همٌ بالليل وذلٌ بالنهار.. حياة غارمين وغارمات الغربية تتحول إلى جحيم بسبب القروض.. وتفاصيل تُروى لأول مرة

غارمات الغربية
غارمات الغربية

«همٌ بالليل وذلٌ بالنهار»، عبارة تصف حال عدد ليس بقليل من أهالي محافظة الغربية - الغارمين والغارمات - الذين الجأهم الفقر والحاجة إلى الاقتراض وتوقيع إيصالات أمانة على أنفسهم، ليسقطوا بين مطرقة الدين وسندان الذل، ثم ينتهي المطاف بكثير منهم إلى غيابات السجن.

وتحتل السيدات النسبة الأكبر بين غارمي محافظة الغربية؛ ففى كثير من الأحيان يمرض الزوج أو تنتهي حياته دون أن يترك للأسرة مصدر دخيل يكفل لهم حياة كريمة، وهو ما يجعل ربة المنزل مسئولة عن توفير احتياجات الأسرة، فتلجأ إلى العمل في أي مهنة تدر دخلًا بطريق مشروع، وحين تتقطع بها السبل تلجأ مضطرة إلى الاقتراض والتوقيع على إيصالات أمانة بيضاء إما لتجهيز بناتها أو الإنفاق على أطفالها الصغار، ومن هنا تبدأ المعاناة.

مصاريف العلاج

تقول السيدة سامية نجيب، صاحبة 56 عامًا، والمقيمة بمدينة المحلة الكبرى: «زوجي كان يعمل بإحدى العمارات في منطقة الشعبية، وأثناء عمله سقط من فوق السقالة، ودخل بعدها فى غيبوبة، وأخبرني الأطباء أنه في حاجة ماسة لإجراء عملية بالعمود الفقرى، وتركيب مسامير بفخذه الأيمن، وبعد الجراحتين سيكون غير قادر على الحركة مرة أخرى، وهو ما أصابني بصدمة؛ فهو عائل الأسرة الوحيد، وبناتي الإثنتين يعملن لمساعدتنا على تيسيير أمورنا الحياتية، والمشاركة فى مصروف البيت».

وأضافت: «لم أترك قريب أو غريب إلا واستدنت منه لعلاج زوجي وإطعام بناتي، ووصل بىّ الحال للعمل في تنظيف البيوت ومسح السلالم مقابل وجبة أو 10 جنيهات، أو حتى علبة دواء لعلاج زوجي المريض، واستمر بىّ الحال على هذا المنوال لأكثر من 3 سنوات، حتى تقدم شاب لخطبة ابنتي الكبرى، وفي البداية كانت سعادتنا لا توصف، إلا أنني بعد فترة أدركت الصاعقة الكبرى، وهي تكاليف تجهيز ابنتي، وقد أخبرتني إحدى جاراتي عن وجود معرض للأجهزة المنزلية بمدينة مجاورة للمحلة الكبرى تقدم عروض تقسيط ميسرة، الأمر الذى دفعني للسفر بأقصى سرعة والتعرف على الإجراءات المطلوبة، وبالفعل قاموا بتجهيز ابنتي بكل ما تحتاجه وكانت الإجراءات سهلة، وتمكنت من سداد جميع الأقساط، حتى أني فكرت فى تجهيز نجلتي الأخرى، وهو ما حدث بالفعل».

محافظ الغربية مع سيدة من الغارمات

وتابعت: «حدث ما لم يكن فى الحسبان، حيث أصيب زوجي بقرحة فراش، إضافة إلى عدم قدرته على الحركة، وذلك لأننا نغيب عن المنزل فترات طويلة خلال النهار لظروف العمل، مما اضطرني لترك العمل في تنظيف المنازل والجلوس بجواره لمراعاته وتطبيبه، ومن هنا بدأت المشكلة؛ فمصاريف العلاج زادت بصورة كبيرة، وهو ما أثر بدوره على سداد الأقساط المستحقة نظير تجهيز ابنتي الثانية، وأخذ صاحب المعرض يهددني وينذرني بسرعة السداد، ثم تجاوز الأمر حتى وصل لممارسة نوع من الإرهاب ضدي عن طريق التعريض بي ومعايرتي بالدين أمام الجميع، وهو ما جعلني أرتدي النقاب خوفًا من الفضائح، كما هدد الضامن بالاستيلاء على سيارته، وبعد كل هذا تقدم بإيصالات الأمانة التى وقعتها على بياض إلى النيابة، وبين عشية وضحاها أصبحت خلف القضبان، وتركت زوجي المريض وبناتي بمفردهم، وحتى خطيب ابنتي الكبرى تركها قبل الزواج بشهرين».

السجن بسبب القروض

وأشارت إلى أن «المحكمة أصدرت ضدي حكمًا بالسجن عامين فى القضية رقم 14531 جنح قسم ثانٍ طنطا، بتهمة التبديد في إيصال الأمانة الأول، وعامين آخرين في الإيصال الثانى بالقضية رقم 14533، وتم إيداعي في سجن القسم للتنفيذ؛ إلا أنني أصبت بوعكة صحية شديدة نقلت على إثرها للمستشفى، وتبين من الفحص معاناتى من فشل كلوى مزمن واحتياجي لجلسات غسيل كلوى بواقع ثلاث جلسات أسبوعيًا، وتقدم المحامي الذي عينته المحكمة لىّ بطلب بحث حالتي، وتبين صدق روايتي وظروفي ومرض زوجي، وبالتنسيق مع قسم حقوق الإنسان بالمديرية وبعض الجهات الخيرية سددوا المبلغ المستحق لصاحب المعرض وقيمته 11 ألفًا و500 جنيه، وتم عمل محضر تصالح وأوقف تنفيذ العقوبة فى القضيتين، وأخلى سبيله، وخلال الفترة التي قضيتها بين السجن والمستشفى مات زوجي، ونصيحتي لكل أم: إياكي والدين أو التوقيع على أي ورقة على بياض، حتى لو اضطرتك الظروف للموت جوعًا».

غارمات الغربية

ومن جانبها، أكدت أمانى النادري، وكيل وزارة التضامن الإجتماعى بمحافظة الغربية، أن العام 2019 شهد انطلاق المبادرة الرئاسية «سجون بلا غارمين»، وذلك بعد الإفراج عن 5 آلاف غارم وغارمة، وكان لصندوق «تحيا مصر»، دور فعال فى المشاركة بهذه المبادرة الإنسانية، حيث تم سداد ديون الغارمين والغارمات طبقًا للشروط والقواعد المتبعة، بحيث يتم سداد ديون الغارم أو الغارمة بعد دراسة حالته والتأكد من استحقاقه الاستفادة من المبادرة بحيث يكون المستحق محبوسا على ذمة قضية استدانة فقط وليس على ذمة قضايا أخرى.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً