مستثمرون وخبراء يضعون حلولًا للسيطرة على العملة الصعبة وزيادة الاحتياطي الأجنبي
مستثمرون: قلة المعدات وصغر بعض الموانئ وتأخر الإفراج الجمركي يعرقل الاستيراد
المنشورات السعرية غائبة عن التفعيل بالموانئ
خبراء: أزمة تأخير الإفراج الجمركي في مصر تتواجد منذ نهايات تسعينيات القرن الماضي
قرارات البنك المركزي أثرت على حركة الاستيراد والتصدير
الحفاظ على الدولار، واحد من أهم أولويات المرحلة الاقتصادية الحالية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية، التي أثرت سلبا على أداء الحركة الاستيرادية باعتبارها أداة الحفاظ على تواجد السلع بالأسواق المصرية.
ومن أبرز التحديات الاقتصادية خلال الفترة الأخيرة، الحرب الروسية الأوكرانية والحرب التجارية بين أمريكا والصين، وأزمة فيروس كورونا، ما أدي لتغيير الأسعار بمعدلات كبيرة، بجانب حدوث أزمات في سلاسل الإمداد من البضائع المختلفة، وكذلك اتخاذ الحكومة للعديد من القرارات التي ساعدت على تقليل الواردات للحفاظ على الدولار والاحتياط من العملة الأجنبية.
وقف النزيف
وفي حين تتخذ الدولة إجراءات عاجلة للحفاظ على العملة والثروة الدولارية لوقف نزيف الدولار، عبر وضع قيود على استيراد السلع غير الضرورية وذات الرفاهية للحد من خروج الدولار خارج الدولة، نجد بعض الموانئ المصرية مثل ميناء العين السخنة نموذجا للاستنزاف الدولارى من المستثمرين المصريين والأجانب والمتعاملين مع الميناء، من خلال بعض الإجراءات الجمركية التى لا تراعى القانون واللائحة الجمركية والمنشورات الشارحة لها، والتى أصبح وجودها ضرورى فى ظل غياب الكفاءات الجمركية القديمة التى كانت تقوم بعمل منشورات كاشفة لشرح المنشورات القديمة.
الإجراءات الجمركية الصعبة، والتي وصفها مستثمرون بأنها "مُعقدة"، هي كلمة السر في هروب المستثمرين، فهناك مستثمرون تراجعوا عن أعمال لهم بسبب هذه الإجراءات المعقدة.
"أهل مصر" خاضت رحلة البحث عن المعوقات التي تواجه العمل بالموانئ الجمركية داخل مصر، وكشف مجموعة من المستثمرين ورجال الأعمال، عن وجود عقبات تقف حائلا أمام نجاح المنظومة الجمركية والحصول على حقوق الدولة والمستوردين، داخل هيئة مواني السخنة، من عدم خروج البضائع في الوقت المناسب، وتأخرها بشكل كبير للغاية، ما يتسبب في إهدار ملايين الدولارات، والتي تذهب لصالح التوكيلات الملاحية العالمية.
وتحاول "أهل مصر"، الوقوف على الأسباب للوصول للحقيقة الكاملة، وعرضها أمام جميع الجهات الحكومية لاتخاذ الإجراءات العاجلة والحفاظ على ثروة مصر المهدرة، والتي جاءت كالتالي:
أولا.. تأخير إجراءات الإفراج الجمركى:
أكد رجال أعمال ومستثمرون أن ميناء السخنة يشهد تأخرًا في الإفراج الجمركي يتعدى العشرين يومًا، فى حين أن أقصى وقت مسموح به للإفراج الجمركي طبقاً للمعايير العالمية من ٢٤ إلى ٤٨ ساعة فقط، وذلك نتيجة لصغر حجم الميناء وقلة عدد المعدات التى تستخدم لرفع وتنزيل الحاويات، وهو ما يؤدي حتما إلى تكدس البضائع داخل الميناء فى انتظار خلو أحد المعدات والأماكن لتنزيل الحاويات وكشفها .
وقالوا إنه في حال وجود أصناف عديدة داخل نفس الحاوية يتم التعامل معها داخل ساحة أخرى، وهذا يتجاوز العشر أيام مما يعطل من إجراءات الخروج، وفى هذه الفترة يتكلف التاجر أو المستثمر أرضيات لصالح الميناء "صاحب المشكلة"، وهنا أصبح تعطيل البضاعة داخل المواني أحد الموارد الأساسية لاستنزاف الدولار من المستثمرين، بالإضافة إلى غرامات التأخير "دمرج" التى يحصلها التوكيل الملاحى، مما يتسبب فى ضياع الثروة الدولارية دون وجه حق.
ثانيًا.. عدم الالتزام بالأسعار المعلن عنها
وأوضحوا أن عدم الالتزام بالأسعار المعلن عنها المعروفة لرجال الأعمال والتجار من خلال منشورات سعرية ثابتة جرى التعامل عليها مرارًا من قبل يعد أحد أهم المشاكل الموجودة بميناء العين السخنة، فيمثل هذا التغيير فى الأسعار فقدان رجل الأعمال الثقة وعامل الاستقرار لما يسببه من خسارة كبيرة للمستورد وارتفاع غير مبرر فى الأسعار تؤدى إلى وقف عملية الصناعة، وهذا الارتفاع غير مدعوم بأى مستند سعرى جديد، لكن يخضع الأمر لرؤية موظف فقط فى غياب كامل لمسئولين فى درجات إدارية أعلى يمكن الرجوع والاحتكام لهم، فتختلف الأسعار من مرة لأخرى مما يفقد المستثمر الثقة، ما يتسبب في الخسارة والإغلاق.
ثالثًا: طول فترة إجراءات التظلم على الأسعار والبضاعة
وأشار المستثمرون إلى أن طول فترة إجراءات التظلم على الأسعار والبضاعة والتي ما زالت متواجدة داخل الميناء، تكبد المستورد الكثير من الوقت الذى قد يتجاوز العشر أيام لحين الوصول لإدارة دعم العمليات فى بورسعيد، والتى تأخذ ما يتجاوز الأسبوع للدراسة والرد على التظلم، وفى حالة عدم الوصول إلى التوافق مع إدارة دعم العمليات يتم تحويلها إلى الإسكندرية، والتى تستهلك حوالى 10 أيام أخرى ما بين الدراسة واتخاذ القرار، ويتحمل فيهم صاحب الشأن الأرضيات و"الدمارج" للتوكيلات الملاحية فى كل الأحوال والفترات السابقة مما يحمله استنفاذ دولارى بغير وجه حق.
رابعًا: تأخر رد المبالغ المدفوعة في شكل "الأمانة والقطعي"
وأكدوا أن تأخر رد المبالغ المدفوعة في شكل "الأمانة والقطعي" تتجاوز العام وهو الإجراء الذى يلجأ له المستورد لسرعة صرف بضاعته من داخل الميناء والهروب من استغلال الميناء والتوكيلات الملاحية لتأخير إجراءات الإفراجات الجمركية.
خامسًا: صعوبة التواصل مع رئيس مصلحة الجمارك أو من ينوبه
وتعد تلك المشكلة واحدة من أهم المشاكل التي تواجه المستثمرين، بما يعيق العمل وعجلة الصناعة فى غياب كامل لمتابعة رؤساء المناطق المركزية ومديرين العموم مما أدى إلى تكرار المعوقات بشكل يومى".
سادسًا: غياب إجراءات المحاسبة والرقابة
يؤدي غياب إجراءات المحاسبة والرقابة إلى العمل بشكلٍ إداري روتيني فقط، ما جعل المستثمرين يطالبون بتفعيل عدة إجراءات واستحداث حلول من شأنها اختصار الوقت والجهد، ومنها:
أولا: لابد من تفعيل الترانزيت الداخلي لنقل الحاويات من ميناء السخنة المكدس بالبضائع إلى المواني البحرية الأخرى كما هو متبع فى نقل البضائع إلى الموانى الجافة حاليًا، وذلك لتخفيف العبء على المستثمرين والمستوردين ووقف نزيف الدولار.
ثانيًا: الاستعانة بالخبرات الجمركية القديمة التي كانت على دراية بقوانين الجمارك ولائحتها ومنشوراتها من خلال تنظيم دورات للموظفين الجدد وتأهيلهم للتعامل مع كافة المشاكل التى تطرأ أثناء إجراءات الإفراج الجمركى.
وقال عبدالمطلب عبدالحميد، خبير اقتصادي، إن قطاع الاستيراد والتصدير بشكل عام أحد أهم القطاعات الاقتصادية للدولة، ويرجع ذلك إلى المكاسب المادية والتجارية التي يحققها هذا القطاع مما يساعد في بناء اقتصاد قوي لدى البلد.
وأضاف "عبدالحميد"، في تصريحاته خاصة لـ"أهل مصر"، أن الأمر لم يعد يحتمل السكوت ويجب أن نتحرك سريعًا في وضع خطط وإيجاد حلول والعمل عليها حتى نتمكن من إنقاذ حركة الاستيراد والتصدير المصرية.
وأشار "عبدالمطلب"، إلى أهم 3 نقاط يجب العمل عليها في الفترة المقبلة حتى تتحسن حركة الاستيراد والتصدير وهم كالآتي:
1- تبسيط الإجراءات وتطويرها حتى ينعكس ذلك علي المستثمرين والتجار مما يدفعهم إلى زيادة حركة التجارة والاستثمار، وذلك سيكون له أثرًا كبيرًا في زيادة الحصيلة الدولارية وتحسين أوضاع حركة الصادرات.
2- تحسين المنظومة اللوجستية، وهي عبارة عن خدمات تدعم الحركة المادية الخاص بالبضائع وذلك داخل حدود البلاد وخارجها كما تشمل هذه المنظومة العديد من الأنشطة مثل النقل والتخزين والتسليم السريع والواسطة وعمليات المحطات النهائية أيضًا إدارة البيانات والمعلومات.
3- مراجعة القوانين الحاكمة في التجارة الدولية ووضع نظام مراقبي لها يعمل على متابعة كل ما هو يعيق من حركة الاستيراد والتصدير ويعمل على إيجاد حلول بشكل عملي وسريع.
وقال عبدالرحمن عليان، خبير اقتصادي، إن أزمة تأخير الإفراج الجمركي في مصر تتواجد منذ نهايات تسعينيات القرن الماضي، حيث قامت وزارة المالية في هذا التوقيت بعمل دراسات حول هذه الأزمة التي تعاني منها بعض الجمارك، في عهد وزير المالية الأسبق مدحت حسنين، موضحا أن هذا كلف الموانئ دفع غرامات تصل إجمالي ما تدفعه يساوي تكلفة الشحن الجمركي.
وأشار إلى أن السفن تأخذ إجمالي هذه الغرامات الناتجة عن التأخير سواء عربيًا أو أجنبيًا بالتعاملات الدولارية، وقد يكون غير معتمد مع بعض ملاك السفن، وهو ما يعتبر نوعًا من الفساد الإداري لدى موظفي الجمارك من قبل وليست حديثة، خاصة مع تراكم المشاكل الجمركية وفسادها إداريًا.
وأوضح أن الأسباب تتعدد ما بين تأخير للردود علي أصحاب وملاك السفن، واستعمال أرضيات الجمرك المستغلة والردود عليها بمواعيد الفراغ، ما يعني عدم جدولة مواعيد الشحن والتفريغ، ولا وجود لخطة ثابتة تقوم على أساسها إبلاغ مواعيدها، لافتا إلى أن تحديد السعر يكون بناء على تكلفة الشحنة وأيضًا ثمن السلع ونقل الشحنة وتفريغها، بجانب الحصيلة الجمركية.
وكشف "عليان" عن مجموعة من الحلول لمواجهة الأزمة، والتي جاءت كالآتي:
1- تشجيع فكرة الترانزيت الداخلي للأرضيات الداخلية للجمارك.
2- زيادة عدد الأرصفة في الموانئ.
3- تأهيل العاملين بالقطاع الجمركي نفسيا وأخلاقيا.
4- وضع عقوبات صارمة لمن يتسبب في التأخير.
5- وضع قواعد وجداول تكون واضحة لنظام الشحن والتفريغ.
6- رغبة الإدارة السياسية في وضع نظام إصلاحي.
وقال الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، إن حركة الاستيراد والتصدير تأثرت بشكل كبير في الفترة الماضية بسبب قرار البنك المركزي المصري، حيث قرر المركزي المصري وقف التعامل بين التجار من خلال مستندات التحصيل في دفع قيمة السلع المستوردة، وفرض التعامل من خلال الاعتمادات المستندية .
وأشار "عبده" في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر"، أن قرار المركزي أدى إلى صعوبة حركة المالية والتجارية بين التجار والمستثمرين، حيث ألزم التجار بدفع قيمة البضاعة المتفق عليها دفعة واحدة عكس ما كان يحدث في السابق وهو إمكانية دفع تكلفة البضاعة علي دفعات، وهذا ما أدى إلى شلل الوضع المادي لكثير من التجار والمستثمرين، مما انعكس بشكل سلبي على قطاع الاستيراد والتصدير وحركة التجارة .
وأضاف "رشاد" أن استمرار ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي هو عامل رئيسي ومؤثر في حركة الاستيراد والتصدير، فعندما يرفع الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة، يدفع ذلك فئة كبير من المستثمرين والتجار إلى وضع جزء كبير من أموالهم في شراء الدولار وسندات الخزانة الأمريكية وغيرها، مما يسبب في حدوث عجز في حصيلة الدولار والذي يؤدي إلى انخفاض الاحتياطي النقدي الخاص بالدولار في البنك المركزي وارتفاع أسعار الدولار أمام الجنيه المصري، وهذا ما يكون السبب الرئيسي في حدوث تضخم في الأسعار وانخفاض القيمة السوقية للعملة المصرية.
ونصح الخبير الاقتصادي باتباع الدولة بعض الحلول لنتمكن من تحسين أوضاع حركة الاستيراد والتصدير مثل تطوير القوانين الخاصة بالاستثمار والتجارة الدولية، وتحسين وتبسيط الإجراءات الجمركية، بجانب إنشاء مناخ مشجع للاستثمار والمستثمرين، مما سيشجع الكثير من المستثمرين المحليين والأجانب على إنشاء العديد من المشروعات مما ينعش حركة الأسواق بشكل كبير ويكون له عائدًا ماديًا كبيرًا.