أثارت أزمة نقص الأكسجين جدلًا واسعًا خلال الأيام الماضية، وتحولت إلى حديث الساعة خاصة بعد الواقعة المأساوية التي شهدتها مستشفى الحسينية العام التي راح ضحيتها 4 حالات محتجزة داخل المستشفى، لفظوا أنفاسهم الأخيرة إثر توقف ضخ الأكسجين في التانكات المغذية لغرف العناية المركزة حسبما تردد حينها، وتوالت التحقيقات من قِبل الجهات الأمنية المختصة للوقوف على صحة ما تردد، ليأخذ كل مقصر جزاءه.
قذف الحادث الرعب في قلوب المواطنين، إذ تساءل البعض: 'ماذا سيكون مصيرنا إذا تم إصابتنا بالفيروس وتدهورت حالتنا في ظل عدم توافر الأكسجين؟'، كما أن البعض من أهالي المرضى يجدون صعوبة في توفير أسطوانات الأكسجين لذويهم الذين يتلقون العلاج داخل منازلهم تحت إشراف طبيب مختص، وأخرون يعانون من أسعار تعبئة الأسطوانات التي تباع في السوق السوداء بتكلفة باهظة، على الرغم من تحديد تسعيرتها من قبل الدولة، وارتفعت أسعار الأسطوانات الحديدية الفارغة وليس بمقدور كل المواطنين شرائها، فيلجأون إلى الجمعيات الخيرية للحصول عليها خلال فترة المرض، أو هؤلاء المتعاونون من مجموعات المجتمع المدني التي تبذل جهودها لمساعدة الغير.
معاناة الورش الصناعية بالشرقية
في الوقت نفسه عانت شريحة من بعض الحرفيين من صعوبة الحصول على الأكسجين، خاصة وأن المصانع أصبحت لا تعطيهم احتياجهم من الغاز، لتوفيره بكثافة للمستشفيات والمرضى لمنع حدوث الأزمات، فتأثرت أعمالهم سلبًا، هذا بالإضافة لتأثرهم منذ بداية أزمة كورونا وندرة العمل في ورشهم، وتأثر دخلهم ومعاناة أسرهم.
تحقق 'أهل مصر' من توافر غاز الأكسجين من عدمه أو وجود صعوبة في الحصول عليه، من خلال زيارة لأحد أقدم وأكبر مصانع إنتاج وتعبئة غاز الأكسجين بمحافظة الشرقية، وتحدثنا مع المهندس جورج نعيم نصيف، المشرف العام والمسئول عن التوزيع في مصنع أولاد فهمي، والذي قال إن المصنع أوقف التعامل مع الحرفيين من أصحاب ورش السمكرة واللحام وكذلك ورش الحدادين والشكمان وكل الصناعات التي تستخدم الأكسجين إلا في أضيق الحدود، وذلك بغرض توفيرها للمستشفيات والمرضى، معلقا: 'حياة المريض أهم من الصناعات والورش'، لافتًا إلى أنه من الممكن توفير الأكسجين للورش في حال وجود فائض يومي منها، بعد توزيعه على المرضى والمستشفيات بالمحافظة.
معاناة الورش الصناعية بالشرقية
وأوضح 'نصيف'، أن الفئات المعتاد تعاملها مع المصنع لشراء وتعبئة الأكسجين هم المستشفيات والورش الصناعية، ومع زيادة الحالات المصابة من المواطنين، والتي لم تجد مكانا في المستشفيات لتلقي العلاج، أو ربما يستطيعوا تلقي العلاج في المنزل، أقبلوا على المصنع لشراء وتعبئة أسطوانات غاز الحياة، لتسهيل تلقي العلاج بالمنزل تحت إشراف طبيب مختص، مما أدى لزحام كثيف وانتظار طوابير طويلة أمام المصنع، لتوفير أسطوانات لذويهم، هذا بالإضافة إلى المستشفيات والورش وكل من هو بحاجة للأكسجين.
وأشار المشرف العام، إلى إنتاجية المصنع من أسطوانات غاز الأكسجين يوميا والتي تصل نحو 750 أسطوانة، بسعر 35 جنيهًا بسعة 40 لترًا بضغط 120 بار، هذا بالإضافة إلى الغازات الأخرى، من بينها الإيثيلين المستخدم من قبل الورش الصناعة دمجا مع الأكسجين في عمليات اللحام والقطع للمعادن المستخدمة في أعمالهم الصناعية.
