أعلن صندوق النقد الدولي دمج المراجعتين الخامسة والسادسة من برنامج التمويل الموقع مع مصر بقيمة 8 مليارات دولار، على أن يتم إنجازهما معًا خلال فصل الخريف من العام الجاري، وفق ما أكدته جولي كوزاك، المتحدثة باسم الصندوق.
ويأتي هذا القرار في وقت يشهد فيه الاقتصاد المصري مسارًا انتقاليًا حرجًا بين محاولات ضبط مؤشرات الاقتصاد الكلي وتعزيز الاستقرار المالي، وبين ضغوط المطالب الإصلاحية المرتبطة باتفاقات التمويل الدولي.
وكشفت مصادر مطلعة، أن الصندوق يدرس دمج المراجعتين نتيجة التقدم البطيء الذي أحرزته الحكومة المصرية في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، مما قد يؤدي إلى تأخير صرف الدفعة التالية من القرض لنحو ستة أشهر، وتتركز أبرز ملاحظات الصندوق على ضرورة تسريع خطوات تقليص تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، والالتزام الصارم ببرنامج خصخصة الشركات الحكومية، بما يسمح للقطاع الخاص بلعب دور أكبر في عملية التنمية وتحفيز النمو المستدام.
وكشفت المتحدثة باسم الصندوق، أن مصر تحرز تقدمًا إيجابيًا في برنامجها الاقتصادي الكلي، موضحة أن زيارة بعثة صندوق النقد إلى القاهرة خلال الفترة من 8 إلى 16 يونيو، شهدت تسجيل تطورات ملحوظة في خفض معدلات التضخم وتحسن وضع الاحتياطي الأجنبي، مما يعكس جهود الحكومة في إدارة التحديات المالية والنقدية رغم الظروف الدولية الصعبة، لكنها شددت في المقابل على أهمية تعميق الإصلاحات في الفترة المقبلة، لا سيما تلك المرتبطة بتخارج الدولة من بعض القطاعات الاقتصادية وتوسيع قاعدة مشاركة القطاع الخاص في الإنتاج.
واعتبر الدكتور هشام إبراهيم، أستاذ التمويل والاستثمار، أن قرار دمج المراجعتين يعكس تفهمًا من جانب صندوق النقد للواقع الاقتصادي في مصر، خاصة في ظل تقلبات الأسواق العالمية وارتفاع تكاليف الاستيراد، مؤكدًا أن الإشادة بتحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي تمثل عامل طمأنة مهم.
لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن التأخر في صرف الشريحة المقبلة قد يرسل إشارات حذرة للمستثمرين الدوليين، وهو ما يستدعي تسريع تنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية المتأخرة، وخصوصًا في ما يتعلق بإعادة هيكلة الشركات العامة وإصلاح بيئة الاستثمار.
وأضاف دمج المراجعتين لا يعني بالضرورة تأخيرًا سلبيًا، بل قد يكون مؤشرًا على محاولة الصندوق إعطاء مساحة زمنية كافية لمصر لتنفيذ التزاماتها بهدوء، دون ضغوط متسارعة.
وأوضح أن مصر أمامها فرصة حقيقية لترسيخ الاستقرار إذا ما وازنت بين متطلبات الصندوق والأبعاد الاجتماعية المرتبطة بالإصلاح، لا سيما وأن ملف الخصخصة يحظى بترقب كبير من المؤسسات الدولية والأسواق الناشئة.
البرنامج الحالي مع صندوق النقد تم توقيعه في ديسمبر 2022 ضمن اتفاق يمتد 46 شهرًا، ويهدف إلى تعزيز مرونة الاقتصاد المصري، خفض عجز الموازنة، وتحرير سعر الصرف بشكل تدريجي، بالإضافة إلى فتح المجال أمام القطاع الخاص وزيادة الاستثمارات الأجنبية، وحتى الآن، تم صرف شريحتين من التمويل، بينما ترتبط الشريحة التالية بنتائج المراجعتين اللتين سيتم دمجهما في الخريف، وهو ما يجعل الفترة القادمة حاسمة في تحديد مدى التزام الحكومة المصرية بالمسار الإصلاحي المتفق عليه.