الملاحظ منذ عدة عقود أن الحروب والصراعات التي تنشأ في أماكن محددة تأخذ طابع الاستمرارية فهي لا تنتهي بفوز طرف فوزا نهائيا أو بخسارة طرف خسارة نهائية، وحتى في حالة التوقف المؤقت فإنها تظل ساخنة لا تخلو من المناوشات والاستفزاز حتى تكون عرضة للانفجار مرة أخرى.
سنوات طويلة قضاها العراق في حرب طويلة مع إيران حوالي ثماني سنوات دخل بعدها في حرب مع أمريكا وبريطانيا بسبب اجتياحه لدولة الكويت مما ترتب عليه اجتياح العراق من قبل القوات الأمريكية والبريطانية وعدة دول أخرى.
لا زالت الحرب مستمرة
غادرت قوات غزو العراق بعد عدة سنوات وتركت العراق مهلهلا يعاني من عدة صراعات داخلية بين تيارات مختلفة.
سوريا اثنتي عشرة سنة من الحرب والدمار بين النظام والشعب والمعارضين وكثير من الأطراف ولا زالت الحرب مستمرة.. قلاقل في ليبيا، مصر، اليمن، تونس، اشتعال الصراع بين روسيا والغرب في أوكرانيا منذ عام أو أكثر، فلسطين بداية الصراع والحرب منذ ما يقرب من خمسة وسبعين عاما ولا زال الصراع والحرب مستمرين.
الحرب على غزة
من الواضح أن الحرب أصبحت تجارة عالمية كبيرة أشمل وأوسع من كل تجارة في العالم من بيع أسلحة بمليارات الدولارات وتكنولوجيا ومواد غذائية ومواد بناء ومعدات ثقيلة وملابس وفرش وكل شيء، في الحقيقة تجارة مكاسبها بالمليارات، ومن الواضح أيضا أن هناك أصحابا لهذه التجارة.
الشركات العالمية المصنعة للطائرات الحربية والسفن والصواريخ والدبابات والعربات والغواصات وحاملات الطائرات، الشركات العالمية المصنعة للمعدات الثقيلة ومواد البناء والمواد اللوجيستية، الشركات العالمية للمواد الغذائية والمياه والملابس، الشركات العالمية للنفط والطاقة والوقود
الشركات العالمية للتكنولوجيا والبرامج برامج المراقبة والتجسس والتوجيه والقيادة.
إن إنتاج الأسلحة المختلفة يستلزم بيعها، وبيعها يستلزم استخدامها واستخدامها يستلزم حروبا إذا لم تكن هناك حروب وتهديدات فلماذا يشترى أحد السلاح؟ وإذا اشترى مرة ولم يستخدمه فلماذا يشترى مرة أخرى؟.
لا بد من وجود حروب
يجد هؤلاء التجار أنه لا بد من وجود حروب لكي يبيعوا إنتاجهم ويستمروا في بيعه، لكن كيف؟ وأين ومع من وضد من؟.هناك أماكن صالحة للحروب وبيئات خصبة للصراعات، حيث النزاعات التاريخية والدينية والعرقية في الأماكن الفقيرة التي ينتشر فيها الجهل والتخبط، هذه الأماكن هى السوق الرائج للحرب وأدواتها، نفس هذه الشركات أو شقيقاتها هى التى تقوم بعملية إعادة الإعمار فى الأماكن التى خربتها الحرب، وتضحى بجزء بسيط من أرباحها لتقدم المساعدات والمعونات الإنسانية للشعوب المنكوبة من جراء هذه الحروب.
نفس هذه الشركات هى التى تمول الهيئات والمنظمات الدولية التى تبحث المشكلات المترتبة على الحروب والصراعات وتحاول أن تحكم فى المنازعات لكنها تعرقل من قبل نفس الشركات.
فى أحد كتبه ذكر أستاذ الاقتصاد المصرى الكبير دكتور جلال أمين أننا نعيش فى عصر الشركات، تعبيرا عن سيطرة الشركات الكبرى على السياسة والعلاقات لضمان مصالحها الاقتصادية، لكنه لم يذكر أن هذه الشركات أعمالها التجارية تشمل أيضا التجارة بالحروب والنزاعات.
فهل يعى جميع الأطراف المتحاربة ذلك، وهل يعى المجتمع الدولى ضرورة وقف هذه التجارة المحرمة، تجارة السلاح والحروب؟.