لا تزال فكرة فقه الأولويات بعيدا عن مجال البحث في كثير من دوائر طالبي العلم الشرعي، ويعتبر بعض الدعاة أن الحديث عن فقه الأولويات قد يمهد لاستبعاد بعض الأصول الشرعية ، ولا يزال الخلاف قائما بين دعاة العلم الشرعي حول فقه الأولويات أو ما يتعلق به من ضوابط . ولكن الإمام ابن القيم الجوزية - رحمه الله- وهو عالم من علوم الأصول كان أول من وضع الأساس لفكرة فقه الأولويات ، ووضع الأساس لهذا العلم بمفهومه المتداول في العصر الحديث بين أوساط المفكرين وحملة المشروع الاسلامي، حيث بين أن للأعمال المشروعة منازل ومراتب ينبغي للمسلم أن يعلمها ؛ حتى يعبد الله – تعالى- على أحب الأعمال وأقربها إليه ' ولما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء، وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتم الوجوه، كانت أفضل من كل من القراءة والذكر والدعاء بمفرده، لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الأعضاء. ويعبتر ابن القيم أن أن فقه الأولويات من الضروريات التي لها أصل نافع جداً يفتح للعبد باب معرفة مراتب الأعمال وتنزيلها منازلها، لئلا يشتغل بمفضولها عن فاضلها ،فيربح إبليس الفضل الذي بينهما، أو ينظر إلى فاضلها، فيشتغل به عن مفضولها إن كان ذلك وقته، فتفوته مصلحته بالكلية، لظنه أن اشتغاله بالفاضل أكثر ثواباً وأعظم أجراً، وهذا يحتاج إلى معرفة بمراتب الأعمال وتفاوتها ومقاصدها، وفقه في إعطاء كل عمل منها حقه، وتنزله في مرتبته، وتفويته لما هو أهم منه، أو تفويت ما هو أولى منه
اقرأ أيضا .. الشريعة ومقاصدها وكيف نحدد ما يقتضيه سلوك الناس ومصالحهم ؟
لقد جاء الإسلام لتنظيم حياة الأمة الإسلامية من خلال التدرج في التشريع وترتيب مستلزمات الحياة بحسب أولوياتها وأهميتها بالنسبة للفرد المسلم والأسرة والمجتمع والحكومة والدولة، ولكي تنهض الأمة وتبني حضارتها، وتعيد الأمن والسلام إلى العالم أجمع عندما تسود الشريعة الإسلامية وتحكم ربوع الأرض شرقاً وغرباً، لقد أوضح هذا البحث فقه الأولويات في مقاصد الشريعة حسب المنظور الإسلامي تعريفاً لفقه الأولويات من الجانب اللغوي والاصطلاحي، ثم أوضح أهمية العلم والعمل بفقه الأولويات، كما وتناول المحافظة على الفرائض أولى من الاجتهاد في النوافل، وأن التعجيل بالواجبات أولى من التأخير، وفرض العين يقدم على فرض الكفاية، ومراتب المنهيات من المحرمات والمعاصي والصغائر والشبهات والمكروهات، فتطرق لنماذج قرآنية مفيدة تتعلق باعتبار الأولويات في الأحكام الشرعية من ناحية التقديم والتأخير.