نظريات كثيرة قيلت فى الفرق بين الإنسان والحيوان، وتعريفات جانبها الصواب مثل أن الإنسان حيوان عاقل أو الإنسان حيوان ناطق، والعلم أثبت وجود مخ وعقل لجميع الحيوانات ولسان أيضا، فبعض الحيوانات تتكلم وتنطق مثل الإنسان وإن كانت لغتها غير لغة الإنسان.
الحقيقة أن الفرق بين الإنسان وجميع الحيوانات هو نمو العقل، نمو مخ الإنسان الذى اختاره الله ليحمل الأمانة فى الأرض، وحياة الإنسان البدائية كانت تدل على أن عقله أصغر وعلمه أقل، وكان مثل الحيوانات يعيش فى البرية يتقاتل من أجل البقاء.
لكن بمرور السنين تطور عقله ونما فأصبح يفكر وراح يتعلم من الكون حوله، وشيئا فشيئا عرف التحضر فبنى لنفسه مكانا يعيش فيه وبدأ ينظم حياته مأكله ومشربه،
وظل بمرور الوقت يسيطر بعقله على جميع الظواهر والمخلوقات من حوله، واستفاد من تيسير الله سبحانه وتعالى الكون له.
ونجد أن التفاوت بين البشر جميعا هو التفاوت فى نمو هذا العقل، وهى خلقة خلقها الله ليس للإنسان فيها اختيار إلا بقدر، فأصحاب العقول الكبيرة خلقا هم أقدر الناس على التعلم والتفكر وأحسنهم فى تأمل الأشياء ومعرفة ماهيتها، ونحن نقول مثلا فى الحياة العادية إن فلانا عقله كبير، وهذا ليس مجازا، فهو بالفعل عقله أكبر من غيره، والعقل يكبر وينمو إلى أقصى درجة ممكنة بالتعلم والتفكير والتأمل أيضا، وهؤلاء هم من يخرج من بينهم العلماء فى جميع المجالات.
وعلى العكس نجد بعض الناس عقولهم صغيرة تنمو ببطء أو تتوقف عن النمو وهو ما يسمى بالتخلف العقلى، حيث يكبر الشخص فى العمر ولكن عقله يظل كعقل طفل صغير، وبين هؤلاء وهؤلاء درجات مختلفة متفاوتة بين هذا وذاك، وهو ما أدى إلى اختلاف الخلق فى درجات الفهم والذوق والسلوك.
والعلم ينمى العقل ويكبره ويفتح فيه مدارك مغلقة موجودة فى عقل الإنسان لكنها لا تعمل ولا تفتح إلا بالعلم والتعلم والتدريب، وكلمة كبر مخك وشغل عقلك التى يقولها البسطاء معناها حقيقى بمعنى تشغيل العقل ومحاولة الفهم.
والعلماء هم أجدر من يقود حياة البشر لما يتمتعون به من عقول متفردة كبيرة قادرة على الفهم أكثر من غيرهم، ولما وصلوا له من علم بالأشياء لم يصل إليه أحد قبلهم.
فى نفس السياق نجد أن الأنبياء والمرسلين هم أعظم الخلق على الإطلاق عقولا، فلو نظرت إلى سير الأنبياء والرسل قبل البعثة تجدهم أعقل قومهم باصطفاء الله لهم فى خلقهم بهذه العقول المتفردة المتأملة المدركة، فكان اختيار الله لهم بنزول الرسالات عليهم ليقودوا البشرية فى الاتجاه الصحيح ويهدوا الخلق إلى الحياة السليمة والأخلاق الفاضلة، واختيار الله الخالق العالم بكل شىء لا شك أنه أكمل اختيار وأفضله على الإطلاق.
ولهذا نجد أن العلماء يأتون فى المرتبة الثانية بعد الأنبياء فى حجم العقول الكبيرة، فنجد أن الله سبحانه وتعالى يقول فى كتابه الكريم (إنما يخشى الله من عباده العلماء) سورة فاطر (٢٨)، وفى الحديث الشريف يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (العلماء ورثة الأنبياء).
لذا علينا جميعا أن نعرفهم حق المعرفة، ولن نعرفهم إلا إذا تعلمنا وترقينا إلى مرتبة قريبة منهم، وهكذا يصبح البشر سلسلة متصلة أعلاها الأنبياء والمرسلون ثم العلماء ثم الأقل فالأقل، حتى يصل العلم والمنهج الصحيح إلى أدنى مرتبة عقلا، وتصير الحياة ممنهجة وصحيحة يرتفع فيها الإنسان ويرتقى عن بقية الحيوانات بعقله وعلمه، وبدون العلم ونمو العقل يظل مثله مثل الحيوان بل وقد ينحدر إلى درجة أقل من الحيوان فى سلوكه وفهمه وتصرفاته.
وهذا يقودنا إلى قضية من أهم القضايا ألا وهى قضية التعليم الذى ينمى العقول ويكبرها، والذى يجب أن يكون متنوعا ومختلفا حسب حجم العقول المختلفة التى خلقها الله سبحانه وتعالى بأحجام مختلفة بقدر وحكمة لتتكامل الحياة، فلا يجب أن يكون التعليم منهجا واحدا للجميع ولا توقيتا واحد ولا طريقة واحدة، فإن هذا سيظلم كثيرا من العقول ويحرمها من النمو ويؤدى بها إلى التخلف.