ألغاز بلا حل وطلاسم استحال فك شفرتها وأسرار ربما لم يحن الوقت بعد لكشف الغطاء عنها، هكذا بعض الأحداث في تاريخ مصر المليئ بالكثير من الحكايات والأسرار وحوادث الموت الذي حار المؤرخون في توصيفها ما بين موت أو قتل أو انتحار أو وفاة، ومن بين هذه الحوادث وتلك الأسرار، وفاة المشير عبد الحكيم عامر، الشاب الثوري الذي أصبح قائد الجيش الأضخم والأقوى في الشرق الأوسط وأفريقيا.. جيش مصر.
توفي المشير عامر يوم 14 سبتمبر من العام 1967، عقب نكسة مريرة أطاحت بأمال عريضة لدولة رائدة ومقتدرة.
ونشرت صحيفة الأهرام على صدر صفحاتها خبر وفاة المشير تحت عنوان "انتحر عبد الحكيم عامر"، ورغم أن الصحيفة هي الأشهر في ذلك الوقت إلا أنه لا أحد يستطيع أن يجزم بصحة انتحار المشير.
وفي حياة المشير الكثير من الحقائق والحكايات التى لا يعرفها الكثيرون عن "عامر"؛ ونرصد أبرز وأهم تلك الحكايات حسبما ذكرها الكاتب "رشاد كامل" فى كتابه "حياة المشير عبد الحكيم عامر"، ومنها:
1. والده من أثرياء المنيا والتحق بالكلية الحربية بالصدفة البحتة واسم شهرته "روبنسون"
ولد "عبد الحكيم عامر" فى 11 ديسمبر عام 1919، فى قرية "أسطال" بالمنيا، وكان والده من أثرياء المنيا؛ وكان يأمل أن يلتحق بكلية العلوم، لكنه مرض قبل امتحان التوجيهية ولم يحصل على الدرجات التى تؤهله لذلك، فالتحق بكلية الزراعة، إلا إنه كان يمقت الدراسة فيها، وقرر أن يقدم أوراقه بالكلية الحربية فى آخر يوم للتقديم؛ ويقول "عامر" إنه نجح فى الكشف بـ"الصدفة البحتة".
أطلق البعض على "عبد الحكيم عامر" اسم "روبنسون" تيمنا بالراوية الغربية الشهيرة "روبنسون كروزو"، وذلك لشغفه بالمغامرات الفذة كمغامرات بطل الرواية.
2. صداقة نادرة بين "ناصر" و"عامر" استمرت لمدة 30 عاما
تعرف "عامر" على الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" عند التحاقه بالكلية الحربية، حيث كان "عبد الناصر" مشرفا عليه، وتوطدت علاقتهما خلال أدائهما الخدمة العسكرية فى السودان، واستمرت تلك الصداقة منذ عام 1937 حتى عام 1967.
ويقول "عبد الناصر" عنه: "إن علاقتى بعامر أكثر من علاقة أخ، وإن واحدا من إخوتى لم يكن قريبا منى بمثل ما كان عامر"؛ ويستطرد: "إن الوحيد الذى يمكن أن يفدينى بروحه هو عامر".
3. رصاصة للمشير فداءً للرئيس
يروى الكاتب موقفا للدلالة على عمق العلاقة بين "عبد الناصر" و"عامر" قائلا إنه خلال مؤتمر شعبى عقد أمام الجماهير فى الإسماعيلية فى الستينات، انقطع التيار الكهربى وحل الظلام الدامس على المكان لمدة 3 دقائق، وكان "عبد الناصر" جالسا على المنصة وحوله بعض الوزراء، فى حين كان "عامر" جالسا فى الجهة الأخرى، وعندما عادت الأضواء فوجئ الجميع بـ"عامر" واقفا أمام "عبد الناصر" لحمايته بحيث إذا أطلقت على الأخير رصاصة تصيبه هو.
4. أول وآخر محاولة اغتيال يقوم بها "عامر"
كانت محاولة الاغتيال الأولى والأخيرة التى يقوم بها عامر هى للواء "سرى عامر"، أحد أقطاب النظام القديم، وقام اثنان من زملائه بالاشتراك معه بإطلاق النار على اللواء، لكن "عامر" شعر بالندم الشديد وأخذ يدعو طوال الليل أن ينجو "سرى عامر"، وشعر بسعادة غامرة عندما نشرت الصحف فى صباح اليوم التالى أنه لم يصب بأى رصاصة.
