غدا.. الفاو تحيي اليوم العالمي للجبال

اليوم العالمي للجبال
كتب :

تحيي غدا منظمة الأمم المتحدة للغذية والزراعة "فاو" اليوم العالمي للجبال 2016 تحت شعار"الثقافات الجبلية: احتفال بالتنوع وترسيخ للهوية"، حيث يسلط الضوء على تنوع الثقافات الجبلية وغناها، والترويج لمجموعة واسعة من الهويات الجبلية، مع ضمان الاعتراف بالحقوق المحلية واستمرارية الأساليب التقليدية.

ويعود الاحتفال باليوم العالمي للجبال إلى عام 1992، وذلك عندما عمل إقرار الفصل 13 من جدول أعمال القرن 21 "إدارة النظم الإيكولوجية الهشة: الإدارة المستدامة للجبال" خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية، على إرساء أسس معلم في تاريخ التنمية الجبلية.

ولعل تزايد الاهتمام بأهمية الجبال ، مما دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى إعلان عام 2002 السنة الدولية للجبال. وبهذه المناسبة، حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 11 ديسمبر "اليوم العالمي للجبال" وذلك اعتباراً من 2003 ، ويحتفل بهذا اليوم كل عام للتوعية حيال أهمية الجبال في الحياة، وتسليط الضوء على فرص ومعوقات التنمية الجبلية، فضلاً عن تشكيل تحالفات من شأنها أن تأتي بتغييرات إيجابية تصب في صالح شعوب الجبال والبيئات المحيطة بالجبال حول العالم.

وتضطلع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بدور الهيئة المسؤولة عن تنسيق الاستعدادات لهذا اليوم وإحيائه، كما تتولى مهمة الجهة المراقبة الرئيسية لفعالياته على المستوى العالمي. في حين يضطلع فريق المياه والجبال في قسم الحراجة لمنظمة الأغذية والزراعة بمسؤولية تنسيق هذه العملية الدولية.

وتسهم الجبال التي تغطي قرابة 22 % من مساحة اليابسة في كوكبنا بدور حاسم يقود العالم نحو نمو اقتصادي مستدام.ولا توفر الجبال العيش والرفاه لنحو 915 مليوناً من سكان الجبال حول العالم وحسب، بل تفيد أيضاً على نحوٍ غير مباشر مليارات الأشخاص من السكان خارج المناطق الجبلية. وتوفر الجبال المياه العذبة والطاقة والأغذية، وجميعها موارد ستتسم بالندرة خلال العقود القادمة.

ويمثل سكان الجبال موطن لنحو 13 % من إجمالي عدد سكان العالم، ويعيش قرابة 90 % من سكان الجبال حول العالم في بلدان نامية، حيث يقبع السواد الأعظم منهم تحت خط الفقر ويواجه شخص واحد من ثلاثة أشخاص تهديد انعدام الأمن الغذائي.

وتعد الجبال مناطق سياحية وثقافية، حيث تشكل السياحة الجبلية حوالي 15-20 % من صناعة السياحة العالمية، ولدى سكان الجبال الأصليين والمحليين معرفة محلية فريدة وقيمة، ويقومون بممارسات تقليدية وثقافية يمكن لها الإسهام في استراتيجيات فعالة لإدارة الأراضي، وتحمل المنتجات والخدمات الجبلية إمكانية تحسين مصادر المعيشة وتعزيز الاقتصاد المحلي، وهنالك طلب متزايد عالمياً على النوعية والأغذية مرتفعة القيمة والمشروبات التي يتم إنتاجها في المناطق الجبلية، من قبيل القهوة والعسل والأعشاب والتوابل، إلى جانب الطلب المتنامي على الأشغال اليدوية والمواد التجميلية والأدوية، ولجني الإمكانية القصوى من المنتجات الجبلية، على صغار المنتجين الإفادة من الدعم الهادف في سلاسل القيمة الملائمة واستراتيجة التسويق، ما يتيح لهم الحصول على تعويضات معقولة مقابل منتجاتهم ذات النوعية المميزة، فضلاً عن توفير قيمة مضافة للزبائن.

وتوفر الجبال من 60-80 % من المياه العذبة في العالم، والتي لا يمكن في غيابها تحقيق التنمية المستدامة التي تهدف إلى الحد من الفقر والجوع، وتعتبر المياه العذبة الجبلية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي على المستوى العالمي، حيث يستخدمها المزارعون لري محاصيلهم في كثير من المناطق الزراعية الواقعة في كثير من الأراضي المنخفضة، وتعتمد بعض أكبر مدن العالم، بما فيها نيويورك وريو دي جانيرو، نيروبي، طوكيو، وملبورن على المياه العذبة الواردة من الجبال، كما تلعب الجبال دوراً أساسياً في توفير الطاقة المتجددة، لاسيما من خلال الطاقة الهيدرولوجية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكذلك الغاز الحيوي، وتوفر الطاقة الهيدرولوجية في الوقت الراهن قرابة خمس إجمالي الكهرباء في العالم، حيث تعتمد بعض البلدان بشكل شبه كلي على المناطق الجبلية لتوليد الطاقة الهيدرولوجية، وتحمل الجبال الواقعة في المناخ الجاف أو المداري إمكانية خاصة لتوليد الطاقة الشمسية.

