الإسلام دين العفو والتسامح والتعايش السلمي مع أهل الأديان الأخرى، فلا تعرف مبادئه التعصب ولا التطرف ولا تعرف عباداته الغلو والإسراف، إنه دين الوسطية لا إفراط فيه ولا تفريط . يسئ البعض لصورة المسلمين بالغلو والتمسك بأفكار متشددة لا علاقة لها بالدين، ويتمسك هؤلاء بفتاوي منسوبة لابن تيمية، لدرجة أنهم جعلون ابن تيمية متهما بالتطرف، فالغلو كان ولا يزال عند البعض نظام حياة ووتيرة ومنهج ينتهجونه معتقدين أنهم يسيروا على الشريعة والدين الصحيح ولكنهم يحذون حذو الجهلاء ومنذ العصور القديمة للصحابة وأتباع النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وقد اتبع البعض الغلو والتكفير وما نتج عنه من مصائب وكوارث جسيمة وهو غلو في الفكر والعمل والاعتقاد والحياة بأكملها، هو نمط يسير عليه الإنسان طوال حياته يفسد عليه محللاته ويدخل عليه الهم والحزن واليأس بدون جدوى. فعندما نعقد مقارنة بين الغلو في الشرع والغلو في اللغة نجد المعنى مترادف تماما ولا يوجد فيه أي اختلاف وعليه نوضح أن الغلو في الشرع يطلق على تخطي الحدود في العمل بالشريعة على المستويين العملي والاعتقادي. وقد تم ذكرالغلو والتحذيرمنه مرتين في آيات القرآن الكريم، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}
اقرأ أيضا .. تعرف إيه عن المنطق ؟ علم ضروري حرمه ابن تيمية والنووي !
قال القرطبي في تفسير الآية الأولى: ' قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}وهنا النهي الصريح عن الغلو في التدين والدين وتجاوز الحدود في الدين والشريعة ، ويمكن اشتقاق نفس المعنى أن السعر قد غلا، وأن الإنسان قد غلا في الأمور غلوا، وقيل أنه قد غلا بالجارية لحمها وعظمها حيث تسرع الشباب فتتجاوز الحدود ويشير ذلك إلى مغالاة اليهود في سيدنا عيسى عليه السلام حتى قذفوا أمه مريم الطاهرة، وأيضا غلو النصارى في عيسى حتى وضعوه في منزلة الإله والرب، فإن التجاوز في الحد هو معصية وسيئة تضاهي التقصير تماما. وقد أتى ذكر لفظة الغلو وتم التحذير منها والنهي عنها في السنة النبويةالشريفة وهو ما يتماشى مع ما ورد في آيات القرآن الكريم بما ورد في الحديث الذي أخرجه ابن ماجه بسند عن ابن عباس رضي الله عنه أن قال: «قال لي رسول صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته: ' القط لي حصى ' فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف. فجعل ينفضهن في كفه ويقول ' أمثال هؤلاء فارموا، ثم قال: ' يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين».
وكان ما يشير إليه صلوات ربي وسلامه عليه النبي الكريم الأمور الغير مرتبطة بالدين من قريب أو بعيد وهي رمي الجمار في مناسك الحج فقد رأينا من يقوم برمي الأحجار الكبيرة ورأينا من يرمي الأحذية وكل ذلك مغالاة في الدين وعدم ارتباط بالشريعة ولا بأحكامها.
اقرأ أيضا .. الزوجة لا تصلي هل يطلقها زوجها هذا هو الخلاف بين جمهور العلماء وبين ابن تيمية حولها
قال ابن تيمية في شرح هذا الحديث: وقوله: (إياكم والغلو في الدين» عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال) وقال بعضهم: غَلَوْت فـي الأَمر غُلوّاً وغَلانِـيَةً وغَلانِـياً إِذا جاوزْتَ فـيه الـحَدّ وأَفْرَطْت فـيه
والغُلُو ُّ: الإِعْداء. وغَلاَ بالسَّهْمِ يَغْلُو غَلْواً وغُلُوَّاً وغالَـى به غِلاء ً: رَفَعَ يدَه يريد به أَقْصَى الغاية وهو من التـجاوزِ؛ ومنه قول الشاعر: كالسَّهْمِ أَرْسَلَه من كَفِّه الغالـي ، وقال اللـيث: رمى به؛ وأَنشد للشماخ: كما سَطَعَ الـمِرِّيخُ شَمَّره الغالـي. فمعنى الغلو في لغة العرب: هو كل ما تجاوز حده وارتفع عن قدره وأفرط في أمر ما، سواء كان شخصا أو قضية أو جماعة. وتعريف الغلو اصطلاحا: المبالغة والتشدد في التدين التي يلزم منها تجاوز ضوابط الدين ذاته يقول الحافظ ابن حجر (الغلو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد). ويقول الإمام النووي (الغلو هو الزيادة على ما يطلب شرعا). ويقول ابن تيمية(إن الغلو هو كل الأمور التي تتخطى الحدود المعقولة لها مهما كان المظهر العام متدين أو على غرار الشريعة سواء كان حمدا أو صلاة أو ذم أو ما إلى ذلك من أشكال المغالاة في الدين)) . وقال الإمام أبو شامة:إن كل من يقوم بفعل شيء معتقدا أن هذا الشيء مناسب ومشروع ولكنه على غير ذلك فيعتبر مغال في الدين ومبتدع في قواعده ومغرض على الله بغير الحق أو بما يعتقد هو فقط.