تعيش دولة مالي في دوامة أزمات سياسية وأمنية عميقة، وقد توجت هذه الأزمات بتحول الجماهير المعارضة إلى المطالبة بإسقاط الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا، والسعي لتأسيس جديد للسلطة على قواعد جديدة.
ويقود الحراك السياسي الجديد الإمام محمود كيتا محاطا بتجمعات سياسية متعددة رأت فيه مصدر توحيد لجماهيرها المتعددة المشارب.
ولأهمية الحراك المالي وتأثيره القوي على منطقة الساحل وأمن شمال أفريقيا يستعرض التقرير التالي أهم الأسئلة المتعلقة بحراك 5 جوان الذي يتصدر المشهد السياسي والإعلامي حاليا في مالي.
ما الذي يجري في مالي؟
تعيش مالي أجواء أزمة سياسية عميقة منذ عدة سنوات، وقد تفاقمت الأزمة خلال الشهرين الماضيين مع تأسيس حراك 5 جوان المطالب بإسقاط الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا.
متى بدأ الحراك؟
بدأ الحراك بشكل عملي يوم الجمعة 5 جوان الماضي، وتوالت حلقاته خلال الأسابيع الماضية، وذلك مع مظاهرات مساء كل جمعة، غير أن التوتر بين الأطراف وتوجه المعارضة إلى الاحتكام للشارع بدآ منذ عدة أشهر، وذلك على خلفية ما يعتبره المتظاهرون فشلا للسلطة في مواجهة التحديات الأمنية التي تعيشها البلاد، وحالة الركود الاقتصادي التي استفحلت بعد أزمة كورونا، هذا فضلا عن الظروف التي أجريت فيها الانتخابات التشريعية، كما زاد الاستياء الشعبي بسبب قرار المحكمة الدستورية إبطال حوالي 30 نتيجة، بالإضافة إلى تهم التزوير التقليدية.
من يقف وراء هذا الحراك؟
تقف أقطاب المعارضة بشكل واضح خلف هذا الحراك الثوري، وذلك عبر تحالف متنوع يضم رجال دين وشخصيات سياسية وحركات من المجتمع المدني.ويضم الحراك أيضا تنسيقيات إسلامية متعددة تجمع بين التيار الإسلامي التجديدي الذي يمثله الشيخ محمود ديكو، والتيار الصوفي الذي يمثله الزعيم الروحي الشريف محمدو ولد الشيخ حماه الله.
من هي أهم الأطراف المشكلة للحراك؟
يتشكل الحراك المالي من عدة أطراف، أهمها: حركة أمل مالي كورا، وجبهة حماية الديمقراطية، ومنسقيات الجمعيات الداعمة للشيخ محمود ديكو، وقد دعت هذه الهيئات مطلع يونيو الماضي إلى هبة شعبية للتخلص من نظام كيتا.وقالت صحيفة زمان التركية أن تركيا يشتبه ضلوعها في هذا الانقلاب لردع شوكة فرنسا في دولة مالي.
من هي أهم الشخصيات التي تقود الحراك؟
من أبرز هذه الشخصيات المؤثرة في هذا الحراك المكون من شخصيات وحركات سياسية متنوعة المشارب والتوجهات:
– الإمام الشيخ محمود ديكو: وهو رئيس سابق للمجلس الإسلامي الأعلى في مالي، ومن أبرز الوجوه العلمية والدعوية في بلاده، ويعتبر اليوم هو الوجه السياسي الأهم في مالي بعد غياب زعيم المعارضة سوميلا سيسي المختطف منذ 4 أشهر.
– المحامي منتقى تال: سياسي وحقوقي من حركة أمل مالي، وهو حفيد الإمام الحاج عمر تال المعروف بمقاومته لفرنسا.
– عمر ماريكو: سياسي من جبهة حماية الديمقراطية ومناوئ للوجود الفرنسي في مالي.
– الشيخ محمدو ولد حماه الله: زعيم صوفي مشهور يقيم في مدينة إنيور قرب موريتانيا، وهو أحد أهم مفاتيح السياسة في مالي.
ما هي أبرز مطالب الحراك؟
يحدد الحراك مطالب متعددة، على رأسها استقالة الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا، وحل المحكمة الدستورية، ومحاربة الفساد، ومحاكمة المتورطين في القتل وأعمال العنف ضد المواطنين، إضافة إلى إلغاء الانتخابات التشريعية الأخيرة المزورة وفق رأي المعارضة، ومن ضمن مطالب المعارضة أيضا تفكيك سيطرة أسرة ومقربي الرئيس على مفاصل الحكم ومنافذ السياسة والمال.ما موقف المؤسسة العسكرية من الحراك؟
أعلنت قيادة الجيش قبل أسابيع في بيان صادر عنها التزامها بالحياد بين أطراف النزاع، والتزامها بالشرعية الدستورية التي يمثلها رئيس الجمهورية.وتقف أمام تدخل الجيش عدة عوائق، أبرزها وقوف المنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إيكواس (ECOWAS) بوضوح وقوة ضد الانقلابات العسكرية، حيث سبق للمجتمع الدولي أن أرغم الجيش على تسليم السلطة للمدنيين عقب الانقلاب العسكري الذي وقع في 2013، لكن تدخل الجيش -رغم كل ذلك- غير مستبعد إذا توترت الأوضاع وخرج الصراع السياسي عن السيطرة.