معاناة الورش الصناعية بالشرقية
وعلى الجانب الأخر قال خالد عطية، سمكري وصاحب ورشة سمكرة، بمدينة هرية رزنة بالقرب من مصنع الأكسجين إنه كان يعمل بأحد دول الخليج، وعاد لمصر قبل أزمة كورنا بفترة قليلة، مؤكدا أنه يمر بضيق شديد منذ الموجة الأولى لكورونا، حيث لم يجد سيولة في العمل وإقبالا من الزبائن على ورشته، واعتمد على ما ادخره في الإنفاق على أسرته، طوال فترة الموجة الأولى وإجراءات الحظر، متابعا: 'زاد الضيق سوءًا مع الموجة الثانية، فكثرت المشكلات'.
وأوضح 'عطية'، أن مشكلته كانت تتلخص منذ الموجة الأولى في ندرة إقبال الزبائن على الورشة، دون أزمة في توفير وإيجاد الأكسجين، لكنها زادت سوءا مع نقص الأكسجين في الموجة الثانية بالتبعية لزيادة حالات المرضى واحتياجهم المكثف للأكسجين، معلقا: 'كنت بستخدم حوالي 8 أسطوانات أكسجين وأكثر في الشهر قبل كورونا، بينما أصبحت الأن أستخدم أسطوانة واحدة شهريا أو اثنتين على الأكثر، ومع هذا لم أستطع توفيرها بسهولة رغم سعرها الذي في متناول الأيدي، إلا أن الحصول عليها من المصنع الذي بجوار ورشتي صعب بسبب الزحام وعدم توفره للصنايعية، فأحيانا أضطر للسفر لميت غمر لجلب أسطوانة حتى لا يتوقف العمل الضئيل في الورشة'.
معاناة الورش الصناعية بالشرقية
وأضاف أن الزبائن ربما لم تقبل خشية من الإصابة بالعدوى نتيجة الاختلاط، وربما لأسباب أخرى اقتصادية إذ تأثرت كافة فئات المجتمع بالأزمة، معلقا: 'الزباين بقت تصلح اللازم وبس، وطول ما السيارة بتمشي، ما يفرقش معاهم تصليح الصاج وشغل السمكرة'.
وقال كريم المحلاوي، صاحب ورشة شكمان بمدينة الزقازيق: 'لم يكن هناك أزمة في الموجة الأولى لكورونا حول نقص الأكسجين، إلا أن الإقبال من الزبائن كان قليلا مقارنة بما قبل كورونا، متابعا: لدي أسطوانتين أحدهما إستبن وكنت أستطع ملئهما سويا وتوفيرهما بالورشة، لكن بعد الأزمة أصبح ملئهما بالأكسجين من المصنع أمرا صعبا، وأصبحت أعتذر كثيرا عن اللحام للزبائن'.
وتابع: 'قد أتحمل تكلفة إضافية لسعر الأسطوانة، فإذا لم أستطيع شرائها من المصنع نظرا لعدم توفرها للصناعيين، ألجأ لشرائها من زميل عمل بسعر مضاعف قد يتخطى 70 جنيها، منوهًا إلى مساعدته بعض المرضى بأسطوانتي الأكسجين خاصته في حال احتياجهم للأسطوانات، وهذا حال كثير من الصنايعية'.
معاناة الورش الصناعية بالشرقية
بينما قال رجب فوزي سمكري وصاحب ورشة سمكرة بأحد قرى مركز الزقازيق بمحافظة الشرقية' 'لم أنكر تأثر أشغالنا في الورشة بأزمة كورونا في البداية، إلا أننا ربما اعتادنا الأمر وأصبحنا نأخذ حذرنا ونستعد للمفاجأت التي ربما تحدث كل يوم'، متابعا: 'قبل كورونا كان مصنع الأكسجين يرسل لنا أسطوانات لحد عندنا بسيارة المصنع بسعر 45 جنيها، وانقطع ده في الموجة الثانية لكورونا. فاضطرينا نروح نجيبها بنفسنا من المصنع، لكن فوجئت برفض المصنع إعطاءنا الأسطوانات ورجعت الورشة من غير ما أغير أسطوانات'.
