أكد المؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم أن قضية 'ختان الإناث' لا تزال تشكل خلافًا داخل المجتمعات الإسلامية وخارجها بين مؤيد يرى أنه واجب كونه يحمل المرأة على العفة والطهارة، وبين معارض يرى حرمته لما يتركه من آثار نفسية وجسدية قاسية في حق المرأة تصل إلى حد التشويه، يأتي ذلك تزامنًا مع اليوم العالمي لرفض تشويه الأعضاء التناسلية للإناث 'ختان الإناث'، الموافق للسادس من فبراير من كل عام.
وأضاف المؤشر أنه على الرغم من أن أغلب الخطاب الإفتائي الرسمي في العالم قد اتجه إلى تحريمه، بجانب الآراء الطبية التي تؤيد وتدعم هذا الرأي؛ فإن التيارات المتشددة لا تزال تحمل راية التأييد الذي جعل هذه العملية واجبة في حق المرأة لتتفق رؤيتهم المتشددة مع العادات البالية المتطرفة التي تمارسها شعوب المجتمعات البدائية في حق بناتهم.
وأوضح مؤشر الفتوى أن الفتاوى الخاصة بقضية 'ختان الإناث' قد شكلت (10%) من إجمالي الفتاوى المتعلقة بالمرأة على مستوى العالم، محذرة من خطورة هذه العملية خاصة أنه في العام 2020 وحده، يوجد أكثر من 4 ملايين فتاة في كل أنحاء العالم معرضات لمخاطر ممارسة ختان الإناث، بحسب آخر الإحصاءات الصادرة من منظمات ومؤسسات عالمية.
وأوضح مؤشر الإفتاء أن عملية ختان الإناث التي تقتضي إزالة جزئية أو كلية للأعضاء التناسلية الأنثوية دون وجود سبب طبي لذلك لها عدة أسباب تختلف من مكان لآخر، أو حتى من دين إلى غيره، فهي ضرورة وواجبٌ دينيٌّ لعفة وطهارة البنت المسلمة، كما يروج البعض، في حين تفعله بعض الدول الأفريقية والدولية المسلمة وغير المسلمة على سبيل العُرف أو العادات الموروثة أو التقليد الاجتماعي، ولفت المؤشر إلى أن هناك زيادة مطردة في سكان 30 بلدًا تنتشر بها تلك الظاهرة، وتُختن فيها ما لا يقل عن 30% من الفتيات ممن هنَّ دون الخامسة عشرة.
بين الاستحباب والوجوب والمكرمة.. (85%) من الخطاب الإفتائي العالمي يؤيد ختان الإناث
وأوضح مؤشر الفتوى أنه بعد رصد عينة من الفتاوى الخاصة بختان الإناث على مستوى العالم، الصادرة من هيئات رسمية وغير الرسمية، فضلًا عن تحليل أحكامها الشرعية تَبيَّن أن الأحكام الواردة في فتاوى ختان الإناث تراوحت بين الاستحباب بنسبة (35%)، والوجوب بنسبة (25%)، والمكرمة بنفس النسبة (25%)، وأخيرًا الحُرمة بنسبة (15%) وهذا الحكم الأخير احتلت المؤسسات الدينية الرسمية داخل مصر وخارجها القسط الأكبر منه.
وقد لاحظ المؤشر العالمي للفتوى بعد تحليل فتاوى تلك الظاهرة الخطيرة نقطتين مهمتين؛ الأولى: أن نحو (85%) من الخطاب الإفتائي في العالم يؤيد بطريقة أو بأخرى ظاهرة ختان البنات، وإن تفاوتت أحكام تلك الفتاوى بين الاستحباب والوجوب والمكرمة.
اليوم العالمي لرفض تشويه الأعضاء التناسلية للإناث
أما النقطة الثانية، وبعد ربط تلك الأحكام بالنطاقات الجغرافية في العالم، وجد المؤشر أن النطاق المحلي (مصر) خرجت منه كافة الأحكام الشرعية الأربعة السابق ذكرها (الاستحباب والوجوب والمكرمة والحرمة)، مشيرًا إلى أن المؤسسات الرسمية، مثل دار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، انفردت وحدها بالحكم الأخير (الحُرمة) وذلك في أحدث فتاويها.