أين تقف فرنسا من الحراك الجماهيري في مالي؟
تمثل فرنسا جزءا أساسيا من نسيج السياسة والأمن، وتتحكم في كثير من مفاصلها، وما من شك أن التدخل المباشر لباريس في مجريات الأمور سوف يزيد تعقيد علاقتها بالمجتمع المالي في ظل تصاعد مشاعر الكراهية لفرنسا وحضورها الدولي وستكون جزءا أساسيا مما ستؤول إليه الأمور حماية لمصالحها المتعددة.وما من شك أن تزعّم القوى الدينية السلفية والصوفية، وحضور البعد الديني في الخطابات السياسية لمناوئي الرئيس، إضافة إلى بروز قوى مناوئة للدور الفرنسي في مالي ضمن المطالبين بإسقاط كيتا سيجعل فرنسا متوجسة من هذا الحراك وحريصة على صناعة مخرج سياسي يضمن لها الحفاظ على المصالح، إن لم يكن تعزيز السيطرة.
ما موقف الرئيس إبراهيم كيتا من مطالب الحراك؟
ألقى الرئيس كيتا 4 خطابات تضمنت رؤيته وموقفه، وأعلن خلالها بعض القرارات المستجيبة لجزء من مطالب المحتجين، ففي 12 جوانوفي 7 يوليو لوّح بالاستجابة لتحفظات المتظاهرين فيما يتعلق بعدد من المرشحين للبرلمان أعلن فوزهم في البداية، ثم ألغت المحكمة الدستورية النتيجة. وفي اليوم التالي أعطى الضوء الأخضر لمراجعة قرار المحكمة الدستورية بشأن الانتخابات التشريعية.
وبعد مظاهرات 10 يوليو -التي وصفت بأنها أسوأ يوم من الاضطرابات المدنية تشهده باماكو منذ سنوات- بادر الرئيس كيتا في محاولة منه لنزع فتيل التوتر إلى الإعلان عن حل المحكمة الدستورية التي شكلت قراراتها أحد عناوين الأزمة.
وكرر كيتا أكثر من مرة أنه راغب في الحوار وتهدئة الأوضاع، لكنه أيضا معني بضمان أمن الممتلكات والمواطنين والمؤسسات دون أي وهن.
كيف تعاطت الشرطة مع المحتجين؟
اتخذ تعاطي الأجهزة الأمنية مع المتظاهرين منعطفا جديدا يوم الجمعة الماضي بعد احتجاجات عنيفة شارك فيها عشرات الآلاف، وبلغت فيها التحركات المناهضة للرئيس ذروتها، وتحولت فيها المسيرات السلمية المطالبة بتنحي الرئيس إلى أعمال عنف بعدما أغلق المتظاهرون الجسور واقتحموا مقر هيئة البث الحكومية وهاجموا مبنى البرلمان.واستمرت الصدامات خلال عطلة نهاية الأسبوع في باماكو حتى الاثنين، مع تركز معظم التوتر في حي بادالا بوغو الذي يدعم المعارضة، وأدت أعمال العنف إلى مقتل ما لا يقل عن 11 شخصا وإصابة 124 آخرين.
كما اعتقلت قوات الأمن نحو 20 شخصية معارضة في أعقاب تلك الاضطرابات التي توصف بالأعنف خلال السنوات الأخيرة في العاصمة باماكو.
غير أن السلطات الأمنية أطلقت لاحقا سراح جميع المعارضين السياسيين بعد ضغوط محلية وخارجية. ومع تصاعد نبرة الصراع السياسي في مالي تتفاقم أيضا الأزمة الأمنية التي أخذت عدة أبعاد اجتماعية، وأضافت عوامل تفكيك جديدة في البنية الهشة للمجتمع المالي المتعدد الألسن والأعراق.
وليس من المستبعد أن يؤدي الحراك السياسي في مالي إلى بروز تشكيلة سياسية جديدة تضمن مستوى من الخروج الآمن للرئيس كيتا، وتحقق بعض مطالب المعارضة، هذا إذا لم تخرج الأمور عن السيطرة، وعندها ستكون باماكو كعادتها على موعد مع أصحاب القبعات الحمر والدبابات وموسم معاد من الانقلابات المؤلمة.