بداية من حكمة الله سبحانه وتعالى فى الخلق، أنه جعلهم متساوين في الخلق، فلا تجد إنسان يزيد عن إنسان فى الخلق، إنما يأتي التفاوت بين البشر فى العمل والكسب، فالذي يتعلم ويعمل ويجتهد يحقق درجة أعلى من الذي لا يتعلم ولا يعمل ولا يجتهد، والعمل في الأساس هو عبادة الله بالفرائض والشعائر والعبادات المختلفة، وأيضا بالعمل الدنيوي الذي يعمر الكون والمجتمع، فأكثر الناس عملا نافعا هم أقربهم إلى الله والقرب من الله له ميزات كبيرة تتحقق للإنسان بقربه من الله، منها رعاية الله وحمايته ومنها عطاءات أكثر ومنها معية الله سبحانه وتعالى للعبد، تخيل أن يكون الله معك في كل أحوالك وأنت من أهل الله وخاصته المقربين، ومنها إجابة الدعاء فالقريب من الله دعائه مستجاب بإذن الله.
ومن عدل الله سبحانه وتعالى أنه جعل القرب منه بالكفاءة والعمل وليس بالواسطة، أو بالنسب أو بالجاه أو المال، أو أي سبيل آخر، فأصبح القرب من الله متاح لكل إنسان ولكل عبد إذا اجتهد وعمل بجد وإخلاص وتقرب إلى الله، فلن يمنعه أحد ولن يطرده أحد وكلما زاد عمله زاد قربه من الله وزادت منزلته، وكلما قل عمله قل قربه ونقصت منزلته، ولأن القرب من الله من أعظم المنازل وأرفعها، فهو لا يتحصل إلا بعمل متقن دقيق وعظيم أيضا عمل وجهد بالجسد، وإيمان ويقين بالقلب وهو العمل بإخلاص.
وإننا نجد الملك من ملوك الدنيا مثلا، لا يقرب من حاشيته من يعملون لأجله فقط، ولكن يجب أن يكونوا مخلصين له، والله أكبر وهو ملك الملوك ومالك كل شئ لا يقرب منه إلا العاملون المخلصون.
وفى الآية الكريمة يقول الله عز وجل: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" [سورة البقرة:186]، الله سبحانه وتعالى يوجه الدعوة لكل العباد ويخبرهم أنه قريب من عباده جميعا، الذين يعبدوه ويتقربوا إليه، يجيب دعائهم إذا دعوه ثم يطلب منهم أن يستجيبوا لهذه الدعوة بالقرب، ويؤمنوا به سبحانه وتعالى ليتحصلوا على هذه المنزلة ويحققوا مصالحهم.
والإنسان هو الذي يقرر ويختار أن يؤمن ويتقرب إلى الله أو لا يؤمن ويبتعد عن الله، وهو في هذه الحالة يفقد منزلة القرب من الله ومزاياها ولن ينفعه فى هذه الحالة وساطة ولا نسب، والنبي محمد صلى الله عليه يقول لابنته وفلذة كبده السيدة فاطمة رضي الله عنها، (يا فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعملي لله خيرا، فإني لا أغني عنك من الله شيئا يوم القيامة)، هذا النبى المصطفى المعصوم، فما بالكم بمن هو دونه، كيف ينفعونكم أو يقربوكم إذا لم تعملوا.
عملك فقط هو الذي يقربك من الله، ويجعلك من أوليائه الصالحين، فالولاية ليست حكرا على أناس بعينهم، إنما هي للعاملين وكل عبد وإنسان يستطيع أن يحققها بالإيمان والعمل والإخلاص فاعملوا.