لم يخرج فيروس كورونا من الصين بشفافية تامة، حيث وجهت تقارير اتهامات للحكومة الصينية لتجاهلها تحذيرات طبية أشارت إلى فيروس كورونا منذ بدايته، واعتماد بكين أسلوب 'التعتيم' على تلك التحذيرات، والتشكيك بصحتها، الأمر الذي ساهم في تأخر مواجهة الفيروس القاتل.
فوفق ما نقلت صحيفة 'نيويورك تايمز'، فإن سياسة التعتيم الصينية، ساهمت في تفشي كورونا، حيث اثار الفيروس انتباه الأطباء منذ بداية ظهوره في نوفمبر، إلا أن الحكومة الصينية رفضت الاعتراف بالأمر، وأصرّت على التجاهل، وادعت أنه عودة لمرض الساري الذي هاجم الصين في 2017.
طبيب اكتشف الأمر في نوفمبر
وبحسب المعلومات التي يكشف عنها بعد مرور أكثر من 3شهور على ظهور كورونا، فإن الدكتور 'لي'، كان أول طبيب كتب عن الفيروس، مشيرا في مدونته إلى حالات مخيفة تشبه السارس، ومطالبا بإجراءات فورية تشمل العزل والحجر الصحي للتعامل معه.
وأرغم 'لي' على توقيع مذكرة حكومية، أدانته بنشر معلومات كاذبة وبتصرفات غير قانونية، واعتقل لأيام بسبب هذه، وكان ذلك في أوائل نوفمبر ٢٠١٩، عقب ذلك انتشر الفيروس بشكل كبير واضطرت الصين إلى الإعلان عنه رسميا في يناير الماضي.
تعتيم أدى إلى كارثة
الإعلان الرسمي عن الفيروس إلى اليوم الذي قررت فيه السلطات إغلاق ووهان كبؤرة للمرض المتفشي، سبعة أسابيع، شهدت على إخفاء وتعتيم عل تقارير طبية وشهادات المختصين، وتطمينات مستمرة للصينيين بالاستمرار في حياتهم الطبيعية.
واتهمت تقارير السلطات الصينية بالمساهمة بطريقة غير مباشرة في تفشي الفيروس عبر انتهاج أسلوب الادعاء بأن كل شيء تحت السيطرة، ففي ووهان مثلا، قامت السلطات بإغلاق سوق المأكولات البحرية منوهة لسكان المدينة بأن الإغلاق هو لغايات الصيانة والتحديث، ليتضح لاحقا، أن السوق البحري هو منشأ الفيروس.
منشأ الفيروس
في ١٧ نوفمبر ٢٠١٩ تم اكتشاف حالة لرجل عمره ٥٥ عاما في مدينة هوبي، وفقا لصحيفة ساوث تشاينا مورنينغ ستار، كان قد ذهب إلي السوق البحري في ووهان لشراء بعض المأكولات البحرية من بينها خفاش، وتضيف الصحيفة أنها سجلت في نفس الشهر تسع إصابات في المحافظة، ولكن لم يحدد الأطباء من منهم أصيب أولا، وبلغ عدد المصابين 27 شخصا في 15 ديسمبر 2019 وفي الأول من يناير 2020 كان عددهم قد ارتفع إلى 381.
وتجدر الإشارة، إلى أنه في صيف 2018 وضع خبراء مركز السلامة الصحية بجامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة، سيناريو لوباء يسببه فيروس الإنفلونزا، يشبه في سلوكه الفيروس المسبب للالتهاب الرئوي الشاذ. وقد احتسب الباحثون حينها أن عدد ضحايا هذا الفيروس ستبلغ بعد سنتين من تفشيه، 150 مليون شخص، وإذا لم تبذل الجهود اللازمة لوقف انتشاره وابتكار لقاح ضده سيقضي على حياة مليار إنسان تقريبا.
هل ووهان بداية الفيروس؟
مدينة ووهان لم تكن بداية الفيروس ولكنها كانت معقل انتشاره، حيث أن مدينة هوبي كانت بداية خيط الكارثة بعدما ابتاع الرجل المسن مايريده من السوق البحري في ووهان عاد إلى محافظته 'هوبي' بعد أيام تم اكتشاف ٩ حالات تشبه مرض 'الساري' الذي ينتقل عند طريق الصراصير والثعابين وتم اكتشافه منذ ٢٠١٧ في الصين، وعقب الاشتباه بالـ٩ حالات ڤي 'هوبي' كانا واحدا منهم قد نقل العدوى لبائع في السوق البحري في ووهان في شهر ديسمبر، وفق لمجلة 'ذا لامست'.
واضافت المجلة أنه في ذلك الوقت ، اشتبهت السلطات في أن الفيروس نابع من شيء يباع في سوق رطبة في المدينة،ومن هنا بدأت تظهر الحالات في ووهان وبمقرنتها بما وجوده في شهر نوفمبر تم التعرف أنه نفس اعراض المرض وأنه ليس سارس، وأطلق عليه اسم 'كورونا' أو 'covied 19'.
واكدت الصحيفة وفقا لتسريبات حكومية صينية أن هذا المرض نشأ في خفاش وقفز بشكل ما إلى حيوان آخر ، ربما من بانجولين ، ثم نقله إلى البشر.
