طارق متولي يكتب: عاطفة الأمومة

طارق متولي
طارق متولي

من أهم العواطف الإنسانية، بل ولدى بعض الحيوانات أيضا، عاطفة الأم تجاه أبنائها أو صغارها، عاطفة قوية جدا وعجيبة جدا تدفع الأم بلا تفكير وبلا أى منطق للأشياء أحيانا للتضحية بحياتها وراحتها كلها من أجل أولادها، فكيف نشأت هذه العاطفة؟ وكيف تعمل؟ وكيف تحدث؟.

أسرار كثيرة فى خلق الإنسان لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، ولكى نقترب من فهم هذه العاطفة لابد أن نعود إلى الوراء عند بداية خلق الإنسان، فمنذ حوالي مائة مليون عام تعاظم حجم المخ في الـثـديـيـات، ومنها الإنسان، وتـكـونـت طبقات جديدة عدة من خلايا المخ أعلى الطبقات الرقيقة من قشرة المخ البدائي الذى خلق به الإنسان.

وتعرف هذه الفترة بالبدائية كما تعلمون حيث كان الإنسان شبيها بالحيوان فى تصرفاته، هذه الطبقات التى أضيفت إلى المخ كـونـت القشرة الجديدة للمخ والتى مثلت تقدما يفوق المخ البدائى بمراحل كثيرة، والقشرة الجديدة في مخ الجنـس الـبـشـري أكبر كثيـرا من قشرة المخ في أي نوع من الكـائـنـات الأخـرى، وبـالـتـالـي أضـافـت لـهـذا

الجنس كل ما يميزه عن غيره.

فالقشرة الجديدة مثلت مركز التفكير فهي ترتب ما يأتيها من طريق الحواس وتفهمه، وهي تضيف للشعور التفكير في هذا الشعور نفسه وتسمح لنا بأن ننفعل بالأفكار والرموز والخيال.

لقد نتج عن القشرة الجديدة في عملية التطور مسـتـوى مـن الـتـنـاغـم الجيد حقق ميزات هائلة في قدرة الكائن الحي على البقاء وجعله أكثر احتمالا بحيث تنتقل هذه الميزات إلى جينات ذريته التي تحتوي مجموعة الدوائر العصبية نفـسـهـا.

هـذه الـقـدرة الأكـبـر عـلـى البقاء على قيد الحياة تعتمد على مقدرة القشرة الجديدة علـى تـخـطـيـط استراتيجية طويلة الأجل، أضافت هذه القشرة القدرة على تحديد الفروق الإضافية الدقيقة للأفكار، ففى الحب مثلا تقوم هياكل الجهاز الحوفي بمخ الإنسان بمسؤولية توريد مشـاعـر المتعة والرغبة الجنسية، وهي المشاعر التي تغذي الـشـغـف الجـنـسـي.

وقـد أدى وجود القشرة الجديدة وارتباطها بالجهاز الحوفي فى مخ الإنسان إلى هذه الرابطة بين الأم وطفلها التي هي أساس وحدة الأسرة والالتزام بتربيـة الأطـفـال منذ الأزل، فيما حقق إمكان التطور الإنساني.

الجدير بالذكر أن الأنواع التي ليس لهـا قـشـرة مـخ جـديـدة تـفـتـقـر عاطفة الأمومة مثل الزواحف التي تختبئ منها صغارها فطريا بعد ولادتها خشية أن تلتهمها، لذا فإن حماية الأبوين من بني الإنسان لأطفالهما تتيح مزيدا من النضج الذي يستمر على مدى مرحلة الطفولة الـطـويـلـة.

لهذا نجد أن انتقال نفس الجينات التى تحتوى مجموعة من الدوائر العصبية من الأم إلى الأبناء ومنهم إلى الأحفاد هى بمثابة كابل عصبى غير مرئى يحتوى على نفس الأفكار والمشاعر، وهذا يفسر أن الأم تشعر بأبنائها وحتى وهم بعيدون عنها، ويصيبها التوتر والقلق إذا حدث لهم مكروه، بل وتشعر بالألم ذاته الذى يشعرون به، وينطبق هذا أيضا على الأبناء وارتباطهم القوى بأمهاتهم وأن ما يحدث من جحود بعض الأبناء لأمهاتهم لا يمكن أن يحدث إلا إذا حدث خلل أو عطب فى مخ الإنسان شوه هذه الدوائر العصبية المشتركة.

فسبحان الله الخالق المبدع نحمده كثيرا على نعمة عاطفة الأمومة التى تقوم عليها الحياة.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً