كانت ولاية جورجيا آخر الولايات الـ13 المنضمة للاتحاد الفيدرالي عند تأسيس الدولة الأميركية عام 1788، وبعد أكثر من 240 عاما على انضمامها، تتأخر جورجيا مرة أخرى عن بقية الولايات الـ50 في حسم الصراع الانتخابي حول مقعديها في مجلس الشيوخ.
ومن شأن نتيجة انتخابات ولاية جورجيا منح الأغلبية لأحد الحزبين، الجمهوري أو الديمقراطي، وهو ما من شأنه تحديد بوصلة السياسات الأميركية الداخلية خلال سنوات حكم جو بايدن.
ونتج عن انتخابات 2020 التشريعية استمرار سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلس النواب بأغلبية 222 صوتا، مقابل 212، مع عدم حسم مقعد واحد بعد، في حين حصل الجمهوريون على 50 مقعدا من مقاعد مجلس الشيوخ، مقابل 48 مقعدا للديمقراطيين، مع جولة إعادة على مقعدي ولاية جورجيا.
وإذا فاز الجمهوريون بمقعد على الأقل، فسيحتفظون بأغلبية مجلس الشيوخ، في حين تذهب الأغلبية للديمقراطيين حال فوزهم بالمقعدين، إذ يمنح الدستور نائب الرئيس -كامالا هاريس- صوتا حاسما بصفته رئيسا للمجلس في حال تعادلت الأصوات.
كيف وصلت جورجيا لهذه المرحلة؟
أعلن السيناتور الجمهوري جوني إيساكسون تقاعده في ديسمبر2019 قبل انتهاء فترة خدمته بمجلس الشيوخ لأسباب صحية. واختار حاكم الولاية الجمهوري سيدة الأعمال كيلي لوفلر، لتحل محل إيساكسون حتى يتم إجراء انتخابات جديدة في نوفمبر2020.وتزامن ذلك مع موعد انتخاب مقعد مجلس الشيوخ الآخر للولاية، والذي شغله على مدار السنوات الست الماضية السيناتور الجمهوري ديفيد بيردو، ومن هنا شهدت جورجيا انتخابات فريدة لمقعديها في مجلس الشيوخ في الموعد نفسه.
ولم يُحسم أي من السباقين في 3 نوفمبر؛ إذ حصل ديفيد بيردو على 49.7% من الأصوات مقابل 47.9% للديمقراطي جون أوسوف، وحصلت الجمهورية كيلي لوفلر على 25.9%، في حين حصل الديمقراطي رافائيل وارنوك على 32.9% من الأصوات، وهو ما دفع لإجراء انتخابات إعادة في 5 يناير بين أول مرشحين لكل مقعد، حيث لم يحقق أي مرشح نسبة تفوق 50% التي حددها دستور الولاية للفوز.
صراع ترامب وبايدن
مثل فوز جو بايدن بالولاية في انتخابات 2020 حدثا تاريخيا، في المرة الأولى منذ عام 1992، التي يفوز بولاية جورجيا مرشح ديمقراطي، ويحصل على أصواتها الـ16 في المجمع الانتخابي.
فاز بايدن بفارق ضئيل لم يتخط 12 ألف صوت، وحصل على 49.5% من الأصوات مقابل 49.7% للرئيس دونالد ترامب.
وتشهد الليلة الأخيرة قبل التصويت مشاركة ترامب وبايدن في مؤتمرات انتخابية منفصلة لدعم حظوظ مرشحي حزبيهما في الولاية.
إرث جورجيا الثقيل
أُطلق على جورجيا اسمها هذا تكريما للملك البريطاني جورج الثاني، وشهدت عاصمتها، مدينة آتلانتا، أحد أشرس معارك الحرب الأهلية، كما عكس فيلم 'ذهب مع الريح' (Gone with the Wind)، أهم أفلام الحرب الأهلية الأميركية، طبيعة الحياة السياسية وممارسات العبودية البشعة في الولاية.
ومن أشهر أبناء الولاية القس الشهير مارتن لوثر كينغ، زعيم حركة الحقوق المدنية الأميركية، الذي اغتيل عام 1968.
ولسنوات طويلة مثّل البيض الأغلبية العظمى من سكان الولاية؛ إلا أن هذا الواقع يشهد تغيرا مستمرا خلال السنوات الأخيرة، حيث حدث تغير كبير في هيكل الولاية السكاني مع زيادة أعداد المهاجرين السود من داخل الولايات المتحدة، والمهاجرين من دول أميركا اللاتينية.
ويبلغ عدد سكان الولاية حاليا 10.8 ملايين شخص، منهم 52% من البيض، و33% من السود و10% من اللاتينيين الناطقين بالإسبانية، و4.5% من الآسيويين.
وللمرة الأولى منذ سبعينيات القرن الـ19 يعتمد انتصار المرشح الرئاسي الفائز بأصوات الولاية على ائتلاف أغلبيته من الناخبين السود، وليس البيض، فقد دفعت مجموعة الناخبين السود في جورجيا لفوز بايدن، وهي المرة الأولى التي تذهب فيها أصوات الولاية للمرشح الديمقراطي منذ انتخابات 1992.
ويبقى التساؤل حول مقعدي مجلس الشيوخ مركزا إذا ما كان المرشحان الديمقراطيان في انتخابات الإعادة قادرين على تكرار نجاح بايدن، أم تعود الولاية لجذورها الجمهورية؟
دور ستايسي إبرامز
من أهم العوامل المؤثرة في التحول السياسي في ولاية جورجيا ما يتعلق بالتوسع غير المسبوق في حملات تسجيل الناخبين السود، وتعبئتهم المكثفة بقيادة ستايسي أبرامز، مرشحة الحزب الديمقراطي السابقة لمنصب حاكم الولاية عام 2018.ففي عام 2008، فاز باراك أوباما بنحو 47% من الأصوات في جورجيا، وهو ما اعتبر حينذاك تحسنا كبيرا بالنسبة للديمقراطيين مقارنة بالسنوات الأربع السابقة، عندما حصل جون كيري على 41% من الأصوات.
ومع النمو الكبير في مدينة آتلانتا سكانيا، وانخفاض نسبة السكان البيض، بدا أن الولاية التي لم تصوت لمرشح رئاسي ديمقراطي منذ عام 1992 على وشك أن تتحول إلى اللون الأزرق الديمقراطي، أو على الأقل الأرجواني، وتصبح ولاية متأرجحة.
لكن ذلك لم يحدث؛ بل انخفض ما حصل عليه أوباما عام 2012 إلى 45%، وآمن الديمقراطيون أنه الحد الأقصى، الذي يمكنهم الحصول عليه، وحصل مرشحو الحزب في سباق مقعدي مجلس الشيوخ ومنصب حاكم الولاية عام 2014 على 45% فقط من الأصوات، وهي النسبة نفسها التي حصلت عليها هيلاري كلينتون في انتخابات 2016.
إلا أن ستايسي أبرامز تمكنت من اختراق حاجز 45%، وحصلت على 48.8% في حملتها لمنصب حاكم الولاية عام 2018، ثم فاز بايدن بالولاية بحصوله على نسبة 49.5% من الأصوات.
وقامت ستايسي بجهود كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية في حملات لتسجيل الناخبين خاصة بين أوساط السود.