وأضاف فوزي: 'ننتظر بالساعات أمام المصنع في زحام مع أهالي المرضى والمستشفيات للحصول على أسطوانات الأكسجين، ومتاح تغيير أسطوانات الإستيلين بسهولة رغم قيمتها التي تصل 250 جنيها، إلا أنني لم أستطع اللحام والقطع بها وحدها'، معلقا: 'ما كانش يهمني الأسعار قد ما كنت مشغول بإن الورشة تتوقف عن العمل، معايا صنايعية أخاف أقفل بيوتهم وأيضا لم أجد متطلبات بيتي، فحاولت توفي الأكسجين ومع الوقت لم أجد أزمة في الحصول عليه، إلا أنني أنتظر بالـ8 ساعات وأكثر أحيانا لتوفيره، وشغلي بيعتمد عليه بشكل أساسي، وأعمل بواقع 15 أسطوانة في الشهر'، مؤكدا على أنه هو نفس العدد قبل كورونا، معلقا بابتسامة: 'ربما الإقبال في الورش في الريف أفضل حالا من الورش في المدينة، حالنا زي الفل وشغالين'.
معاناة الورش الصناعية بالشرقية
وأشار جميل كامل حداد وصاحب ورشة حدادة في إحدى قرى مركز الزقازيق، إلى أن العمل بالورشة ربما تأثر قليلا لاعتمادهم على الأكسجين في اللحام والقطع، إلا أن الحداد لم يعتمد بشكل كبير كالسمكري والشكمان لاستخدامه الكهرباء أكثر من الأكسجين، ولكن على أي حال هو يستخدم الأكسجين مثله مثل باقي الصنايعية، متابعا: 'أنا ممكن أوقف شغلي في الورشة لو طلب مني مريض أسطوانة وأوصلها بسيارتي لباب منزله، ودا حصل كتير فاضطريت أشتري أسطوانات وأجمع أسطوانات من أهل الخير، لتخصيصها لمساعدة مرضى كورونا'.
وقال 'كامل' إنه كان قبل كورونا يعمل بواقع 7 أسطوانات، وضاعف العدد لـ17 أسطوانة ليس لأجل العمل وإنما للمرضى في قريته والقرى المجاورة لحل أزمة المحتاجين وتسهيل الحصول عليها ورأفة بمرضهم، مشيرا إلى الأزة في الحصول على الأسطوانات تتلخص في وقت الانتظار أمام المصنع وليس في سعره، فضلا عن إن المصنع يعطي الأولوية للحالات المرضية أكثر من الورش.
معاناة الورش الصناعية بالشرقية
وتخطت أسعار أسطوانة الأكسجين الـ 3500 جنيها خلال أزمة كورونا بسبب التكالب على شرائها لصالح المرضى الذين يتلقون العلاج بالمنازل، هذا بالإضافة لاحتمار البعض لها لبيعها في السوق السوداء واستغلال أنين المرضى، وأجمع الصنايعية إن سعرها قبل الأزمة لم يتخطى 1000 جنيه وظل يرتفع تدريجيا بشكل فج، وأكدوا أن أسطوانتي الأكسجين والإيثيلين قد يتخطى سعرهم 7000 جنيه، منوهين إلى توفرها ولكن بأسعار مرتفعة، وأن المصنع لم يستبدل هذه الأسطوانات الجديدة بل يكتفي بملئها فقط، لأنه متاح استبدال الأسطوانات المصنع نفسه.
كما وقال الصنايعية إنهم تفاجئوا بقصص حول تعبئة أسطوانات الإيثيلين بعد تفريغها من الغاز السام ومحاولة ملئها بالأكسجين لبيعها لمرضى كورونا، فيما أشار جورج نعيم نصيف أن المصنع يرفض تعبئتها لأنها قاتلة للمرضى، وفرز الأسطوانات جيدا قبل التعبئة، لأن الأسطوانات بالفعل متشابهة، ولذا يلجأ البعض لتغيير المحابس والصمامات العلوية برأس الأسطوانة لتعبئتها بالأكسجين واستغلالها في بيعها للمرضى من أحل الربح.