شهدت الأيام الأخيرة تطورات مهمة في مسار التعاون الاقتصادي بين مصر وصندوق النقد الدولي، إذ تم تأجيل صرف الشريحة الثالثة من قرض بقيمة 3 مليارات دولار.
هذا التأجيل أثار تساؤلات عديدة حول الأسباب الكامنة وراء هذا القرار، وآثاره على الاقتصاد المصري وعلى مسار الإصلاحات الاقتصادية الجارية.
يعتبر تأجيل صرف الشريحة الثالثة من قرض صندوق النقد الدولي تحديًا جديدًا للاقتصاد المصري، ويتطلب من الحكومة المصرية اتخاذ إجراءات حاسمة لتعزيز الثقة في الاقتصاد المصري وتسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية، كما يتطلب الأمر تعاونًا وثيقًا بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي للوصول إلى حلول توافقية تضمن استقرار الاقتصاد المصري وتحقيق نمو مستدام.
برامج الدعم الاقتصادي
من جهته، علق عمرو عبدالله الخبير الاقتصادي، حول تأجيل صرف الشريحة الثالثة من قرض صندوق النقد الدولي لمصر، موضحاً أن الصندوق يود التأكيد على أن قراراته بشأن برامج الدعم الاقتصادي تتخذ بناءً على تقييم شامل وشامل للأداء الاقتصادي للبلد، مع مراعاة التزامات الحكومة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، موضحا أن صندوق النقد الدولي قد أرجأ صرف الشريحة الثالثة من القرض الممنوح لمصر دون إبداء أسباب واضحة، وتم تخفيض توقعات صندوق النقد الدولي لنمو الاقتصاد المصري، ما يشير إلى تقييم سلبي للوضع الاقتصادي الحالي.
عمرو عبدالله
وأوضح أن صندوق النقد الدولي يثمن التقدم الذي أحرزته الحكومة المصرية في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، ولا سيما في مجال تحرير سعر الصرف وتعزيز مرونة الاقتصاد، ومع ذلك، فإن الصندوق يشدد على أهمية مواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، بما في ذلك تسريع وتيرة الطروحات الحكومية وتوسيع قاعدة المشاركة في الاقتصاد.
وأضاف أن هدف صندوق النقد الدولي هو دعم جهود الحكومة المصرية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام على المدى الطويل، وذلك من خلال تقديم المشورة التقنية والتمويل.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن قرارات صندوق النقد الدولي قد تكون مدفوعة بأهداف جيوسياسية أكثر من كونها مبنية على تحليل اقتصادي محض، مشيراً إلى بعض الإيجابيات في الأداء الاقتصادي المصري، مثل استقرار سعر الصرف وتحسين مناخ الاستثمار.
ويحذر الخبير من الانصياع التام لمطالب صندوق النقد الدولي، داعيًا إلى اتباع نهج أكثر تحفظًا في بعض الملفات، موضحاً أن هناك تطورات إيجابية في بعض الملفات، مثل زيادة مشاركة القطاع الخاص وتطوير الصناعة.
الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي
قالت حنان رمسيس خبيرة أسواق المال، إن تأجيل مراجعة مصر الدورية للاقتصاد في صندوق النقد الدولي لجلسة 29 يوليو 2024 جاء نتيجة موقف مصر من الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، والتي تجعل من الحكومة تلتزم بمواعيد زمنية تتفق مع الرؤية المصرية.
وأوضحت رمسيس، في تصريحات خاصة لـ'أهل مصر'، أنها جاءت نتيجة لعدم طرح أي أسهم في البورصة أو الحديث عن أي استحواذات قادمة وفقاً لوثيقة ملكية الدولة بالأسهم الحكومية، بجانب رفع أسعار المازوت والبنزين والكهرباء وتقليل الدعم المقدم لهم من قبل الحكومة وفقا لطلبات صندوق النقد الدولي، لذلك تم اتخاذ إجراء بتأجيل المراجعة من 10 يوليو الجاري.
حنان رمسيسوأشارت إلي أن مصر تحاول الحد من معدلات التضخم لذلك تم تأجيل خطوات الحكومة وهو ما ظهر بتثبيت سعر الفائدة في الاجتماع الأخير، موضحه أن صندوق النقد الدولي طالب البنك المركزي بالرد على استفساراته بشأن سحب سيولة مليارية من البنوك، نتيجة لعدم منحه البنوك فرصة لإعطاء قروض استهلاكية ما يرفع معدلات التضخم.