وتابع المؤشر، أن النطاق الخليجي تضمن أحكام (مكرمة ومستحب وواجب ومباح وسنة وفضيلة وجائز)، فيما احتوت دائرة النطاق العربي على حُكمَي: (واجب وسنَّة) وغردت فتاوى تونسية خارج السرب قائلة إن تلك الظاهرة لا سند لها في الشريعة، كما خرجت فتاوى أردنية تقول إن ختان الإناث عادة قديمة ليس لها علاقة بالأديان وتعد انتهاكًا وتشويهًا لأعضاء تناسلية لها وظائفها الخاصة.
وحول النطاق الإقليمي والدولي، أشار مؤشر الإفتاء إلى أن فتاوى ختان الإناث تضمنت أحكام: (واجب 'إلزامي' وسنَّة ومستحب) في حين أصدرت وزارة الشئون الدينية الصومالية فتوى تحظر ختان الإناث وتعهدت بمعاقبة المنتهكين، كما سمحت للضحايا بالحصول على تعويضات.
السلفية الجهادية: من ينادون بحرمة ختان الإناث دعاة باطل
عامًا بعد عام لا تزال فتاوى التيار السلفي شاهدةً على انتهاكاتهم ضد المرأة، حيث لفت المؤشر إلى أن فتاوى الختان عندهم شكَّلت ما نسبته (20%) من الفتاوى المتعلقة بالمرأة، منها ما يعاد نشره بين الفينة والأخرى، ومنها ما يكون جديدًا أو ردًّا على فتاوى المؤسسات الرسمية، كدار الإفتاء أو الأزهر الشريف.
وأشار المؤشر إلى نماذج من تلك الفتاوى الداعية إلى ختان المرأة وجوازه وعدم بطلانه أو تحريمه، من بينها فتوى الداعية مصطفى العدوي التي ذكر فيها أن 'ختان الإناث سنة تتأكد في حق من تحتاج إليه، والطبيبة ترى إذا كانت البنت تحتاج للختان فعلت وإن لم تحتج لا تفعل'، ولفت العدوي في نفس الفتوى إلى 'أن هناك من قال بالوجوب في ختان الإناث وهم أكثرية، وهناك من قال لا يجوز وهو قول منبوذ وشاذ'.
وأورد المؤشر فتوى سلفية أخرى تقول إن ختان الإناث 'شرعي ولا يؤدي للموت'، مؤكدًا أن الختان في الشرع الإسلامي لا يُؤدي بأي حال من الأحوال إلى الموت، وإذا حدث موت أثناء عملية الختان يكون سببه الإهمال الطبي، فالمشكلة ليست في الختان بل في الإهمال الطبي.
وواصل المؤشر العالمي للفتوى سرد الفتاوى السلفية المُجيزة لختان الإناث، موضحًا أن الداعية السلفي أبو إسحاق الحويني قال إن 'فتوى تحريم الختان فتوى صلعاء… هذه ليست فتوى شرعية بل فتوى سياسية'، مؤكدًا أن 'ختان الإناث واجب كما هو قول الشافعية'. وسار الابن على نهج أبيه؛ حيث قال حاتم الحويني في أحدث فتوى له ردًّا على فتاوى المؤسسات الرسمية القائلة بحرمة الختان: 'هذا الحكم على إطلاقه بالحرمة لا يقوله إلا جاهل لم يقرأ كتابًا في الفقه؛ فختان النساء مشروع كختان الرجال، لكنه آكد في حق الرجال، وقد اتفق الأئمة على أنه مشروع، وإن اختلفوا في كونه واجبًا أو مستحبًا، لكنه مشروع…'.
وقد لاحظ المؤشر هنا أن هذه الفتاوى السابقة لم تراعِ اختلاف الصورة أو المحل التي كان عليها في العهد السابق، وتغير الزمان واختلاف البيئات والثقافات المختلفة حول مفهوم الختان على ما هو عليه الآن، فكيف نحكم على شيء من خلال الاسم فقط ونتناسى اختلاف المسمى، فلا بد من الرجوع لأهل العلم في تصور المسألة للحكم على الشيء حكمًا صحيحًا.
الإخوان وختان الإناث.. الحكم بحسب الحالة والتوقيت ومصلحة الجماعة
وألقى مؤشر الفتوى الضوء على فتاوى الختان الصادرة من قِبل جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وأكد أنها تُشكِّل ما نسبته (7%) من إجمالي فتاوى المرأة بشكل عام عند الجماعة، مشيرًا إلى أنهم يصدرون كعادتهم أحكامهم في هذا الموضوع بحسب التوقيت والحاجة والمصلحة الخاصة بالجماعة بعيدًا عن المصلحة العامة أو صحة المرأة النفسية والصحية.
وأشار المؤشر العالمي للفتوى إلى أنه في العدد رقم (59) من مجلة الدعوة (الموسوعة التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية) الصادر في مارس 1981 ورد سؤال قال: اختلفت الآراء حول ختان الإناث وبعض الناس ينكره ويحذر منه… فما حكم الإسلام فيه؟ وكانت الإجابة هي: 'الختان عملية قديمة صاحبت الإنسان منذ فجر التاريخ. وهو بالنسبة للمرأة قطع الجزء الأعلى من الفرج. وحين جاء الإسلام أقر هذه العملية فاختتنوا ذكورًا وإناثًا ومذهب الجمهور أنه واجب'.
ولفت المؤشر إلى أن مُنظري الجماعة وقائديها ذهبوا في أكثر من قول إلى أن 'عدم ختان الأنثى يؤدي إلى إشعال الغريزة الجنسية لديها، وهو ما قد يؤدي إلى فعل لا يجوز في الشرع؛ لهذا فالختان واجب وقايةً لشرف المؤمنة وحفظًا لعرضها وعفافها'، بحسب مزاعمهم. وحديثًا أفتى عبد الرحمن البر، مفتي الجماعة الإرهابية بأن قضية ختان الإناث من القضايا الخلافية بين أهل العلم، فهي ليست سنة ولا واجبة، كما أنها ليست من المحرمات، ويرجع الأمر فيها إلى المتخصص، وهنا اختلف قوله عن قول شيوخه القائلين بالوجوب.
وأضاف المؤشر العالمي للفتوى أن وصول الجماعة الإرهابية إلى الحكم في مصر عام 2012 بالإضافة إلى احتلالهم للبرلمان آنذاك أدى إلى تعثر إخراج قانون يمنع ختان الإناث، ليس هذا فحسب؛ بل خرجت قوافل طبية إخوانية، لا سيما في القرى والنجوع، خصوصًا لإجراء تلك العملية التي حرَّمتها دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف، وأثبت الطب الحديث ضررها البالغ على صحة الفتاة الجسدية والنفسية.
وبالنظر إلى فتاوى الإخوان في هذا الشأن، وجد المؤشر أن جماعة الإخوان لا تزال -كعادتها- تروِّج الأباطيل لتأييد فتاواهم، وإلباسها ثوب المصداقية، فقولهم إن عدم ختان الأنثى يؤدي إلى إشعال الغريزة الجنسية نفاه الكثير من الأطباء في العصر الحديث، وإنما هي أقاويل موروثة مغلوطة.
فتاوى ختان الإناث في التنظيمات الإرهابية.. يقولون ما لا يفعلون
وحول فتاوى الختان الصادرة من تنظيم داعش الإرهابي، كشف المؤشر العالمي للفتوى أنها مثَّلت ما نسبته (12%) من بين الفتاوى الخاصة بالمرأة، وأوضح المؤشر أن التنظيم الإرهابي لم يلزم البنات الصغار فقط بالختان؛ بل أصدر فتوى أوجبت بختان جميع النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 11 و46 عامًا في العراق، وذلك عندما نجح التنظيم في السيطرة على مناطق وبسط نفوذه عليها.
وأضاف مؤشر الإفتاء أن التنظيم الإرهابي أصدر وثيقة في مدينة الموصل بالعراق شبيهة بما أصدرها في ولاية حلب السورية عام 2014، تضمنت فتوى قضت بضرورة 'ختان الإناث' باعتبارها من السنن النبوية، وأشار المؤشر إلى أن ذلك تزامن مع شن عملية برية لضرب إرهابيين من التنظيم الإرهابي أسفرت عن مقتل 50 داعشيًّا، بينهم المفتي الشرعي للتنظيم ويدعى 'أبو رباح الأندلسي'، وأكدت شرطة ديالى حينها أن مفتي الدواعش كان 'غير مختون' بعد فحص جثته.
أما حزب التحرير فأفتى بأن الختان ليس قضية تُبحث في واقع ما تعيشه النساء، ولا هي قضية تؤثر على حل المعاناة الحقيقية للمرأة بشكل عام، ولا هي قضية معضلة في الفقه؛ بل هي قضية اختلف الفقهاء فيها ولم يُجمعوا على استحبابه، ولكنهم اختلفوا بين كونه واجبًا أو مستحبًّا أو مكرمة.
