إلى جانب الأضرار الفادحة التي خلفها تفشي فيروس كورونا والوباء الناجم عنه "كوفيد-19" على كافة الأصعدة والمجالات، وما ترتب عليه من إجراءات للحد من تفشيه، مثل التباعد الاجتماعي والعزلة، ثمة أطراف مستفيدة من هذا الوباء العالمي.
ليس هذا فحسب، بل شكل الوباء مجالا لظهور تجارة جديدة، خصوصا في بريطانيا، أخذت تزدهر على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وتستهدف هذه التجارة تحقيق حلم النساء اليائسات لأن تصبحن أمهات.
فعلى فيسبوك ثمة منشور يقول مثلا "عمري 35 عاما، وشعري بني وعيناي زرقاوان، وطولي 6 أقدام و3 بوصات.. أما وزني فيصل إلى 80 كيلوغراما.. أنا عداء وأعتبر نفسي لائقا صحيا.. أحمل شهادة الماجستير ولدي عمل جيد في مجال التسويق.. أحب أن أسمع منكم.. لا تترددوا في الاتصال".
وما يقدمه هذا الرجل لا علاقة له بالعلاقة الرومانسية ولا صداقة لا أي علاقة من أي نوع.. إنها تجارة جديدة تستهدف البريطانيات اللواتي يحاولن أن يصبحن أمهات.
باختصار إنه يعرض بيع حيواناته المنوية، كما ذكرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.
فنتيجة لقيود فيروس كورونا وإجبار العيادات على الإغلاق، بات هناك نقص في المتبرعين بالحيوانات المنوية على مستوى البلاد، وقد أدى ذلك إلى تجارة مزعجة على في الحيوانات المنوية البشرية عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
ويستضيف فيسبوك، على وجه الخصوص، عشرات المجموعات المتخصصة حيث يقدم الرجال خدماتهم وتطلب النساء المساعدة.
ومع الشعور بالوحدة بشكل كبير، وتضاؤل فرص مقابلة الجنس الآخر، يزدهر سوق التخصيب أو بالأحرى سوق التلقيح الصناعي، وذلك على الرغم من المخاطر المصاحبة للمشكلات الوراثية والاحتيال والقضايا طويلة الأجل.
لكن كما قالت إحدى النساء، وهي معلمة في مدرسة ابتدائية، لصحيفة "ذي ميل" الأحد الماضي، فقد أمضت سنوات في محاولة العثور على الرجل المناسب والآن لديها ما يكفي من الانتظار. في حين أن بعض النساء اللواتي تعرفهن يلجأن إلى "الترتيبات" الخاصة، من خلال أصدقاء أو أصدقاء الأصدقاء، فإن أخريات، مثلها، يتجهن إلى عالم الإنترنت.
وتقول هذه المعلمة "أبلغ من العمر 35 عاما. الساعة تدق حتى أحمل. أنا عازبة وفقدت الأمل في مقابلة شخص أحبه بما يكفي لبدء عائلة معه.. لكن لماذا يعني ذلك أنني أفقد فرصتي في أن أصبح أما؟"
وتتابع قائلة إنها دخلت موقع فيسبوك حتى لا تفقد فرصتها في أن تصبح أما.
وتضيف "لا أعرف ماذا أتوقع. من الواضح أنني أريد أن أكون آمنة ولن أتسرع في أي شيء. لكني في أمس الحاجة إلى إنجاب طفل، فأنا على استعداد لتحمل المزيد من المخاطر..".
وفي بريطانيا والعديد من الدول الغربية، يتزايد عدد النساء اللائي يسعين إلى "العمل بمفردهن" والحمل من دون رجل في حياتهن.
ورغم عدم وجود أرقام رسمية، إلا أن هناك بعض الدلائل على أنه وفقا للهيئة التنظيمية، وهيئة الإخصاب البشري وعلم الأجنة، شهدت بريطانيا زيادة تقترب من 400 في المئة في محاولات التلقيح الصناعي باستخدام الحيوانات المنوية المجمدة من بنك الحيوانات المنوية في غضون عقد من الزمن.
وحتى قبل كوفيد-19، كانت بنوك الحيوانات المنوية البريطانية تفتقر إلى المتبرعين.
وبموجب القانون، هناك حد قدره 35 جنيها إسترلينيا للمصروفات التي يمكن دفعها للمتبرع. أيضا، أي طفل يولد نتيجة لذلك له الحق في تعقب والده الجيني في سن 18.
إنه أحد الأسباب التي جعلت القليل من الرجال البريطانيين يسجلون، لأنهم لا يريدون طرقا غير متوقع على الباب بعد سنوات.
ولطالما اعتمدت النساء البريطانيات على استيراد الحيوانات المنوية من الولايات المتحدة، حيث يمكن الدفع للمتبرعين، والدنمارك، حيث تبدو المواقف تجاه مقابلة أطفال المستقبل أكثر يسرا.
ويفتخر البلدان بوجود عيادات كبيرة ومحترمة تقدم مجموعة واسعة من "الآباء المحتملين".
وأحصت صحيفة "ميل أون صنداي" أكثر من 70 مجموعة متخصصة على فيسبوك تحمل أسماء مثل "المتبرعين بالحيوانات المنوية المجانية في لندن ببريطانيا" و"الحمل مجانا مع المتبرعين بالحيوانات المنوية في بريطانيا"، كما أن هناك مجموعات لكل عرق وجزء من البلاد.
ورغم أنها خاصة من الناحية النظرية، يمكن لأي شخص أن يصبح عضوا بما يزيد قليلا عن نقرة ماوس. أما النساء اللواتي يطلبن المساعدة فهن من مجموعة واسعة من الخلفيات، لكن يبدو أن الغالبية هي من النساء الأكبر سنا اللواتي يعتبرن المتبرع عبر الإنترنت "فرصتهن الأخيرة" في الأمومة.
ويقول البروفيسور تشارلز كينجزلاند، من "كير فيرتيليتي"، وهي مجموعة عيادات الخصوبة الرائدة في بريطانيا لعلاجات أطفال الأنابيب: "هناك عواقب محتملة تهدد الحياة.. الحيوانات المنوية هي حامل لجميع أنواع العدوى التي تنتقل بسهولة إلى الإناث. وهذا قبل أن تفكر حتى في الجينات التي قد يرثها طفلك لأن الذكر قد يكون دون قصد حاملا لاضطراب جيني".
ويضيف قائلا "بالإضافة إلى المشكلات الطبية المحتملة، يمكن أن تكون الآثار القانونية لإنجاب طفل بهذه الطريقة طويلة وتغير الحياة".
ويؤكد: "إذا كان التلقيح من المتبرعين هو ما تريده أو تحتاجه، فإن الحصول على الحيوانات المنوية من شخص غريب لن يكون نقطة البداية".
وفي غضون ذلك، هناك مخاطر بالنسبة للمانحين. في حين أن الرجال الذين يتبرعون من خلال المنظمات ليس لديهم أي مسؤولية قانونية عن الأطفال المولودين من حيواناتهم المنوية، فإن هذه الحماية لا تنطبق على المتبرعين على فيسبوك.
تقول متحدثة: "لا يمكنك الانسحاب من كونك الأب الشرعي للطفل، حتى لو وافقت الأم.. فأي اتفاق يوضع لهذا الغرض ليس له مكانة قانونية. نوصي بطلب المشورة القانونية المستقلة قبل التبرع".
يبدو كلايف جونز، مدرس الرياضيات المتقاعد البالغ من العمر 65 عاما من ديربي، غير منزعج من مثل هذه المخاوف. فهو متزوج وله أسرة مكونة من 3 أطفال، وقد تبرع بحيوانات منوية لمدة 8 سنوات وأنجب 116 طفلا بهذه الطريقة.
ويقول إنه مدفوع برغبة كبيرة في الاستمرار في إنجاب الأطفال، مع العلم أن بنوك الحيوانات المنوية الرسمية لديها حد أقصى لسن المتبرعين يبلغ 45 عاما.
ولكن مع ازدهار هذه التجارة في عالم فيسبوك غير المنظم، حيث الطلب كبيرا، فإن العمر يبدو غير مهم، بالنسبة لعدد كبير من النساء اليائسات.