شاهدًا على حقبة زمنية سطر خلالها المصريين تاريخًا من النضال ضد المحتل الإنجليزي، ورسموا صورة بديعة الجمال من الوحدة الوطنية، وذلك حين خرجوا عن بكرة أبيهم ليحرروا توكيلات يفوضون بها رجلًا منهم اختاروه زعيمًا لهم ومتحدثًا باسم الشعب المصري للتفاوض مع قادة الاحتلال؛ إنه ضريح الزعيم خالد الذكر سعد باشا زغلول الذي حولته يد الإهمال إلى مقلب للقمامة ومأوى للقطط والحيوانات الضالة.
في شارع الفلكي بمنطقة وسط القاهرة، يقف ضريح سعد زغلول شامخًا منذ 88 عامًا، هي عدة السنوات التي ورى رفات الزعيم الراحل في ضريحه بعد أن نقل إليه عام 1931 م بقرار من الحكومة المصرية في ذلك الوقت.
اقرأ أيضًا: «أبناء ثورة 1919» يتحدثون عن سنوات الحب والحرب والسياسةتعود قصة بناء الضريح إلى اجتماع عقده مجلس الوزراء المصري برئاسة عبد الخالق باشا ثروت، عقب وفاة زعيم ثورة 19 في 23 أغسطس 1927، وقرر المجتمعون وقتها تخليد ذكرى الزعيم الراحل عن طريق إقامة تمثالين له؛ الأول في القاهرة والثاني في الإسكندرية، وتشييد ضريح ضخم يُنقل إليه جثمانه وتتحمل الحكومة المصرية نفقات تشيده بالكامل.واتفق أعضاء مجلس الوزراء المصري في ذلك الوقت، على موارة جثمان سعد زغلول الثرى في مقبرة مؤقتة بمقابر الإمام الشافعى، كان الزعيم الراحل اشتراها قبل 6 أشهر من وفاته حين شعر بدنو أجله.
اقرأ أيضًا: بعد مرور 100 عام.. حقائق عن ثورة 1919 في زفتىتولى المهندس المعماري مصطفى فهمي، مسؤولية تصميم وبناء الضريح وانتهى عام 1931 م من جميع الأعمال به، بما في ذلك تشييد حديقة حوله وأسوار على جوانبه بمساحة 5225 م2، ونقل رفات الزعيم الراحل إليه في نفس العام أي بعد 4 سنوات من وفاته.وقد آثر المهندس المعماري مصطفى فهمي، أن يكون تصميم ضريح الزعيم الراحل مصريًا خالصًا؛ لذا فالضريح يشبه معابد الفراعنة، وجدرانه شاهقة الارتفاع مما يضفي عليه عظمة وشموخًا، ويحيط به من جهاته الأربع حديقة يليها أسوار من الحديد المشغول تعلوه حليات نحاس على شكل زهرة اللوتس.
اقرأ أيضًا: قصة الشيخ أحمد حتاتة إمبراطور المنيا قاهر الاحتلالوبالرغم من الأهمية التاريخية والمعمارية لهذا الضريح؛ إلا أن يد الإهمال عصفت به في السنوات الأخيرة، وتحول إلى مقلب للقمامة ومأوى للقطط والحيوانات الضالة، وكأن نضال المصريين في ثلاثينيات القرن المنصرم ذهب ثدى، وانزوت معه تلك الحقبة المضيئة من تاريخ هذا الشعب الحديث، وهو ما يُعيد إلى الآذان تلك الكلمة الخالدة التي قالها سعد زغلول: "مافيش فايدة".