5. "عامر" أول من رشح "محمد نجيب" قائدا للثورة
عندما اقنع "عبد الناصر" زملاءه بضرورة اختيار شخصية عسكرية كبيرة تعلن الثورة باسمها لتكون أكثر إقناعا للجماهير، كان "عامر" أول من رشح "محمد نجيب" فى حين رشح باقى الضباط الأحرار اللواء "فؤاد صادق"، لكن وقع الاختيار على "نجيب" إذ إن مؤهلاته كانت أفضل، فضلا عن أنه يتمتع بشعبية كبيرة فى الجيش.
6. رفض "نجيب" ترقية "عامر" أربع رتب مرة واحدة وتعيينه قائدا للقوات المسلحة
بالرغم من أن "محمد نجيب" ذكر أن "عامر" كان أقرب الضباط إلى قلبه وأنه رأى فيه ضابطا ذكيا ودقيقا، إلا إنه عارض ترقيته من رتبة "صاغ" إلى "لواء"، فى سابقة لم تحدث من قبل فى الجيش المصرى، كما عارض إعلان الجمهورية ليس لأنه مؤيد للملكية، لكن لأن تحويل نظام الدولة يجب أن ينص عليه الدستور وأن يكون موضع استفتاء شعبى.
7. قالوا عنه: "لا يصلح لقيادة الجيش" و"لم يكن عبقريا"
قال "محمد حسنين هيكل" عن "عامر": إنه "نصف فنان ونصف بوهيمى ولطيف جدا، لكنه عسكري توقف عند رتبة صاغ، أى أنه يستطيع أن يقود كتيبة، لكنه لا يستطيع أن يقود جيشا".
قال عنه "حافظ إسماعيل"، الذى كان مديرا لمكتبه لسبع أعوام ونصف: "مع أن عامر لم يكن عبقريا، إلا إن ذكاءه وحسمه كانا محل إعجاب".
وقال عنه رئيس المخابرات السابق "صلاج نصر" إنه "الدينامو أو المحرك لنشاط تنظيم الضباط الأحرار، وكان له الفضل فى تجنيد أكبر عدد من الضباط الأحرار".
8. زواجه بـ"برلنتى عبد الحميد"
قالت الممثلة الشهيرة "برلنتى" فى مذكراتها إنها تزوجت بالمشير عام 1963، وأنجبت منه ابنها "عمرو" عام 1967، مضيفة أن الزواج لم يكن خفيا على "عبد الناصر" وأن التعارف تم عن طريق "صلاح نصر"؛ وتزوجها بعقد عرفى شهد عليه كل من "صلاح نصر" وشقيق المشير "حسن عامر"، وظل العقد بحوزة المشير ولم يعلم أحد مكانه حتى وفاته.
9. "عبد الناصر" رفض السماح لـ"عامر" بالذهاب إلى الإذاعة لإعلان استقالته فى أعقاب نكسة 1967
عندما كان "عبد الناصر" يذيع بيان التنحى فى التاسع من يونيو عام 1967، أرسل إليه المشير رسالة يبلغه فيها أنه سيذهب إلى الإذاعة لإعلان استقالته، لكن "عبد الناصر" رفض طلبه، وأمر "محمد فائق"، وزير الإعلام آنذاك بألا يذيع أى شخص أى بيان بعد بيانه، وقد اختفت صورة "عبد الناصر" من على شاشات التليفزيون خلال هذه اللحظات القليلة، وقد أثار ذلك الأمر حفيظة "عامر" وغضبه من "عبد الناصر".
10. وفاته كانت ومازالت لغزا حتى الآن
أعلنت الصحف المصرية فى 14 سبتمبر عام 1967 عن انتحار "عبد الحكيم عامر" بسبب تأثره بالهزيمة، لكن العديد من الأشخاص شككوا فى صحة هذا الأمر، وكان من بينهم نجل المشير "جمال عبد الحكيم عامر" بالإضافة إلى مجموعة من المختصين فى الطب الشرعى والخبراء والمحللين السياسيين الذين أشاروا إلى استحالة انتحار المشير بالطريقة التى تم الإعلان عنها، مؤكدين أنه قد تم دس السم له؛ وأفاد تقرير الطبيب الشرعى الدكتور "على محمود دياب"، والذى تم الكشف عنه عام 1978، بأن المشير تعرض للقتل مع سبق الإصرار والترصد.
ورغم كل ما قيل وجميع ماذكر، يظل للرواية أغلفة كثيرة وتفاصيل أكثر، إذ يدعي كل طرف امتلاك الحقيقة، وتظل الحقيقة حتى الأن راقدة بجوار صاحبها حتى وإن بدأت بعض ملامحها تستبين إلا أن الحقيقة المؤكدة والكاملة ربما توجد بين السطور لمن يتابع ويحلل وينظر بعين الحياد لتاريخ طويل ومتاشبك وأشخاص أحاطت بهم هالة حجبت الكثير من الحقائق عن جمهورهم.