وتسهم الجبال في الأمن الغذائي والتغذوي من خلال توفيرها للأراضي المخصصة لزراعة المحاصيل ورعي الحيوانات، فضلاً عن المسطحات المائية المستخدمة لمصائد الأسماك في المناطق الداخلية، إضافة إلى توفيرها لمنتجات حرجية غير خشبية، من قبيل العنبيات والفطر والعسل، وظلت زراعة الجبال نموذجاً للتنمية المستدامة لقرون، وهي "خضراء" بطبيعتها بفضل ما تتسم به من خاصية النطاق الصغير وتدني البصمة الكربونية، ومن بين 20 نوعاً نباتياً يوفر 80 % من الأغذية على مستوى العالم، وهنالك 6 أنواع منها ترجع بأصلها إلى الجبال أو شهدت التنوع فيها، من قبيل الذرة والبطاطا والشعير والذرة الرفيعة وكذلك الكينوا والطماطم والتفاح. والزراعة الجبلية هي زراعة أسرية بمعظمها، حيث تخضع المناطق الجبلية التي تتصف بتناثر الأراضي الصالحة للاستخدام ضمن ظروف مرتفعات ومنحدرات متفاوتة، إلى إدارة أكثر كفاءة من قبل صغار المزارعين. يعد جل إنتاج الزراعة الجبلية مخصصاً للاستهلاك الأسري، ما يسهم بدور محوري في ضمان الأمن الغذائي للأسر، يمكن لإنتاج وتسويق المنتجات الجبلية عالية القيمة أن يعزز الاقتصادات الجبلية المحلية، وتميل مصادر المعيشة الجبلية إلى التنوع الكبير، حيث أثبتت محورية دورها للتكيف. وقد يعمل بعض أفراد الأسر في قطاع الزراعة (كزراعة المحاصيل أو الحراجة أو تربية الأحياء المائية أو تربية الحيوانات)، حيث قد يتم توظيفهم كعمالة منتظمة أو موسمية، أو حتى خارج البلاد.

وأدرجت اليونسكو العديد من الجبال علي لائحة مواقع محميات الغلاف الحيوي والتراث العالمي ويعد جبل كينيا الذي يعلو 1995 متراً عن سطح الأرض ثاني أعلي قمة في أفريقيا . وأعلنت اليونسكو هذا البركان القديم وغير النشط محمية من محميات الغلاف الحيوي في عام 1978 وأصبح موقعاً من مواقع التراث العالمي في سنة 1997. وخلال القرن الـ 20 ، زالت 8 من أصل 81 من الجبال الجليدية في جبل كينيا، وانحسر معها الغطاء الجليدي بما يزيد عن الثلثين . ويقع جبل هواسكاران، وهو أعلي قمم البيرو 6867 متراً، في الكورديليرا البيضاء، وهي أعلي سلاسل الجبال الاستوائية الجليدية وأكبرها حجماً في العالم . وأعلنت اليونسكو حديقة هواسكاران الوطنية محمية من محميات الغلاف الحيوي في عام 1977 ، وموقعاً من مواقع التراث العالمي في عام 1985. وفقدت الجبال الجليدية في هواسكاران ما لا يقل عن 13 كلم2 من الجليد ، وما يقارب 40 % من مساحتها مقارنة مع ما كانت علية قبل 37 سنة من الآن. لكن لا تزال هناك مناطق جبلية هامة لا تحظي بالحماية الكافية لا علي المستوي القطري والجغرافي البيولوجي ولا من حيث المجال الحيوي والمنطقة الإيكولوجية. وتشكل الحماية غير الوافية للجبال مصدر قلق نظراً لما تحتويه من تنوع بيولوجي ، وما توفره من خدمات للعالم أجمع علي مستوي النظام الإيكولوجي .

وبالنسبة لشعوب الجبال، لا تعتبر الأراضي والمياه والغابات مجرد موارد طبيعية. إذ تفهم الأجيال الجديدة التي تتبع سنن آبائها الأولين أن رفاههم وهويتهم ومستقبل ذرياتهم يعتمد على خدمة البيئة بكل اهتمام. وتعتبر معرفتهم وأساليبهم التقليدية مفتاح إدارة تكيف النظم الإيكولوجية الجبلية الهشة وتحسينها. وتشكل الجبال أيضاً مناطق للسياحة والتجارب الثقافية. فمن التزلج والتسلق إلى زيارة الكنائس الصخرية في إثيوبيا، توفر الجبال كافة الأطياف الممكنة المطلوبة من كافة شرائح السياح. فإذا ما خضعت السياحة الجبلية إلى إدارة مستدامة، سيكون لها دور في تحفيز وحماية الثقافات التقليدية، فضلاً عن توفيرها لحوافز من أجل حماية النظم الإيكولوجية والسلع والخدمات الجبلية.

