إعلان وزارة اللأوقاف تخصيص خطبة الجمعة لبيان فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قيام جميع المساجد عقب أداء الصلاة، بالجهر جماعة بالصلاة على النبي، يذكرنا بما حدث منذ قرابة 9 أعوام ، وتحديدا في صيف عام 2014م، حينما انتشر ملصق يدعو الى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحمل سؤالا مكتوبا على روقة بيضاء ' هل صليت على النبي اليوم' ..
مطاردة الملصق
وبينما انتشر الملصق انتشارا واسعا وغزا جميع شوراع مصر وطرق وأزقتها ، وباتت لا تخطئه الأنظار والأعين على المحال التجارية والمنازل والسيارات ، دون أن تتبنه جهة او جماعة او مؤسسة بعينها، فيما يندفع الناس في طبع الملصق ووضعه على الحوائط واجهات المحلات وزجاج السيارات واعمدة الشوراع والطرق ، شنت أجهزة الدولة حربا لا هوادة فيه ضد الملصق واعتبرته بمثابة دعوة سياسية مريبة وحملة طائفية ، يجب مواجتها ومطاردتها وإزالتها وتغريم القائمين عليها.
المفارقة في أن وزير الاوقاف الحالي محمد مختار جمعة ، والذي كان يشغل ذات المنصب حينها ، قد اعلن ان انتشار ملصقات الصلاة على النبي ، دعوة يقف ورائها الشيطان ، وانها تجارة بالدين ويقف ورائها توظيف سياسي.
وقال الوزير حينها : «الحاجات اللي تطلع كده تخرج بشئ غير طبيعي وراءها هدف خبيث»، معتبرًا أن الانتشار المفاجئ للملصق «من الحاجات اللي تطلع كأن شيطانًا خلفها».
كما قال الشيخ محمد عيد الكيلانى، وكيل أول وزارة الأوقاف، إن ملصق «هل صليت على النبى اليوم» المنتشر على السيارات وفى الشوارع، هو «كلمة حق يراد بها باطل»، موضحا أن المقصود من انتشاره «خلق فتنة» بين المواطنين.
كما وصف الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الملصقات التي انتشرت مؤخرًا على السيارات والحوائط، في عدة مناطق، والتي تحمل عبارة «هل صليت على النبي اليوم»، بأنها تجارة دينية بالسياسة تستخدم الدين سلاحًا لفك المجتمع وتقسيمه طائفيًا، ووجه حديثه لأصحاب هذا الاتجاه السياسي، على حد وصفه، قائلًا: «هو دا اللي واجعك؟ مش واجعك زيارة المريض أو أني اعطف على الفقير، وهل أديت أنت عملك اليوم على الوجه الأكمل؟».
هجوم إعلامي
الاعلام شن هجوما ضرويا على انتشار هذا الملصق ، معتبران ان الامر محض دعاية سياسية ورائها اهداف خبيثة ودعوات طائفية
فقد تعجب الإعلامي الأشهر عمرو أديب من انتشار هذا الملصق، مُبديًا تخوفه من كونها بديلًا لـ«الإسلام هو الحل»، تمهيدًا لانتخابات مجلس النواب، والعودة لاستغلال العبارات الدينية كدعاية انتخابية.
بين الدولة والسلفيين
تكمن المفارقة الكبيرة في ذلك التباين والتناقض الشديد بين أجهزة الدولة والسلفيين وعلمائهم، في الموقف من انتشار تلك الملصقات منذ 9 سنوات ، والدعوة الحالية التي يبتنها وزير الاوقاف بالجهر الجماعي في كافة مساجد مصر بالصلاة على النبي الجمعة القادمة، ففي المرة الاولى دعم السلفيون وبقوة هذا المصق ودافعه عن انتشاره وانتقدوا موقف الاوقاف وغيرها من اجهزة الدولة من مطاردته ، في المقابل فان أجهزة الدولة التي اعتبرت الدعوة الاولى دعوة سياسية مريبة وطائفية ومخالفة للقانون ، تدعم وبقوة دعوة وزير الاوقاف الحالية ، التي يعتبرها على النقيض السلفيون بدعة غير مقبولة.