وأوضحت أنه من بين الاستفسارات التي تحدث عنها صندوق النقد الدولي ما يتعلق بالمدفوعات الدولارية لشركات النفط الدولية، والتي يصل مستحقتها نحو 6 مليارات دولار ولم يسدد منها سوي 20%، وهو الأمر الذي شكل تحدي خاصة في ظل تراجع سعر الدولار في البنوك وفقا للصندوق.
شروط منح مصر الشريحة الثالثة
كشف حازم الفقي، الخبير الاقتصادي، عن ربط صندوق النقد الدولي منح مصر الشريحة الثالثة من قرضه والبالغة 820 مليون دولار بتطبيقها لعدد من الاشتراطات، يأتي على رأسها رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء.
وأوضح الفقي في تصريحات خاصة لـ'أهل مصر' أن رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء شرط أساسي من شروط صندوق النقد للحصول على الشريحة، مع العمل على ملف الطروحات والتخارج من الشركات لصالح القطاع الخاص.
حازم الفقي
وأشار الفقي إلى أن من بين الشروط الأخرى التي يفرضها الصندوق تمرير صفقة السويدي، بالإضافة إلى وجود خطة واضحة للتخارج من باقي الشركات المملوكة للدولة.
وتابع الفقي مؤكداً أن الحكومة المصرية تعمل حالياً على تنفيذ تلك الشروط، حيث تم البدء في خطوات رفع الدعم، كما تم تمرير صفقة السويدي، وتسعى لإتمام عدد من الصفقات الأخرى للتخارج من الشركات الحكومية.
يُذكر أن مصر قد حصلت على شريحتين من قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 820 مليون دولار، وتسعى للحصول على الشريحة الثالثة للحصول على المزيد من الدعم المالي، وخلق مناخ إيجابي للاستثمار، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
تداعيات محتملة لرفع الدعم
من المتوقع أن يؤدي رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء إلى ارتفاع أسعار تلك السلع، مما قد يؤثر على مستوى معيشة المواطنين، خاصةً محدودي الدخل، ولكن على الجانب الآخر، من المفترض أن يؤدي رفع الدعم إلى تحسين أوضاع المالية العامة للدولة، وخلق بيئة استثمارية أكثر جاذبية، وتقليل عجز الموازنة.
وتعمل الحكومة المصرية على تخفيف حدة التأثير السلبي لرفع الدعم من خلال برامج الحماية الاجتماعية، وإعادة توجيه الدعم لمستحقيه.
تثبيت الفائدة
فيما أبقت لجنة السياسات النقدية في البنك المركزي المصري، في اجتماعها الخامس لهذا العام يوم الخميس الماضي، على أسعار الفائدة من دون تغيير، بما يتماشى مع توقعات السوق، رغم تباطؤ وتيرة التضخم للشهر الرابع تواليًا. يبلغ عائد الإيداع والإقراض في مصر لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي 27.25% و28.25% و27.75%، على الترتيب.
قال البنك المركزي إن المخاطر الصعودية لا تزال تحيط بالمسار النزولي المتوقع للتضخم، بما في ذلك تصاعد التوترات الجيوسياسية الحالية، والظروف المناخية غير المواتية على الصعيدين المحلي والعالمي.
وأوضح أنه قد يكون لاحتمالية أن يكون لإجراءات ضبط المالية العامة تأثير يتجاوز التوقعات.
وأضاف أن تباطؤ معدلات التضخم في الفترة الأخيرة يشير إلى اقتراب معدلات التضخم الشهرية من نمطها المعتاد قبل مارس 2022، وتفيد التوقعات بأن التضخم سوف يظل مستقرًا خلال عام 2024 حول مستوياته الحالية.
وكان الصندوق، أجّل موعد إقرار الشريحة الثالثة بقيمة 820 مليون دولار لمصر إلى 29 يوليو الجاري بدلاً من 10 يوليو، ومنذ أيام، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصاد مصر 0.3% للعامين الماليين السابق والحالي، وتوقع الصندوق أن ينمو اقتصاد مصر 2.7% بالعام المالي 2023-2024، وفي مطلع يوليو، قالت مديرة إدارة الاتصالات في صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، إن تأجيل مناقشة صرف الشريحة الثالثة لمصر إلى يوم 29 من شهر يوليو، بسبب عدم استكمال الحكومة المصرية لبعض الإجراءات المتفق عليها، لكنها لم تفصح عنها.
وأكدت كوزاك خلال المؤتمر الصحفي الشهري للصندوق في مطلع يوليو أن الصندوق ملتزم بدعم مصر والتعاون في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي بعد إحراز الحكومة المصرية، تقدم في تنفيذ السياسات الاقتصادية المتفق عليها.