل الغاز الطبيعي المسال اللازم إلى الدول الأوروبية.