كشفت تفاصيل جديدة عن التمويل الخارجي ونفوذ الدول الأجنبية داخل مراكز الأبحاث الكبرى في واشنطن، فقد خرجت صحيفة النيوورك تايمز بتحقيق إستقصائي مطول عن تأثير المصالح الخاصة والأموال الأجنبية على أجندة الأبحاث في مؤسسة بروكينجز التي تحتل المرتبة الأولى في قائمة مراكز البحوث الأكثر تأثيرا عالميا.
وأشارت الصحيفة إلى وجود علاقة "تبادل منافع" بين المؤسسة البحثية العريقة ودولة قطر في السنوات الأخيرة، ففي الوقت الذي تحصل فيه بروكينجز على تمويل مالى فإن الدوحة قد إستخدمت المؤسسات البحثية الأمريكية في دعم مصداقية قطر على المستوى الدولي.
قالت الصحيفة في تقريرها إن مدير المركز صرح لمجموعة من المسؤولين الأمريكيين في عام ٢٠٠٩ بأن القطريين ابلغوه أنهم يرون في المؤتمرات التي تنظمها المؤسسات البحثية جزءا من إستراتيجية أمنية أوسع تتضمن أيضا وجود القواعد العسكرية الأمريكية في أراضيهم.
وقال مسؤول إسرائيلي أن تلقي بروكينجز تمويلا قطريا جعل الحكومة الإسرائيلية تنظر إلى الأعمال التي تصدر عن المؤسسة البحثية العريقة بعين الشك رغم انها تقود ما يعرف بمراكز التفكير في العالم اليوم. وتدافع بروكينجز عن موقفها بالقول أن الأموال القطرية تمول مركز بروكينجز في الدوحة ومشروعا في العاصمة الأمريكية وتقول أن العلاقة مع قطر لم تخترق إستقلالية الباحثين ومركز الدوحة يقدم ميزة كبيرة فى دراسة المنطقة.
ويقول السفير مارتن إنديك نائب رئيس المؤسسة إن القطريين يفعلون بعض الأشياء السيئة ولكنهم فيما يتعلق ببروكينجز فهناك تعاون مثمر.
وتوضح الصحيفة إن حاييم صابان ملياردير الإعلام- اليهودي من أصل مصري- قد قام في مطلع العام الحالي برفع أسمه من المعهد الذي حمل أسمه في بروكينجز وموله لسنوات بسبب تلك الروابط بين قطر والمؤسسة البحثية حيث يقول المسؤولون في بروكينجز إن حاييم صبًان رغم تأييده الكبير لإسرائيل لم تؤثر أراءه على توجهات المركز البحثية خلال فترة تمويله لإنشطته.
وتؤكد الصحيفة إن واشنطن تعيش اليوم حقبة جديدة يسيطر فيها أصحاب الشركات والدول الأجنبية على أجندة الأبحاث بما يحقق لها فرصة الوصول والتأثير على صانع القرار الأمريكي ورغم تنبيه الشركات المروجة لتلك المصالح على اصحاب الأموال بصعوبة التأثير على التوجهات البحثية إلا أن الممولين يتمكنون من الوصول إلى الباحثين مباشرة أثناء إعداد الأوراق البحثية ويقترحون أسماء المشاركين في الندوات والمناسبات العامة.
كما نشر “المشروع الإستقصائي حول الإرهاب” وهو مؤسسة بحثية أمريكية تقريرا من أربعة أجزاء فى الأيام القليلة الماضية يتعرض للروابط بين قطر وبروكينجز بإعتبارها تمثل خطرا على واحدة من مراكز التفكير الكبرى في العالم والتي تشتري الدوحة النفوذ داخلها اليوم بعد أن بلغ تمويل قطر للمؤسسة ١٤.٨ مليون دولار فى العام الماضى مقابل ٢.٩ مليون دولار فى عام ٢٠١١ لتصبح أكبر دولة ممولة لبرامج بحثية في المؤسسة الكبري.
وكانت قطر قد بدأت تمويل مشروع لدراسة العالم الإسلامي في بروكينجز عام ٢٠٠٢ إلا أن قيمة الأموال التى دفعتها الدوحة فى المدة ما بين عامى ٢٠٠٢ و٢٠١٠ لم يٌكشف عنها حتى اليوم.
وقد قام المشروع الإستقصائي بمراجعة ١٢ مؤتمرا ومناسبة عامة نظمها بروكينجز برعاية من الحكومة القطرية وتوصل إلى أن البرنامج في الدوحة وواشنطن يقوم بشكل معتاد بدعوة منظمة تقوم بإستضافة شخصيات تبرر الهجمات الإرهابية ضد القوات الأمريكية والمدنيين الإسرائيليين ونقل المشروع عن أحد الباحثين الزائرين للمركز قبل خمس سنوات قوله أنه لا يوجد مجال لنقد السياسات القطرية في الأوراق البحثية محذرا أعضاء الكونجرس من أن الإستعانة بأوراق بحثية وأوراق سياسات من بروكينجز يعني ببساطة أن “القصة غير مكتملة”.
ورغم نفي المسؤولين في المؤسسة الأمريكية للتأثير القطري السلبي على عملها إلا أن مذكرة تفاهم وقعها الجانبان في ٢٠١٢ تؤكد عكس ما سبق. فقد قالت وزارة الخارجية القطرية في بيان أن الشراكة تعطى قطر واجهة للعلاقات العامة وأن المشروعات البحثية توفر “صورة براقة لقطر في الإعلام الدولى خاصة في وسائل الإعلام الأمريكية”.
كما قام المشروع الإستقصائي بإستعراض عينة من الأوراق البحثية والدراسات التى تروج للحوار مع جماعات متشددة في السنوات الأخيرة ومن بينها دعوة عدد من الباحثين إلى عقد حوار بين الإدارة الأمريكية وجماعة أحرار الشام التي تنتمي لتنظيم القاعدة وتمولها قطر وتركيا حسب المصادر الأمريكية نفسها وكانت تلك الجماعة تقاتل إلى جانب جبهة النصرة وتنظيم داعش حيث أعتبر باحثو بروكينجز أحرار الشام منظمة “وسطية” بين تنظيمين إرهابيين!
كما أشار المشروع البحثي إلى الأفكار التي روج لها باحثون أمريكيون لفترة أكثر من عشر سنوات بشأن الطابع “المعتدل” لجماعة الإخوان المسلمين ودعمهم فكر الجماعة لسنوات ودعوة أعضائها ومناصريها للمؤتمرات السنوية وبعد سقوط الجماعة في مصر حاول باحثون في بروكينجز الإيحاء بإن حظر الجماعة و”العلمنة القصرية” للمجتمع – حسب تعبيرهم- سيؤدي إلى إستعداء غالبية من المصريين وسقوط البلاد في مستنقع الصراع الإجتماعي وهي النتائج التى أثبتت الأحداث في مصر أنها بعيدة عن الواقع تماماً.