يعتقد عدد من الدعاة أن المسلم يمكن أن يستمر في تلقي الموعظة إلى ما لا نهاية. ولكن مع ذلك فإن هناك من الأثر الشريف ما يشير إلى حرص النبى صلى الله عليه وسلم على عدم سأم أصحابه من الموعظة، ومن الأدلة على ذلك ما روى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: ((كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُنَا بِالمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ، كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا)) فقد كان - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - يخشى أَنْ يَمَلَّ أصحابه فَيَتَخَوَّلُهُمْ بالموعظة بين وقت وآخر، لأَنَّ الاستمرار في تعليمهم وتوجيههم، يدخل الملل إلى نفوسهم، فتقل الفائدة، فمن الحكمة سلوك هذاالطريق في التعليم، وهو الطريق الذي تعتمده اليوم المؤسسات التربوية في مناهجها التعليمية، وهي خير طريقة لتثبيت ما يتلقاه الطالب من المعلومات. وكان صلى الله عليه وسلم يخاطب الناس على قدر عقولهم، فإنَّ الكلام الذي لا يبلغ عقول السامعين ولا يفهمونه قد يكون فتنة لهم، فيأتي بغير المقصود منه.
اقرأ أيضا .. هل هناك قيود على الملكلة الخاصة في الإسلام ؟ وما هى نظرية التعسف في الفقه الإسلامي ؟
فقد كان منهج البنى صلى الله عليه وسلم في التعليم والتربية قائما على التدرج، وحرص النبى صلى الله عليه وسلم على هذا النهج قبل الهجرة النبوية الشريفة وبعدها، فقد اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قد اتخذ دار الأرقم مَقَرًّا له ولأصحابه حين كانت الدعوة سرية، فيلتف حوله المسلمون الأوائل بعيدًا عن المشركين يتذاكرون كتاب الله، وهو يُعَلِّمُهُمْ مبادئ الإسلام، ويحفظهم ما يتنزل عليه من القرآن، وبعد ذلك أصبح منزل الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - في مكة ندوة المسلمين، ومعهدهم الذي يَتَلَقَّوْنَ فيه القرآن الكريم، وينهلون من الحديث الشريف على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن دلائل التدرج التي حرص عليها النبى صلى الله عليه وسلم ضمن منهجيته في تربية وتعليم الصحابة رضوان الله عليهم هم أن السُنَّةُ دفعة واحدة كمجموعة من الشرائع الوضعية، أو الأحكام الخلقية، التي يمليها بعض الحكماء والوعاظ، وإنما شرعَتْ لتربية الأُمَّة دينيًا واجتماعيًا وخلقيًا وسياسيًا، في السلم والحرب.