ويشير تقرير حالة الغابات والمناطق الحرجية لعام 2015، رغم أن الزراعة هي السبب الأكبر في تقلص رقعة الغابات في العالم، إلا أن هناك حاجة ماسة إلى تفاعل أكثر إيجابية بين الزراعة والحراجة لبناء أنظمة زراعية مستدامة وتحسين الأمن الغذائي. إلا أن مجموع انبعاثات الكربون من الغابات سجل انخفاضاً يتجاوز 25 % بين عامي 2001 و2015، وعزي ذلك أساساً إلى تباطؤ معدلات إزالة الغابات على سطح الكوكب. وأشار جوزيه غرازيانو دا سيلفا المدير العام لمنظمة فاو، أن من المشجع مشاهدة اتجاه إزالة الغابات يتراجع ككل، وأن بعض البلدان في مختلف المناطق أحرزت تقدماً ملحوظاً مثل كوستاريكا، وتشيلي، وأوروغواي، والبرازيل، وكاب فيردي، وفيتنام، والصين، والفلبين، وجمهورية كوريا، وتركيا وغيرها؛ وأضاف دا سيلفا ، أنه بودي أن أحث جميع تلك البلدان على تبادل الخبرات الناجحة مع غيرها. ومن خلال برنامج التعاون فيما بين بلدان الجنوب، تقف منظمتنا على أهبة الاستعداد لتسهيل هذا التعاون وتبادل المعارف المتاحة. وشدد دا سيلفا ، على أن الإدارة الأكثر استدامة للغابات ستقود إلى خفض انبعاثات الكربون من الغابات، بما لذلك من دور حاسم في التصدي لآثار تغير المناخ. وأبرز دا سيلفا أيضاً أهمية تكثيف الزراعة المستدامة للحد من الضغوط على الغابات، جنباً إلى جنب مع تنفيذ برنامج اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، كتدابير منشودة لخفض الانبعاثات الناجمة عن السياق الحالي لإزالة الغابات وتدهورها.

وذكر جوزيه غرازيانو دا سيلفا المدير العام للفاو، أن أجندة 2030 للتنمية المستدامة، فضلا عن اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، يؤكدان أنه لم يعد بإمكاننا التعامل بشكل منفصل في قضايا الأمن الغذائي وإدارة الموارد الطبيعية، حيث إن الاتفاقين يدعوان إلى اتباع نهج متسق ومتكامل لتحقيق الاستدامة في جميع القطاعات الزراعية والنظم الغذائية .

وطبقاً للتقرير ففي المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية يتم تحويل 40 % من الغابات لأغراض الزراعة التجارية، و33 % لأغراض زراعة الكفاف المحلية ، بينما تزال 27 % من الغابات بسبب نمو المدن وتوسع البنى التحتية والتعدين. ومن ناحية أخرى يؤكد التقرير أن الغابات تؤدي العديد من الوظائف البيئية المهمة التي تعود بالنفع على الزراعة وتزيد من إنتاج الغذاء. وأكدت إيفا مولر مديرة قسم سياسات وموارد الغابات في منظمة الفاو، أن تحقيق الأمن الغذائي ممكن من خلال تكثيف الزراعة وغير ذلك من السبل ومن بينها الحماية الاجتماعية بدلاً من توسيع المناطق الزراعية على حساب الغابات. وشددت على أهمية التنسيق بين القطاعات بشأن سياسات الزراعة والحراجة والغذاء واستخدام الأراضي وتحسين تخطيط استخدامها، ووضع أطر قانونية أكثر فعالية، والمشاركة الأقوى للمجتمعات المحلية وصغار المزارعين.

لكن الفاو أكدت في الوقت ذاته أنه بالرغم من الانخفاض العام في انبعاثات الكربون من الغابات نتيجة لتناقص إزالتها إلا أن الانبعاثات الناجمة عن تدهور حالة الغابات زادت على نحو ملحوظ خلال الفترة من 1990 إلى 2015، مما يبلغ 0.4 إلى 1.0 جيغاطن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً. وينجم تدهور الغابات عن تقلص كثافة الكتلة الحيوية للأشجار بسبب العوامل البشرية أو الطبيعية مثل القطع والإسقاط، والحرائق، وسقوط الأشجار بفعل الرياح القوية وغيرها من الأحداث. وإذ تواصل البلدان المتقدمة كونها الجزء الأكبر من بالوعة الكربون العالمية، بحصة تقدر بما يبلغ 60 في المائة (2011-2015) من المجموع العالمي إلا أن هذه الحصة تراجعت مع ذلك من 65 % (2001-2010)، ويعزى ذلك أساساً إلى تباطؤ إنشاء غابات جديدة مغروسة. واستند تحليل ”فاو“ على البيانات الوطنية المقدمة من قبل البلدان باستخدام القياسات الأرضية والجوية. ولا تقارن هذه البيانات مباشرة بالمعطيات الواردة من استخدام صور الأقمار الصناعية، والتي لا تلتقط رغم كفاءتها بعض نماذج الغابات أو بعض مراحل دورة نموها، مثلما لا تلتقط بسهولة ديناميات التغيير في استخدام الأراضي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً