يسعى ممسكا بطبلته مرددا ' اصحى يا نايم وحد الدايم '، متجولا في شوارع قريته، أنهكه المرض حتى ظهر ذلك على تجاعيد وجهه، آبيا ترك مهنة لطالما عاهدناها قديما إلا أنها أوشكت على الاندثار، كونها تذكره بأجداده، وحرصت عدسة أهل على إدراك طقوس محسراتي البحيرة خلال شهر رمضان.
' مفكرتش اتخلى عن عملي كمسحراتي'، بتلك الكلمات بدأ 'محمد حسنين خليل:، ابن قرية شبراريس بمحافظة البحيرة حديثه عن عمله، مشيرا إلى أنه ورثها عن أبيه وجده، حيث عمل بهذه المهنة منذ أن كان طفلا مساعدا لوالده في شهر رمضان، خلال جولته ليلا لايقاظ الأهالي للسحور.
وأضاف 'عم محمد' ضاحكا متذكرا طفولته، أن والدته عملت هي الأخرى بمهنة المسحراتي عقب وفاة والده مساعدا اياها، لافتا أنه يعمل بها منذ ما يقرب من 50 عاما، قائلا: 'مش بتدخل رزق بس مش قادر اتخلى عنها، بعيش روحانيات رمضان من خلالها'.
وأضاف صاحب الـ 59 عاما بوجه يتخلله الحزن، أنه يحصل على بعض النقود والحبوب من الأهالي عقب انتهاء شهر رمضان مقابل قيامه بإيقاظهم، موضحا أن العديد من الأهالي يأبى منحه هذا المقابل، معللين ذلك أنهم يعتمدوا على المنبه في الايقاظ.
وأشار أقدم مسحراتي في البحيرة، إلى أنه يعمل باقي السنة في إعداد الصابون المنزلى وبيعه للأهالي، مضيفا أنه لا يقدر على تدبير قوت يومه، حيث أنه لا يقوى على العمل كونه يعاني من عدة أمراض.
' نفسي زي ما بفرح الناس في الشهر الكريم الناس تفرحني'، بتلك الكلمات المؤلمة التي تحمل في طياتها الكثير من العجز، عبر 'عم محمد' عن عيشته غير الآدمية -على حد قوله-، مضيفا أن لديه طفل لم يلتحق بالتعليم كغيره من أقرانه نظرا لضيق المعيشة.
' أنا بنام بالنهار ومراتي بالليل بنبدل مع بعض علشان نحرس البيت'، بهذه العبارة وصف عم محمد مسكنه، حيث يعيش في منازل متهالك تزينه فتحات السطح ذو أثاث غير آدمي، و أرضية بدائية قوامها الطين مشيرا أن مسكنه تحول لملجأ للحيوانات المفترسة والثعابين.
' نفسي أعيش في بيت آدمي وانام بالليل زي الناس'، عبر أقدم مسحراتي في البحيرة عن معاناته داخل مسكنه الذي يخشى النوم به ليلا، كونه يقوم على حراسة ذويه خشية عليهم من التعرض للهجوم من قبل الحيوانات والسرقة، قائلا ' بنام أنا وأسرتي عند جيراني في الشتاء'.
والتقط ابنه إبراهيم أطراف الحديث منه قائلا: 'كان نفسي أدخل المدرسة واشوفها، زي صحابي أنا ذنبي اي علشان مدخلش المدرسة'، عبارات مبكية عبر بها الطفل عن آلامه عقب رؤيته لأقرانه ذاهبين للدراسة دونه.
'سعيت لعمل معاش تكافل وكرامة بدون جدوى'،بهذه الكلمات ناشد أقدم مسحراتي في البحيرة المسؤلين بالنظر إلى حال أسرته، حيث أنه اضطر لعمل قروض لزواج ابنته تقدر قيمتها ب 27 الف جنيه.
وبدموع تتخلل عينيه، واصل 'عم محمد' رصد معاناته، مضيفا أن زوج ابنته يرفض زيارة والديه لمنزله حتى لا يتسبب في إحراجه كون منزله غير آدمي، قائلا: 'جوز بنتي مانع أهله يزورني علشان ميحرجونيش بكلامهم'، مطالبا بمساعدته في الحصول على معاش تكافل وكرامة، وتوفير حياة آدمية كما وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي للأسر محدودة الدخل.