تأتي محافظة الإسكندرية في مقدمة محافظات مصر التي يوجد بها عدد كبير من الغارمين والغارمات، الذين يقبعون خلف أسوار السجون عقب عجزهم عن سداد الدين الذي قد يكون صغيرًا، فجريمتهم هي الفقر، كما أن هناك سيدات وجال آخرون خارج السجون يطاردهم شبح الدين وعُرضة للسجن في أي وقت في حالة عدم سداده.
حكايات الغارمات
ومن بين السيدات الغارمات، سامية حماد حسين خلاش، إحدى سكان منطقة أبيس السابعة بوسط الإسكندرية، البالغة من العمر 58 عامًا، أرملة ولديها 5 أبناء (ولد و4 فتيات)، تلك السيدة التي انقلبت حياتها رأسًا علي عقِب عقْب وفاة زوجها، فاضطرت للعمل بـ«اليومية» في أعمال الفلاحة لإعالة بناتها بعد أن هجرها نجلها منذ عدة سنوات ولا تعلم عنه شيئًا.
والسيدة سامية، حالها كحال أى أم مصرية بلا عائل وبدون مصدر رزق ثابت، سعت لتجهيز إحدى بناتها للزواج، فوقّعت على إيصالات أمانة لأحد أصحاب محال الأجهزة الكهربائية لشراء بعض الأجهزة المنزلية، حيث قامت بشراء «غسالة وبوتاجاز ومروحة» بمبلغ 9 آلاف و800 جنيه علي أن تقوم بسداده عن طريق دفع قسط شهري يقدر بـ 450 جنيهًا، وبالفعل سددت جزء كبير من المبلغ حتي انخفض الدين إلى 3 آلاف و500 جنيه، وتعثرت فى سداد باقي الأقساط وتراكمت عليها بسبب إجرائها عملية «فتاق» جعلتها لا تقوي علي العمل، ومرت أكثر من 4 أشهر ولم تدفع القسط الشهري وأصبحت مهددة بالسجن.
تقول السيدة سامية، إنها لا تملك أي مصدر دخل لسداد دينها من خلاله، وقد توفي زوجها منذ 6 سنوات وتركها تعول بناتها بعد أن هجرها نجلها الوحيد وتزوج واستقل بحياته، واستأجرت منزلًا قديمًا مقابل 350 جنيه شهريًا ليأويها هي وبناتها، وبعد مرضها المفاجئ الذي حال دون مقدرتها علي العمل أصبحن يعتمدن في العيش على مبلغ 305 جنيهًا، وهو «معاش الأرامل» الذي يُصرف لها من الشؤون الاجتماعية، مضيفة: «كل دخلنا في الشهر 305 جنيه، وبيجيلنا من معاش الأرامل اللي بقبضه من الشؤون الاجتماعية، وبكفي بيهم نفسي أنا وبناتي وعايشين من خلالهم، ولما جيت أجهز بنتي أدينت بـ9800 جنيه، وسددت جزء كبير من المبلغ وباقي علىّ 3500 جنيه وأصبحت مهددة بالسجن لعدم سدادهم، كما أني لا أستطيع دفع إيجار المنزل منذ 4 أشهر ومهددة بالطرد من المنزل في أي وقت أنا وبناتي».
معارض الأدوات المنزلية
لم يختلف الأمر كثيرًا في حالة السيدة عزيزة عبد الله عبد الحليم خفاجي، في الخمسينات من عمرها، والتي تقطن في إحدى قرى منطقة برج العرب، غرب الإسكندرية، بل ربما تكون حالتها أكثر سوءًا من الحالة السابقة، فهي لا تملك أي مصدر دخل تعول من خلاله أولادها الأربعة بعد وفاة زوجها، وقد استدانت لأحد أصحاب معارض الأدوات المنزلية والأجهزة الكهربائية لتجهيز نجلتيها قبيل زواجهن، ظنًا منها أنها ستتمكن من سداد المبلغ، ووقّعت على إيصالات أمانة بقيمة 27 ألف جنيه، ولكن مع ضيق الظروف المعيشية، تعثرت فى سداد الأقساط، وأصبحت مهددة بالسجن لعدم سداد الدين.
تقول الحاجة عزيزة: إنها اضطرت إلي ترك منزلها التي كانت تعيش فيه بعد أن طاردها شبح الدين، وعجزت عن سداده لعدم وجود أي مصدر دخل لها ولأولادها، وذهبت للعيش بإحدي قري برج العرب بعيدًا عن الأنظار خوفًا من تعرضها للسجن وتشريد أولادها، مضيفة: أنها ظلت بلا مأوي هي وأولادها إلي أن قام أهالي القرية ببناء منزل صغير لها بالطوب الأبيض، ومسقوف بـ«البوص»، ومكون من غرفة واحدة ودورة مياه، بدلًا من العيش في العراء، وأنها تعيش هي وأولادها من خلال مساعدات يقدمها لها أهالي القرية، لكن أكثر ما يؤرقها هو الدين حيث أنها مهددة بالسجن في أي وقت وكل حلمها فقط سداده.