صناعة الحصير ليست مجرد حرفة، بل مرآة لحياة اتسمت بالبساطة والعراقة. وبينما يطويها النسيان، تبقى الصور القديمة والأصابع المتجعدة تروي قصص صبر وفن وجمال، لا يمكن للآلات أن تقلدها.
صناعة الحصر بقرى الغربية
في زوايا الأحياء القديمة بمدينة المحلة الكبرى، محافظة الغربية، وتحت ظلال النخيل، كانت الأيدي تصنع الحصير بخيوط من الصبر والمهارة. مهنة تقليدية اتخذها الأجداد مورد رزق، وباتت اليوم ذكرى باهتة تتلاشى مع الحداثة والتكنولوجيا. صناعة الحصير، هذه الحرفة اليدوية التي كانت يوماً عنواناً للحياة البسيطة، تلفظ أنفاسها الأخيرة في زمن البلاستيك والمصانع.
صناعة الحصر بقرى الغربية
يقول الحاج عبد الله، أحد آخر صانعي الحصير في منطقة الوراقة : 'تعلمت الحرفة من والدي، وكان يعيل بها عائلة من 10 أفراد. اليوم، لا أحد يريد تعلمها، ولا أحد يشتري الحصير كما كان في السابق.'
صناعة الحصر بقرى الغربية
وأضاف : كان الحصير يستخدم في المنازل كغطاء للأرضيات، وفي المساجد، وعلى جدران الأكواخ. وكان يُباع في الأسواق المحلية، يُنقل على ظهور الحمير، وتفتخر به البيوت الريفية كمنتج 'صنع بأيدٍ مباركة'. إلا أن المهنة تراجعت تدريجياً، مع دخول الصناعات البلاستيكية والسجاد الآلي، فلم يعد الحصير سوى قطعة للزينة في متاحف التراث أو البيوت القديمة.
صناعة الحصر بقرى الغربية
تضيف أم حسن، وهي من القلائل اللواتي ما زلن يحكن الحصير في بيتها البسيط: 'كل شيء تغيّر. الزبائن يريدون أشياء سريعة وجاهزة. لكن الحصير اليدوي يحتاج وقتاً وجهداً. لم يعد مجدياً اقتصادياً.'
صناعة الحصر بقرى الغربية
وتابعت : علمتني امي اتقان وربط العقد المتراصة، حيث يصنع الحصير من سعف النخيل أو نبات 'السمار'، والذي يعد جزءاً من التراث الشعبي. يجلس الحرفي على الأرض، يُشبك عيدان النبات بطريقة دقيقة، نسجاً يدوياً يحمل في طياته حكايات الزمن الجميل.
صناعة الحصر بقرى الغربية
فيما قال' بدير الصيفي' أحد صانعي الحصر: غياب الدعم الحكومي أصاب المهنة في مقتل، بحيث تضاءلت فرص استمرار هذه الحرفة، وأصبح من النادر أن ترى سوقاً يعرض فيها الحصير التقليدي. أن اختفاء هذه المهنة يعني فقدان جزء من الهوية الثقافية، ونطالب ببرامج دعم وتدريب للأجيال الجديدة، حتى لا تنتهي وتنقرض المهنة.