فقد بصره تمامًا في السادسة من عمره، ربما كان الفقد مبكرًا سببًا في تأقلمه مع الواقع، ولم يشعر بأزمة أو خلل، تعايش كأنه لم يكن يومًا مبصرًا، اعتمد على ذكائه الفطري ودعّمه بالبحث والتعلم والتنوع الدائم للمشاريع الصغيرة التي ربما لم يكن الدافع الأول لها كسب المال وإنما التحدي والشعور بأنه شخص مؤثر بمجتمعه، فالحياة فرصة أراد أن يغتنمها بسعيه الدؤوب متحديًا الصعاب والعثرات.
'محمد علي إبراهيم'، شاب في منتصف الثلاثينات من العمر، يُقيم بإحدى قرى محافظة الشرقية، وهو أب لثلاث أطفال، حاصل على ليسانس أداب قسم علم النفس بجامعة الزقازيق، وباحث ماجيستير، تعددت مشاريعه الصغيرة ووظائفه في عدة شركات، واقتحم مجالات لم يستطع العمل بها سوى المبصرين حيث عمل بصيانة أجهزة الكمبيوتر والتدريس به أيضًا فهو دائمًا مغامر لا يخشى الفشل.محمد علي كفيف متعدد المواهب والقدرات
شاء الله له أن يكون فردًا ضمن أسرة مكونة من أب وأم و7 إخوة وهو ثامنهم، ونالوا قدرًا من حظه وهو الذكاء وحسن البصيرة لكنه ذو الحظ الأوفر والأكبر نصيبًا في إخوته، فلديه 6 شقيقات منهن 4 مكفوفات وتفوقن في الدراسة ويعملن بوظائف جيدة، ومتزوجات، واثنتان منهن مبصرات، وله أخ شقيق كُفّ بصره في مرحلة الجامعة ويعمل إمامًا وخطيبًا بالقاهرة، ويمارس محمد وشقيقته لعبة رياضية وهي 'كرة الجرس' وحصد فيها بطولات لكنه لم يكمل فيها لأنها حسب قوله لعبة مهملة والإنفاق عليها ذاتيًا من اللاعبين وغير مدعومة، فاتجه لطرق أخرى منها القراءة وخاصة مجال التاريخ، فلديه 29 ألف كتاب إلكتروني يطالعهم وينال منهم الكثير.
يقول 'محمد' بابتسامة لا تفارقه طوال الحديث: 'أحب التجربة لأبعد حد واختبر قدراتي على أوسع نطاق، لذلك خضت مشاريعًا كثيرة ربما هي بسيطة لكن كفاني التجربة والمغامرة، حيث بدأت بمشروع فطر 'عيش الغراب' وكنت وقتها طالبًا بالجامعة، استأجرت شقة للمشروع وكنت أتابع تفاصيله الدقيقة بنفسي كما وكان لي زبائن وعملاء على مستوى كبير، إلا أنني تعرضت لحادث سير كنت أنقل مشروم لأحد عملائي وقتها، أقعدني بالمنزل طريح الفراش، موضحًا: 'لم أدخل المشروع اعتباطًا ولكن اقتحمت المجال بثقة بعد اجتياز دورة في صناعة الفطر في جامعة عين شمس، فأنا دائمًا أدرس خطواتي علميا وعمليًا'.
محمد علي كفيف متعدد المواهب والقدرات
لم تتوقف مشروعاته الصغيرة فعندما شعر بتحسن نسبي في صحته بعد الحادث، بدأ في مشروعات أخرى ربما صغيرة وبسيطة إلا أنها محاولات تحسب له، فعمد إلى صناعة المخللات وبيعها لتجار ومحلات ظل في العمل فترة ليست قليلة ولكن اعترضته عدة مشكلات، منها النقل وارتفاع تكلفته فتركه، لم ييأس واقتحم مجال تربية الأرانب أخذ المشروع وقته وتجاربه إلا أنه لم يستطع الصمود لكونه مشروعًا غير مستقر فهي كائنات تموت بسرعة من الخوف ولم يُكتمل المشروع، ربما أصاب 'محمد علي' الإحباط فقرر أن يجد نفسَه في شئ أقرب إلى نفسِه وهو التقرب لله من خلال التفقه في دينه ربما يشفي آلامه حسب قوله.
وأضاف إبراهيم: 'قلت أقتل الفراغ بحاجة مفيدة وفي نفس الوقت ترضي ربنا، فقررت تعلم صحيح الدين وحضرت مجالس علم ودروس، لكن قابلني عدة مشكلات أولها البحث والاطلاع وكانت عقبة كبيرة، والبحث من كتب ومراجع وأنا كفيف ويلزم لي البحث من خلال تسجيلات صوتية ومراجع من الإنترنت ولا أحد يساعدني بإيجاد الكتب أو قراءتها لي'، متابعًا: 'لم أيأس وقررت تلقي دورات تدريبية في الحاسب الآلي وبدأت التحدي الحقيقي، فاجتزت دورات نظرية وعملية بل وصرت معلمًا للحاسب الآلي'.
ربما قدر يسوق لقدر أخر أفضل بكثير وطريق ضيق يفتح المجال لطريق أوسع، دخل عالم الكمبيوتر لأجل معرفة البحث على مراجع وكتب من أجل مساعدته في دراسة دينه بشكل سليم، إلا أنه اقتحم عالم الكمبيوتر وسلك طريقًا غير الذي قصد فاجتاز الدورات بتفوق وأصبح محاضرًا، وهو كعادته لا يعرف مستحيلًا فعندما كان يتعرض لمشكلات فنية في جهاز الحاسوب كان يتعطل كثيرًا فقرر تعلم الصيانة هي الأخرى بل واتخذها مهنة وتردد عليه الكثيرون من أجل صيانة أجهزتهم لديه وكلهم ثقة في مهارته.
عمل بإحدى شركات العاشر من رمضان، قسم الـ 'I.T' وتخصص بصيانة شبكات الإنترنت والخوادم والحواسيب ثم أصبح مديرًا للقسم وما زال يمارس العمل بالشركة منذ أكثر من 7 سنوات وحتى يومنا هذا، ولم ينس أنه دارسًا لعلم النفس فالتحق للعمل كأخصائي نفسي بمدرسة إعدادية محافظة، ويصف 'محمد' تعدد مهامه ووظائفه بأنه العمل المرح لقلبه ونفسه، وأن هذا يشعره مسؤولًا وموجودًا وذو أهمية لأسرته ومجتمعه لذا تهون المشقة أمام شعوره بالرضا ومن أكثر متعة في الحياة.
محمد علي كفيف متعدد المواهب والقدرات
حياته الأسرية
لم يقف الشاب الثلاثيني، عاجزًا أمام شئ ولم يشعر أنه كفيف حبيس الظلام فسافر محافظات كثيرة وعمل بها معتمدًا على نفسه متحديًا الصعاب، وسافر للعمل بأسوان كأخصائي نفسي وهناك اضطرته الظروف المادية العصيبة لتعلم مشروع يسير يجلب له أموالًا تيُسر له العيش فاعتاد ألا يسأل الناس وتأبى عزة نفسه، فقرر تعلم مشروع صناعة المنظفات والصابون السائل بمهارة بل وكان يستشيره الكثيرون في الحرفة، وهكذا اعتاد أن يتنقل في أقطار مصر للعمل واكتساب خبرات جديدة ومن أجل اكتشاف الكثير في كل مكان ينتقل إليه بعيد عن موطنه الصغير بقريته.
وتابع: "بالطبع أجد صعوبات لكن لا أشعر أمامها بالعجز لأنني اعتادت اجتيازها وبلوغ الأمل أهم أهدافي غير أنني اعتادت أطور من نفسي وقدراتي بالسؤال دائمًا والتعلم، وكنت أقابل خوف أسرتي سابقًا بالهدوء فكانت والدتي تخشى علي من الخروج بالشارع ولو كنت أطعتهم لكنت وحيدًا معزولًا عن العالم وكنت أفعل ما أحبه باقناعهم بذكاء وحكمة، ولأني اعتادت أن أرى ببصيرتي كل الأشياء سهلة".
محمد علي كفيف متعدد المواهب والقدرات
لم يكتف 'محمد' بمهاراته المتعددة في صيانة الحاسب الآلي أو وظيفته كمديرًا لقسم الـ'I.T' في إحدى الشركات أو أخصائي نفسي بمدرسة؟، وكذلك الحرف الصغيرة والمشاريع التي اقتحمها إلا أنه يستعد لاقتحام مجال المجالس المحلية في الانتخابات القادمة وبدأ منذ فترة ليست بقليلة وكعادته التعلم وحساب كل شئ بقواعد علمية محسوبة، اجتاز دورات عديدة في المحليات للتأهل للدور القادم ونال شهادة تقدير من وزير التنمية المحلية تقدير لتميّزه، فهو يود ممارسة العمل العام، ويتمنى أن يقدم ما يشرح صدر الناس وأن يخدم وطنه، وشعاره دائمًا 'لكي تبلغ الأمل، عليك دائما بالسعي والعمل'.
محمد علي كفيف متعدد المواهب والقدرات