ووجدوا أنه في أعقاب 17 نوفمبر ، تم الإبلاغ عن حالة واحدة إلى خمس حالات جديدة كل يوم وبحلول 15 ديسمبر ، وصل إجمالي الإصابات إلى 27، يبدو أن الحالات اليومية قد زادت بعد ذلك ، مع وصول عدد الحالات إلى 60 بحلول ديسمبر 20 .
حتى 13 مارس ، كان هناك ما يقرب من 148000 حالة على مستوى العالم وأكثر من 81000 حالة في الصين القارية ، مع حالات في كل قارة باستثناء القارة القطبية الجنوبية. يواصل العلماء دراسة الفيروس والعمل على العلاجات ، بما في ذلك اللقاح، وذكرت دراسة علمية حية أن تجربة سريرية لمثل هذا اللقاح بدأت بالفعل في تجنيد متطوعين في سياتل .
بحلول اليوم الأخير من عام 2019 ، ارتفع عدد الحالات المؤكدة إلى 266 ، وفي اليوم الأول من عام 2020 ، بلغ 381 حالة.
مختبرات سرية في الصين
قبل 5 سنوات من ظهور فيروس كورونا، أنشأ العلماء الصينيون مختبرا لدراسة بعض أخطر فيروسات العالم، في المدينة التي ظهر فيها المرض لأول مرة.
وبُني المختبر في مدينة ووهان، منشأ السلالة الجديدة من فيروس كورونا، الذي دمر العالم.
وتشير التقارير إلى أن سوق المأكولات البحرية في ووهان، عاصمة هوبي، هو المكان الذي نشأ فيه الفيروس القاتل، والواقع على بعد 20 ميلا فقط من مختبر ووهان الوطني للسلامة البيولوجية، الذي يضم مسببات الأمراض الخطيرة، بما في ذلك السارس وإيبولا.
وافتتح المختبر في 2017، على الرغم من أنه تم انشاؤه في 31 يناير 2015، بعد أن استغرق بناؤه عقدا من الزمان، على أمل إجراء أبحاث حول أخطر فيروسات العالم، وسط مخاوف من استمرار هذه الفيروسات القاتلة في إصابة الأفراد.
ويعد المختبر الأول على الإطلاق في البلاد، المصمم لدراسة مسببات الأمراض من الدرجة الرابعة (BSL-4)، في إشارة إلى أكثر الفيروسات ضراوة، والتي تشكل خطرا كبيرا من 'العدوى المنقولة من شخص إلى آخر'.
ووقع إطلاق هذا المرفق بعد تفشي مرض الالتهاب الرئوي الحاد (السارس)، في عام 2003، بتمويل مشترك من الأكاديمية الصينية للعلوم (CAS) بالتعاون مع حكومة ووهان.
واستوردت معظم التكنولوجيا المستخدمة في المختبر من فرنسا. ويعني وجود المختبر أن الصين واحدة من نخبة الدول التي تضم مختبرات مماثلة والتي لا تتجاوز 54 مختبرا في جميع أنحاء العالم.
وأوضح رئيس جمعية الأدوية الصينية، باي تشونلي، أن المختبر مهم لنظام الدفاع عن الصحة العامة في الصين. وقال: 'سوف يلعب دورا حاسما في تعزيز قدرة البلاد على منع الأوبئة الجديدة والسيطرة عليها وكذلك تطوير لقاحات ذات صلة'.
مضيفا أنه تم تصميمه وفقا 'لأعلى معايير السلامة الأحيائية'، وهو يوفر 'منبرا أساسيا للبحث والتطوير' ضد الأمراض شديدة العدوى والمعدية.
وعند افتتاحه، خطط المختبر للبدء في تنفيذ مشروع لا يتطلب سوى احتياطات ضد أمراض من الدرجة الثالثة (BSL-3)، على غرار 'حمى القرم-الكونغو النزفية'، وهو مرض قاتل، يقضي على 10 إلى 40% من المصابين به.
فيروس السارس
وذكرت بعض التقارير أنه في عام 2004، هرب فيروس السارس في 'تسرب' من أحد المختبرات العلمية، ما دفع المسؤولين الصينيين للعمل على تحسين السلامة، وتوسيع قدرة البلاد على مواصلة دراسة الفيروسات ذاتها التي تسربت من المختبر، ببناء مختبرات أكثر فعالية وتطورا، لكنهم لم يكشفوا عن أماكن هذه المختبرات وأية تفاصيل عنها، وكان من بينها مختبر ووهان.
وفي يناير 2018، وقع تشغيل مختبر ووهان الوطني للسلامة البيولوجية 'لإجراء تجارب عالمية حول مسببات الأمراض من الدرجة الرابعة'، مثل السارس وفيروس كورونا وفيروس الإنفلونزا الوبائية.
وعلى الرغم من أن المختبر هو الوحيد في الصين المخصص لدراسة مسببات الأمراض الفتاكة مثل السارس وإيبولا، إلا أن خبراء السلامة الأحيائية والعلماء من الولايات المتحدة، أعربوا عن مخاوفهم منذ عام 2017، من أن فيروس كورونا الفتاك قد يهرب من المختبر، أو أن يتحور في الحيوانات التي أجريت عليها الاختبارات ويصبح قادرا على إصابة البشر، كما حدث في سوق ووهان للمأكولات البحرية مؤخرا.
وحتى الآن ما زالت الحقائق تتكشف يوما بعض يوم.