مُعلق على "ربوة عالية" تُعرف باسم "جبل شكر" وتبلغ مساحته 6 أفدنة ونصف، وبُني على شكل مربع على طراز المساجد العباسية، ويُشبه إلى حدٍ كبير مسجد "سامراء" بالعراق، فهو يضم منارة ملوية، ويُصعد إليه عبر سلالم دائرية، يضم صحن كبير مكشوف، وتحيط به أروقة ذات عقود، ويحيط به من ثلاثة جوانب أروقة غير مسقوفة سُميت بـ"الزيادات"، وفُتحت بها أبواب تُقابل أبواب الجامع يُتوّج أعلاها بشرفات مفرغة، وتُزين أسواره عدد كبير من الشبابيك والأبواب العلوية، وبها طاقات مخوصة تتوجها من أعلى الشرفات.
ويضم المسجد 21 بابًا يقابلها نفس العدد في الزيادات التي أُضيفت في الجامع، وتضم بعض الأبواب معابر خشبية قديمة بها زخارف مورقة، وذلك بغرض تسهيل الوصول إلى المساكن والأسواق التي حول الجامع.. إنّه جامع "أحمد ابن طولون".
بناء المسجد
بُني مسجد "أحمد بن طولون" عام 263 هجرية، و877 ميلادية ليصبح ثالث مسجد بُني في عاصمة مصر الإسلامية بعد مسجد عمرو بن العاص، والمعسكر، وهو أقدم مساجد مصر القائمة حتى الآن، لكونه لا يزال يحتفظ بحالته الأصلية بالمقارنة مع مسجد عمرو بن العاص الذي تم إصلاحه وترميمه عدة مرات حتى تغيرت معالمه، كما أنّه أكبر المساجد في مصر حيث تبلغ مساحته 6 أفدنة ونصف، ويقع في حي السيدة زينب بالقاهرة، ويحده من الغرب مسجد "صرغتمش الناصري، ومن الشرق متحف جابر أندرسون.
وخلال بناء المسجد كان "ابن طولون" حريصًا على أن يتفقد عملية البناء باستمرار، وكان يتم بناؤه في شهر رمضان فرأى العمال يعملون فيه إلى وقت الغروب فسأل متى يشتري هؤلاء العمال الإفطار لأولادهم، وأمر بصرفهم وقت العصر خلال الشهر الكريم ليتمكنوا من شراء الإفطار لأبنائهم، واتخذت تلك العادة سُنة من وقتها.
بناه مهندس قبطي
ووفقًا للمؤرخين، فإنّ المهندس الذي شيدّ المسجد كان نصرانيًا، ويسمى سعيد بن كاتب الفرغاني، الذي كان مهندسًا قد عُين لبناء عين مياه ولما أتمها زارها "أحمد بن طولون" وكان لا يزال بموضع العين بعض الجير الرطب فغاصت فيه قدم "حصان" بن طولون فظن أنّ المهندس أراد به سوءًا فأمر بجلده وسجنه وظل في "السجن" حتى قرر بن طولون بناء المسجد فقدر له ثلاثمائة عمود يصعب توفيرها إلا عبر استخدام أعمدة الكنائس والأديرة المتخربة، فتورع بن طولون من ذلك.
ولما بلغ المهندس النصراني تلك الأخبار، كتب رسالة إلى "بن طولون" بأن يسمح له ببنائه كما يحب بلا أعمدة إلا عمودي القبلة فقط، فأخرجه "ابن طولون" من السجن، وقدم له جلود لرسم التصميم عليها، فأعجب به "ابن طولون" وأطلق سراحه ورصد له مكافأة مائة ألف دينار لنفقة البناء وكل ما يحتاج، فلما أتم البناء، ذهب "ابن طولون" لزيارة المسجد فصعد النصراني إلى منارة المسجد وطلب مكافأته وإعطاءه الأمان خوفًا من أن يتم سجنه مرة أخرى، فأعطاه "ابن طولون" الأمان وكافئه بعشرة آلاف دينار وأمر بفتح باب رزق واسع له.
اختلاف المؤرخون
على جانب آخر رفض جزء من المؤرخون الاقتناع بأنّ باني المسجد "نصرانيًا" ورجحوا كونه عراقيًا مُستشهدين بأن تصميم المسجد يشبه مسجد "سامراء" بالعراق، قائلين أن مُشيد المسجد هو المهندس أحمد بن محمد الحاسب الذي جاء ن العراق لبناء مقياس النيل الجديد بالروضة.
