قال وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، إن حجة الوداع هي الحجة الوحيدة التي حجها سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وفيها ضرب (صلى الله عليه وسلم) أروع المثل في التيسير على الناس ، حيث كان (صلى الله عليه وسلم) يقول لمن يسأله عن بعض المناسك تقديمًا أو تأخيرًا ، أو حلقًا أو تقصيرًا ، أو غير ذلك ' افعل ولا حرج'، وكرر ذلك كثيرًا .
وأوضح الوزير، أنه فيها خطب الناس خطبة كأنها موعظة مودع ، وقد استهلها بقوله (صلى الله عليه وسلم) 'أيّهَا النّاس، اسْمَعُوا منّي أُبّينْ لَكُمْ، فَإنّيَ لاَ أَدْرِي، لعَليّ لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامي هَذَا، في مَوْقِفي هذا، أَيُهَا النَّاس، إنّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليكُمْ حَرَامٌ إلى أنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، كَحُرمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في شَهْرِ كُمْ هَذَا في بَلَدِكُم هَذَا وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت ، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانةٌ فليؤُدِّها إلى مَنْ ائْتمَنَهُ '، مؤكدًا على حرمة الدماء والأموال والأعراض ، فلم يكد النبي (صلى الله عليه وسلم) يلم بالحمد والشهادة والوصية بالتقوى حتى أعلن عـن حرمة الدماء والأموال ، فدماء المسلمين وأموالهم حرام كحرمة يوم عرفة في هذا الشهر الحرام - شهر ذي الحجة - في هذا البلد الحرام (مكة المكرمة).
وتابع: 'يقول الله (عز وجل) :' مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ' (المائدة :32) ، ويقول سبحانه:' وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا '
وأكد أن من المعاني التي تضمنتها هذه الخطبة الجامعة التحذير من التلاعب بالأشهر الحرم ، فقد كان العرب إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرمـوا مكانه شهرًا آخر، فيستحلون المحرم ويحرمــون صفرًا، فإن احتـاجوا – أيضا- أحلوه وحرموا ربيعًا الأول، وهكذا كانوا يعملون حتى استدار التحريم علـى السنة كلها ، فلما كان العام الذي حج فيه النبي(صلى الله عليه وسلم) يوم عرفة في زمانه الأصلي وهو معنى قوله (صلى الله عليه وسلم): ' إنَّ الزَّمانَ قد استدار كهيئتِه يومَ خَلَق اللهُ السَّمواتِ والأرضَ، السَّنةُ اثنا عَشَرَ شَهرًا، منها أربعةٌ حُرُمٌ، ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القَعْدةِ، وذو الحِجَّةِ، والمحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بين جُمادى وشَعبانَ' .
وتابع أم من أهم المعاني أيضًا الوصايا بالنساء فأوصى نبينا (صلى الله عليه وسلم) بالنساء خيرًا، وأكد في كلمة موجزة جامعة القضاء على الظلم الذي كان يقع على المرأة في الجاهلية، وحفظ لها حقوقها وكرامتها الإنسانية التي تضمنتها أحكام الشريعة الإسلامية.
وأوضح، أن من المعاني التي قررتها الخطبة مبدأ الأخوة والمساواة فأكد النبي (صلى الله عليه وسلم) أن الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي و لا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى ، فلا فضل للون أو جنس ، ولا مزية لوطن أو لغة ، إنما هو مقياس واحد تتحدد به القيم، ويعرف به فضل الناس جميعا وهو قوله تعالى :' إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ '
وقد أكدت الخطبة على ضرورة الالتزام بمنهج الله وإعطاء كل وارث حقه وأنه لا وصية لوارث ، وأن الوصية لا تجوز فيما زاد علـى الثلث ، وقد صوّرت هذه الخطبة في دقة بالغة حس منطق الرسـول (صلى الله عليه وسلم) في خطابته ، وأنه لم يكن يستعين فيها بسجع متكلـف ولا بلفظ غريب ، فقد كـان يكره اللونين جميعًا من الكلام ، لما يدلان عليـه مــن التكلـف ، وقـد بــرأه الله تعــالى منه ، إذ يقول في كتابه العزيز على لسانه (صلى الله عليه وسلم) : ' قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ'