• اقتصاد الحرب.. واقع أم تهديد غير موفق؟
• رسالة للداخل وتتعارض مع الاستثمار
• أوكرانيا وإسرائيل دول حرب لكن وضعهم الاقتصادي أفضل منا
• المواطن مشغول ويُركز مع دعم السلع فيما تقسو الدولة على دعم الخدمات
• إعلان الدولة اقتصاد الحرب بلا حرب ترويع للمواطن
• خبير: لا بد أن يعي المسئول صدى تصريحاته وتأثيرها ويجب أن يكون سياسيًا
فى الأيام الأخيرة، برز على السطح مصطلح 'اقتصاد الحرب' وشغل الرأى العام الكثير من التساؤلات حول الأسباب التى دعت رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، إلى استدعاء هذا المصطلح من ذاكرة المصريين، خاصة أن آخر مرة سمع فيها الشارع هذا المصطلح كان إبان حرب ١٩٧٣، فى وقت كانت الدولة المصرية تخوض فيه حربًا وجودية ضد العدو الإسرائيلى، فى معركة استرداد الأرض ورد الكرامة بعد حرب يونيو ١٩٦٧، تلك الحرب التى استولت فيها إسرائيل على أرض سيناء، فاستدعت ظروف الحرب وقتها الدولة المصرية إلى فرض اقتصاد حرب وكان الشعب مؤيدًا لهذه السياسية التقشفية لظروف الحرب واسترجاع الأرض، فتم توجيه معظم موارد الدولة للمجهود الحربى بمباركة ودعم شعبى هائلين.
وبالنظر إلى المعنى السياسي لـ'اقتصاد الحرب' نجده أنه اقتصاد مرتبط فى الغالب بدخول الدول فى حالة حرب فيتم تحويل الاقتصاد الوطنى بشكل كامل أو جزئى إلى خدمة المجهود الحربى وتوفير احتياجات الجيوش وما تتطلبه لخوض الحروب والانتصار فيها والدفاع عن البلاد.
وفى هذا الاقتصاد 'الاستثنائى' قد تسيطر الدولة على كافة الموارد لتحقيق التوازن بين الاحتياجات العسكرية والاحتياجات العامة ويشمل بعض منها تغيير فى الضرائب المفروضة على المواطنين والتدخل فى مسار الصناعة والاستيراد والتحكم فى الاقتصاد والمصانع بشكل أكبر، فيتم العمل على إحلال المنتجات الوطنية كبديل عن المنتج المستورد بما يساعد فى تعزيز الصناعة الوطنية وتقليل الإنفاق بالعملة الصعبة فى استيراد سلع غير ضرورية فى مرحلة الحرب.
ولأن مصر ليست فى حالة حرب وليست طرفًا فى أي حرب ولا صراع إقليمي فى المنطقة تسائل الشارع المصرى هل التلويح بفرض حالة 'اقتصاد الحرب' ربما تكون مؤشرًا لحرب قريبة وغير معلنة قد تكون مصر أحد اطرافها، أم أن رئيس الوزراء يلمح إلى أن هناك سيناريوهات سيئة قد تضطر الدولة إلى الاستعداد لها كما وضح 'محمد الحمصاني'، متحدث مجلس الوزراء فى تصريحات تليفزيونية.
وفى تصريح خاص لـ'أهل مصر' للخبير الاقتصادى وائل النحاس عن أسباب طرح رئيس الوزراء لمصطلح الحرب فى آخر مؤتمر له الأربعاء الماضى، أجاب أنه لا نعرف حقائق وأولويات الملفات داخل الحكومة المصرية والتى دعته إلى تصريح كهذا .
وأن تلك التصريحات تتعارض مع الاستثمار والذى تضعه الدولة الآن على رأس أولوياتها فكما شاهدنا من أيام اتفاقية استثمار إماراتي ضخم فى رأس الحكمة حضرة الرئيس بنفسه لوضع حجر أساس للمشروع، فماذا نقول للمستثمر بعدها؟ هل يصح أن نقول له إن الدولة بصدد اقتصاد حرب؟
أعتقد إحنا كده بنقول للمستثمر "اوعى تيجى."
من وجهه نظرى هذا الكلام موجه للداخل، وتمهيد للحكومة أننا بصدد إجراءات استثنائية أكثر تقشفًا فهى تمهد الرأى العام أن الدولة تعتزم الدخول فى سياسة 'شد الحزام' ولا تجد مبررًا بعدما فاض الكيل بالمواطن إلا إيهامه أننا فى حالة حرب حتى تحصل على تأييده ودعمه .
وأضاف أن الدول التى تخوض حربًا حقيقية مثل إسرائيل وأوكرانيا وضعها الاقتصادى أفضل منا .
والمواطن سيرفض 'اقتصاد الحرب' لأننا ببساطة لا نخوض حربًا، وسبق أن دعم الشعب المصرى القوات المسلحة فى حروبه منذ ١٩٦٧ إلى وقت تحقيق النصر فى ١٩٧٣ وانتهج سياسة التقشف للمجهود الحربى لأن الدولة وقتها كانت فى حالة حرب.
أما الآن فلماذا ندعم اقتصاد حرب ونحن لا نخوض أي حرب ولسنا طرفًا فى أي مواجهة؟
واستطرد النحاس، أن تصريح كهذا من شأنه وقف السياحة ووقف تحويلات المصريين بالخارج ووقف الاستثمار الأجنبى بل والمحلى أيضا فرأس المال جبان فماذا يُنتظر من مستثمر تعلن دولته أنها فى خضم تفعيل اقتصاد حرب بكل ما يحوى الوضع من إجراءات استثنائية؟
وماذا عن صفقات التصدير المبرمة؟ وكيف سيتعامل معك السوق العالمى فى ظل ترويج الحكومة لاقتصاد حرب، فهذا الكلام أراه يتعارض تمامًا مع المشهد الذى تحاول الحكومة الترويج له وهو الانفتاح على الاستثمار والتنمية.
ويرى الخبير الاقتصادى وائل النحاس أن الحكومة لم تعد فقط ترفع الدعم على السلع بل بدأت فى رفعها عن الخدمات فمنذ أيام قليلة تم رفع الدعم عن خدمات الإسعاف فالدولة بدأت 'تلعب' فى الصحة والتعليم فارتفعت مصاريف التعليم الجامعى، وأضاف: الناس ملهية فى حاجة والدولة بتلعب فى حتة تانية خالص، فالجميع يجب أن يلاحظ نقص الأدوية فى التأمين الصحى وقلة عدد الأدوية المتوفرة فى السوق.
وأضاف: لقد نادينا رئيس الجمهورية كثيرًا بعمل إصلاحات اقتصادية وفتح المصانع لتقليل خروج العملة الصعبة واستبدال المنتج الأجنبى بالمحلى وهذه خطة أى دولة تريد تنمية فليس من المنطقى ونحن نبحث عن تنمية أن يتعثر ٥٦٠٠ مصنع ولا يستكملوا إجراءات التأسيس ويغلق ٥٨٠٠ مصنع آخرين وفق كلام وزير الصناعة الأخير لمشاكل مختلفة واجهت تلك المصانع ثم بعد ذلك نتكلم ونبحث عن تنمية وعن وقف استيراد سلع .
والأرقام التى طرحت فى مؤتمر رئيس الجمهورية الأخير هى أرقام منطقية جدًا وتعتبر بعضها ضرورى فاستيراد أجبان بـ١٢٠ مليون دولار سنويًا ليس رقما عظيمًا والفويل كذلك بـ٥٠٠ مليون ليس رقمًا مبالغًا فيه فكلها سلع داعمة للقطاع السياحى وتعتبر سلع وسيطة داخل القطاع.
هل سيأكل السائح جبن قريش مثلًا؟ كما أن مصنع الألومنيوم يحقق خسائر كبيرة والرقم الذى نستورد به الفويل ضعيف وسيكلف الدولة أكثر لو حاولنا تصنيعه محليًا لزيادة كلفه الإنتاج داخل مصر.
ومن هنا يرى النحاس أن كلمة رئيس الوزراء مستهلكة وجاءت لترويع المواطن وغرضها توجيه رسالة 'إحنا ماشيين فى سكة التقشف'، وأنه يريد أن يربط استهلاك الدولة للدولار واستهلاك المواطن للدولار شوفوا يا مصريين انتو بتعملوا إيه بالدولار وإحنا بنعمل ايه احنا ننفق فى بناء وتنمية وانتو بتتفقوا فى سلع استهلاكية وهذا ربط لا يصح .
وهنا يتبادر تساؤل كيف تفكر الدولة فى اقتصاد حرب وهى تسعى لتحويل الدعم من عينى إلى نقدى؟ فكيف ألغي السلع وأدفع بدلا منها فلوس؟
ألا يضر ذلك بالمواطن ويجعله فى مقابل التجار وقتها؟ ويفتح الباب للتجار وقتها؟ ونسمع بعد ذلك عن مصطلح أغنياء الحرب؟
هناك ٦٢ مليون مواطن ترعاهم الدولة هل ستتركهم للسوق فى ظل اقتصاد حرب؟ الحقيقة أرى الكلام متناقضًا.
واختتم خبير أسواق المال والمستشار الاقتصادى تصريحاته الخاصة لـ'أهل مصر' بضرورة عدم الانسياق وراء شروط صندوق النقد فهو يأخذ أكثر ما يعطى، فالصندوق يجعلك تسدد أولًا ثم يسلفك، فهو يقلل مخاطر الاستدانة على حساب اقتصادك .
وفى تصريحات خاصة لـ'أهل مصر' للخبير الاقتصادى رشاد عبده يرى أن رئيس الوزراء لم يكن موفقًا فى هذا التصريح فاقتصاد الحرب تكون فيه أحكامًا استثنائية وعسكرية لأننا فى حالة حرب مباشرة وهذا غير موجود حاليًا فما الذى يستدعى اقتصاد الحرب.
وتساءل 'عبده': مصر الآن تمتلك ترسانة أسلحة ضخمة وأساليب ردع عسكرية مهولة ونحن فى حالة سلم فلما نوجه اقتصاد الشعب للتسليح العسكرى؟
العدد الورقي ويرى أن كلام كهذا فى التوقيت الراهن غير صحيح فهو يؤثر بكلامه على السياحة والاستثمار، كما أن البنك الدولى نفسه لن يشعر بالارتياح فى إطلاق الدولة معلومات كهذه مروجه لاقتصاد حرب فهو فى النهاية جهة مانحة ويريد ضمان رد قروضه بفوائدها، فالبنك الدولى يعطى مصر القرض على دفعات آخرها سيكون سبتمبر ٢٠٢٦ ويقوم بعمل 'تفتيش' تحت مسمى مراجعات كل ثلاثة أشهر ليتأكد من سلامة اقتصادك قبل دفع الدفعة الجديدة .
وبرغم أن دفعه القرض قليلة جدا كميزانية دولة ٣٨٨ مليون دولار إلا أننا نحتاجها كل مرة لأنها تعطى شهاده ثقة فى سلامة اقتصادك تلك الشهادة التى تستغلها مصر للاقتراض من جهات خارجية أخرى غير الصندوق .
وأضاف عبده أن إطلاق رئيس الوزراء تصريح كهذا هو رسالة فاشلة للمواطنين والمستثمرين على حد سواء بالإضافة أنه سيزيد من التضخم فمن المستثمر الذى سيأتى مصر وأنت بلا حرب، أعلنت اقتصاد الحرب؟
وأضاف: 'لازم المسئول يكون سياسيًا ويعي جيدًا أن أي تصريح له سيكون له صداه داخليًا وخارجيًا، فما المبرر لهذا الكلام إلا ترهيب المواطن وخلق حالة من عدم الاطمئنان.
إن رأس المال جبان ويبحث دائمًا عن البيئة الآمنة فنحن نرى الآن المغرب والسعودية والإمارات فى المنطقة بيئات آمنة تروج للاستثمار فهل يصح أن تكون مصر بيئة طاردة وهى فى أمس الحاجه للعملة الصعبة؟
كما أن التلويح بوقف الاستيراد شئ غير سليم فمصر مضت على اتفاقية الجات ويجب الالتزام بها، كما أن صندوق النقد الدولى اشترط سعر صرف مرن مرتبط بآليات السوق فى العرض والطلب.
كما أضاف الخبير الاقتصادى، أنه يتفق مع الرئيس فى دعوته لرجال الأعمال لتوطين الصناعات المحلية بدلًا من الأجنبية ولكنه يرى أن مهمه الحكومة تذليل عقبات الاستثمار ليست على أفضل حال فطلب صندوق النقد إلغاء دعم الطاقة على المصانع جعل المنتج المحلى سعره أعلى من المستورد وهو ما يجب أن تجد له الحكومة حلًا.
كما يجب أن تكون فائدة الإقراض فى البنوك قليلة فليس من المعقول أن اقترض بفائدة تتجاوز ٣٠٪ هنا المستثمر يفضل أن يضع فلوسه فى البنك أفضل ويحصل على فائدة عظيمة بدون مخاطر وأعباء تشغيل.
كما أشار 'عبده'، إلى أنه علينا الاستفادة من تجربة الصين وفيتنام وألمانيا التى تحتل صادرات السلع الصغيرة والمتوسطة فيها أكثر من ٣٨٪ من قيمة صادراتها وأن الرئيس عند زيارته لألمانيا وعد بنقل التجربة إلى مصر.
لذا علينا الاهتمام بالصناعات الصغيرة والمتوسطة فسيخلق ذلك فئة من المصانع التى تشغل عمالة وتدر عملة صعبه بتكلفه بسيطة تستطيع الدولة دعمها .