الكنز المُبارك
وأمّا عن سبب اختيار "ابن طولون" لذلك المكان ليبني عليه المسجد، فالسبب وراء ذلك أنّه عند سيره في الصحراء غاصت قدم "حصانه" في الرمال وسقط غلامه فوقف "ابن طولون" وأمعن النظر فوجد فتق مكان قدم الحصان فأمر بالحفر ووجدوا فيه كنزًا من المال يبلغ مقداره ألف ألف دينار، فكتب إلى الخليفة المعتمد في بغداد عمّا حدث واستأذنه في إنفاقه في "وجو البر" وبني منه البيمارستان، ثم بعد ذلك عثر على كنز كبير في الجبل يضم مالًا عظيمًا فبني منه الجامع، وأنفق الباقي على الصدقات.
النمل يخط المحراب
ولما فرغ "ابن طولون"من بناء المسجد، أمر جنوده وحاشيته بسماع آراء المواطنين في المسجد، فعلم أنّهم ينتقدون صغر المحراب وعدم وجود أعمده بداخله، وعدم وجود ميضأة له، فجمع الناس وقال لهم "أنّ المحراب شيده صغيرًا لأنّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقد خطه له، وعندما استيقظ في الصباح وجد "النمل" قد طاف بذلك المكان الذي خطه الرسول دون غيره، وأنّه بناه دون أعمدة فإنّه فذلك لأنّ الأعمدة غالبًا ما تكون في الكنائس فنزهه عنها، ولم يجعل له ميضأه نظرًا لما يوجد بها من النجاسات فطهرته منها، وسأبنيها خلفه وأمر ببناءها خلف المسجد.
رؤية عظيمة
عندما أتم المهندس بناء المسجد، رأى "ابن طولون" في منامه كأنّ الله تعالى قد تجلى للقصور التي حول المسجد ولم يتجلى للمسجد، فأرسل للكثير من المفسرين الذين أكدوا أنّ المسجد سيظل قائمًا وحده بينما سيخرب كل ما حوله مسترشدين بقول الله تعالى "فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا" أي أنّ الله إذا تجلى لشئ خضع له.
نارًا مُباركة
وعقب ذلك رأى "ابن طولون" في منامه كأنّ نارًا نزلت من السماء فأخذت الجامع دون ما حوله من العمران، فلما قص رؤياه أكد له المفسرون أن يبشر بقبول الجامع المبارك لأنّ النار كانت في الزمن الماضي إذا قبل الله قربانًا نزلت نار من السماء أخذته.
مسجد بدون مصلين
ولما انتهى المسجد وتم فتحه للصلاة لم يحضر أحد من المُصلين، لاعتقادهم بأنّه بُني بمال لا يعرفون أصله، فعزّ ذلك على "ابن طولون" وجمعهم في يوم الجمعة التالية، وخطب فيهم وأقسم لهم بأنّه بني الجامع وأشار إليه بيده بمال الكنز الذي ظفر به في الجبل الثالث ولم ينفق عليه شيئًا من ماله، وأنّ العشارى الذي نصبه على مأذنته عثر عليه في الكنز، وأكمل الخطبة، فلما سمع الناس ذلك اجتمعوا كلهم وصلوا فيه الجمعة، ولما سمع الناس حكاية المحراب الذي خطه النمل عظم ذلك في نفوسهم حتى ضاق المسجد وازدحم بالمصلين وطلبوا من "ابن طولون" أن يوسع المسجد، فزاد فيه ما يعرف حاليًا بـ"الزيادات".
تعرض المسجد للسرقة
وتعرّض المسجد للسرقة في يونيو 2014 حيث سُرق منه مفصلات نحاسية كانت في باب المنبر وعليها نقوش إسلامية تعود للعصر المملوكي، وتمكنت الشرطة من ضبط اللصوص في الشهر التالي مباشرة وتم إعادة المسروقات.
المسجد على العملات الورقية
والمسجد الطولوني، هو أحد أهم الآثار المصرية التي لها رونق خاص ولذلك تم تزيين وجه العملة الورقية المصرية فئة "الخمسة جنيهات برسم صورة المسجد عليه، فيما يحمل ظهر الورقة الحالية صورة للوحة فرعونية.