بعد عقود من التوترات بين الخصمين النووين، جاء انتخاب رئيس الوزراء الباكستاني الجديد، شهباز شريف، ليكون بمثابة بادرة أمل نحو تحسين العلاقات مع الجارة الهند، التي يرتبط مع مسؤوليها بعلاقة متوازنة.
والاثنين، صوَّت أعضاء البرلمان الباكستاني على تعيين زعيم المعارضة رئيسًا جديدًا للوزراء في البلاد، خلفًا لعمران خان الذي صوّت البرلمان على حجب الثقة منه.
وتواجه الحكومة الجديدة تحديات اقتصادية كبيرة، منها مشكلة في تراكم الديون وتسارع التضخم وضعف العملة الوطنية، إضافة إلى تصاعد الحركات المتشددة والعلاقات المتدهورة مع الهند.
وينحدر الرجل القوي الجديد في إسلام آباد من عائلة سياسية نخبوية يُنظر إليها في الهند على أنها تصالحية ومستعدة لتسوية الخلافات من خلال الحوار بدلا من المواجهة، على عكس سلفه عمران خان الذي كان يعتبر مجرد إمكانية تطبيع العلاقات التجارية والدبلوماسية مع نيودلهي بـ"مثابة خيانة للكشميريين".
وفي بادرة غير معتادة لسياسي باكستاني رفيع المستوى، زار شريف الهند عام 2003 عندما كان رئيسا لوزراء ولاية البنجاب التي انقسمت بين البلدين، خلال تقسيم العام 1947.
وزار قرية أسلافه على الجانب الهندي من الحدود، كما التقى برئيس الوزراء آنذاك مانموهان سينغ ومسؤولين آخرين في نيودلهي، كما حضر نظيره الهندي ناريندرا مودي حفل زفاف أحد أعضاء عائلة شريف.
وأجرى مودي رحلة مفاجئة إلى باكستان عام 2015، بعد عام من توليه منصبه، حيث استقبله شقيق شريف الأكبر نواز، الذي كان رئيسا للوزراء حينها.
وأعقبت زيارة مودي عدة جولات من المحادثات التي تهدف إلى استعادة الثقة التي وصلت إلى أدنى مستوياتها بعد هجمات بومباي الإرهابية عام 2008 والتي اتهمت الهند باكستان برعايتها.
لكن انفتاح العلاقات توقف فجأة في العام التالي مع استئناف الصراع في منطقة كشمير المتنازع عليها بين البلدين والتي كانت سبب اثنين من حروبهما الثلاثة.
وزاد التوتر في أغسطس 2019 حين ألغت الحكومة الهندية المادة 370 من الدستور، والتي تكفل الحكم الذاتي في جامو وكشمير ذو الأغلبية المسلمة الوحيدة في البلاد، ومن ثم تقسيمه إلى منطقتين تديرهما الحكومة الفيدرالية.
آمال الحوار تتزايد
وتعقيبا على ذلك، قال المحلل المتخصص في الشؤون الأمنية والسياسية الدولية، ميتشل بيلفر، إن "تعيين شريف يزيد بالتأكيد فرصة الحوار بين باكستان والهند".
وأضاف بيلفر، وهو مدير مركز المعلومات الخليجي الأوروبي في روما، في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية"، أن "هذا ليس فقط بسبب حقيقة أن شريف سيحاول التراجع عن العديد من سياسات حكومة خان السابقة، لكن لأنه مؤثر بعمق داخل الجهاز العسكري الباكستاني".
وأوضح أن "الفكرة التي تدور حول سياسات شريف هي محاولة تحقيق التوازن بين الضغوط المختلفة التي تواجه باكستان، وهذا يشمل العودة إلى علاقة أكثر بناءة مع واشنطن مع الحفاظ على نفس الشيء مع بكين على الرغم من العداء المتزايد بين الاثنين".
وتابع: "في حين أن جدول أعمال حكومة باكستان محفوف بالمخاطر من التحديات، هناك على الأقل بارقة أمل في إمكانية معالجة بعض القضايا العالقة بين الهند وباكستان واتخاذ إجراءات بناء الثقة".
قبل أن يستدرك: "لكن من أجل الإنصاف، لا يتوقع أحد حل مشكلة كشمير في أي وقت قريب، ولكن في وقت يتزايد فيه عدم اليقين الدولي، من الإيجابي أن الزعيم الباكستاني الجديد قد بدأ واقتلاح أن تكون الأزمة ضمن الحوار بين البلدين".
بادرة إيجابية
وفي بادرة إيجابية، هنأ رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، شهباز شريف، على انتخابه رئيسا جديدا للوزراء في باكستان.
وقال مودي، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر: "أهنئ شهباز شريف على انتخابه رئيسًا لوزراء باكستان".
وأضاف أن "الهند ترغب في السلام والاستقرار، وفي منطقة خالية من الإرهاب، حتى نتمكن من التركيز على تحديات التنمية لدينا وضمان رفاهية وازدهار شعبنا".
وفي خطابه الأول بعد انتخابه، أظهر شهباز شريف انفتاحا في هذا الاتجاه، معلنا أن بلاده تريد "علاقة أفضل مع الهند" لكنه حذّر أيضا من أنه لن يكون هناك سلام دائم من دون تسوية وضع كشمير.
واقترح "على رئيس الوزراء مودي السماح لنا بحل قضية كشمير وتكريس كل طاقاتنا لازدهار بلدينا".
وتتنازع الهند وباكستان حول السيطرة على كشمير منذ الاستقلال عام 1947، وتنشر الهند نصف مليون عسكري على الأقل عند جانبها من الحدود، لمكافحة تمرد أودى بعشرات آلاف الأشخاص منذ 1989، وتتهم باكستان بدعم المتمردين بكشمير وهو ما تنفيه إسلام آباد.
ومنذ أكثر من ثلاثة عقود، تقاتل مجموعات متمردة القوات الهندية وتطالب باستقلال كشمير أو إلحاقها بباكستان.