دعوة الأوقاف الحالية
كانت وزارة الاوقاف قد اعلنت منذ أيام أن خطبة الجمعة المقبلة، تحت عنوان: فضائل الصلاة والسلام على خير الأنام سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وذلك حبًّا وكرامةً لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسبما ورد في بيان الوزارة.
أضافت الأوقاف في بيانها، أنه تطبيقًا عمليًّا لمضمون الخطبة تقرر أن تصدح جميع المساجد عقب صلاة الجمعة في هذا اليوم بالصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لمدة ثلاث إلى خمس دقائق بالصيغة التالية: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
صيغة الصلاة على النبي المطلوبة
حدد الدكتور محمد مختار جمعة، صيغة الصلاة على النبي المطلوبة كالتالي:
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، أو بأي من الصيغ المأثورة عن نبينا (صلى الله عليه وسلم).
وقال وزير الأوقاف 'مقصدنا أن نملأ الدنيا كلها تلاوة وذكرا وصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم اللهم بلغنا القصد وتقبل منا يا رب العالمين'.
دفاع دار الافتاء
أمام الهجوم السلفي العاصف امام دعوة مختار جمعة واعتبارها بدعة في الدين، قالت دار الافتاء إنه وبخصوص الدعوة للاجتماع للصلاة على النبي يوم الجمعة، فإن الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ من أفضل الذِّكر وأقرب القربات، وأعظم الطاعات.
واوضحت الإفتاء أن الاجتماع على الذكر المشروع يعدُّ من قبيل التعاون على البر والتقوى، وان أهل العلم نصوا على مشروعية تخصيص زمان معين أو مكان معين بالأعمال الصالحة.
وبينت أن ذِكر الله تعالى والصلاة على نبيه من العبادات المطلقة المشروعة في الأصل بدون تقييد؛ فتصحُّ على كل هيئة وحال في أي وقت -إلا ما جاء النهي عنه- وكذلك تجوز سرًّا وجهرًا فرادى وجماعات بكل لفظ وصيغة مشروعة، وأنه نُقل عن علماء الشرع الشريف ممَّن يعتدُّ بأقوالهم استحبابُ تخصيص يوم الجمعة وليلته بالإكثار من الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
رأي المفتي
كما قال الدكتور شوقى علام ، مفتى الجمهورية، أن الدعوة للاجتماع للصلاةِ والسلام على سيدنا النبيِّ يوم الجمعة بعد الصلاة من الأمور الحسنة التي يحسُن فعلها، والحرص عليها؛ لنيل ما فيها من ثواب عظيم؛ إذ هي تطبيق عملي لعدد من الأوامر الشرعية المتمثلة في الأمر بذكر الله تعالى، والأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأمر بالاجتماع على فعل الخير وعمل البر بشتى الصور وعلى كل الأحوال.
وأضاف :' وقد جاءت الأدلة من القرآن الكريم والسُّنة المطهرة متضافرة في الحثِّ على مجالس الذكر.'
وتابع :' ومن يتَّهم المسلمين في فعلهم ذلك بالبدعة، هو للبدعة أقرب وأولى؛ لأنه تحجَّر واسعًا وضيَّق على المسلمين أمرًا جعل الشرع لهم فيه سَعةً.'
وبينما الصلاة على النبي عبادة ودعوة مستحبة في كل وقت وحين، إلا ان بحر السياسة بامواجه المتلاطمة ، يدفع بعض المسئولين في بعض الأوقات الى اتخاذ الموقف ونقيضه ، وكذلك الأمر فيا يخص الجماعات الدينية والسياسية ، غير أن الصحافة تبقى دائما ديوان العصر فلا تنسى مواقف الأمس بل تسجلها وتقارنها يمواقف اليوم .. لتكشف أن نهر الحياة السياسية في مصر قد جرت فيه مياه كثيرة.