من جانب آخر، أعلن المؤشر العالمي للفتوى أن الختان يدخل في بعض المناطق في دائرة العادات للحفاظ على عفة البنت يصاحبه عادات أخرى وهو ما يكون بين سكان بعض المناطق التي يسودها الصراع في قارة أفريقيا، خاصة دولة الكاميرون، يحرقون أثداء بناتهم في إجراء يشبه ختان الإناث، لإبعاد الرجال عنهم وحمايتهم من مسلحي جماعة 'بوكو حرام' الإرهابية، موضحًا أن هناك تقليدًا وحشيًّا قائمًا منذ سنوات في مناطق النزاع بالقارة السمراء يتم فيه كيُّ صدور الفتيات مع وصولهن لسن البلوغ، في محاولة للقضاء على مَعْلَم الأنوثة لديهن البنات، وأكد المؤشر أن هناك تقارير حقوقية عالمية ربطت كي الثدي بعادة ختان الإناث، مشيرة إلى أن كلتيهما تسبَّب أضرارًا نفسية وجسدية للأنثى بمختلف مراحلها العمرية.
مؤسسات رسمية: تحريم الختان بات محل إجماع فقهي وإنساني
وحلَّل المؤشر فتاوى المؤسسات الدينية الرسمية في مصر حول ختان الإناث، حيث أكدت تلك المؤسسات أنه بعد دراسة وافية شافية من كافة الاتجاهات ومراعاة الحال والمآل، أن تحريم ذلك بات الآن محل إجماع واتفاق بين العلماء، ولذلك صدر قانون بمنعه، ونص على تغليظ العقوبة على من يقوم بختان الإناث، وذلك بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تتجاوز 7 سنوات، وذلك وفقًا لآخر تعديل لهذه العقوبة في عام 2016.
كما أكد المؤشر أن تلك المؤسسات الدينية حسمت القضية تمامًا بعد الدراسة والرجوع إلى الأطباء المختصين فوجدت أن ختان الإناث إنما هو من قَبيل العادات وليس من قبيل الشعائر، ولقد جزم الأطباء بضرر الختان بصورته التي هو عليها الآن، فأصبح من اللازم القولُ بتحريمه، وعلى الذين يعاندون في هذا أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأن يعلموا أن الفتوى تتصل بحقيقة الواقع، وأن موضوع الختان قد تغير وأصبحت له مضارُّ كثيرة؛ جسدية ونفسية؛ ما يستوجب معه القول بمنعه والاتفاق على ذلك، دون تفرقٍ للكلمة واختلافٍ لا مبرَّر له.
أضف إلى ذلك كله أن هذه العملية الجراحية الدقيقة لا تدرس في كليات الطب، بل هي دراسة تخصصية تحتاج إلى جرَّاح تجميل متخصص، وهذا لا يحدث في عصرنا الحاضر، فأصبح من اللازم القولُ بتحريمها، وعبَّر عن هذا جماعة كثيرة من العلماء في معظم الدول الإسلامية حتى تُرك موضوع ختان النساء؛ ومن هذه الدول، السعودية واليمن والعراق وسوريا ولبنان وشرق الأردن وفلسطين وليبيا والجزائر والمغرب وتونس… إلخ.
تحذيرات
وفي النهاية حذرت وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء، القائمة على عمل المؤشر، من دعوات أصحاب الآراء المتشددة والفتاوى الرجعية الذين لم يدرسوا رأي الشرع بكافة جوانبه أو الطب في أحدث أبحاثه في تلك المسألة، والذين يروِّجون لتلك العادة السيئة والضارة باسم الدين، مؤكدة أنه من المقرر شرعًا حرمة تغيير شيء في خلقة الإنسان التي خلقه الله عليها بأي طريقة من الطرق، إلا ما كان لسببٍ علاجيٍّ؛ كإزالة العيوب الخِلقية، وإزالة ما يحصل به الضَّرر والأذى، ويُمنَع منها ما كان ضرره راجحًا، بحيث تكون مفسدة استعمالهِ تفوق مفسدة تركه يقينًا أو بغلبة الظن، وهو ما ينطبق كليةً على عملية ختان الإناث.
وطالبت أيضًا بضرورة دراسة الآثار النفسية والجسدية على الفتاة جراء هذه العملية القاسية، وضرورة وجود برامج توعية عن أخطار هذه الممارسات القاسية في حق المرأة، ويتزامن مع هذا وجود برامج تأهيل للفتيات اللائي تعرضن لمثل هذه التجارب القاسية.